وفيما يلي نص كلمة رئيس الجمهورية:
أنتهزُ فرصةَ المباركةِ لكم في يومِ المَبْعَثِ النَبَويِّ الشريفِ، للحديثِ معكمْ عن آخرِ التطورات التي نعيشُها معاً جرّاءَ خطرِ تفشي فايروس كورونا المُستَجِد، الذي أعلنتْهُ منظمةُ الصحةِ العالميةِ باعتبارِه "جائحةً" تهَدِّدُّ البشريةَ، وما يترتبُ على ذلك من تحدياتٍ على حياةِ المواطنين، خصوصاً كبارِ السنِّ منهم، وأصحابِ الأمراض المزمنة.
في الأسابيعِ القليلةِ الماضيةِ ودّعنا بحزنٍ أهلاً وأحبةً أصيبوا بهذا الفايروس ولم ينجوا، ومعظمُهم كانوا، كما تؤكدُ خليةُ الأزمةِ التي شكّلتْها الحكومةُ في نطاق الأمر الديواني 55، تعرضوا للعدوى خلالَ وجودِهم خارجَ العراق، ندعو لهم بالرحمةِ والمغفرةِ وقلوبُنا منكسرةٌ على فقدانِهم مع ذويهم وأحبتِهم.
كما شَهِدْنا للأسفِ خلالَ الأيامِ الماضيةِ ارتفاعاً ملحوظاً في أرقامِ المصابين، جرّاء الاختلاطِ والتجمعِ في الأماكنِ العامةِ وعدمِ إدراكِ خطورةِ هذا الوباءِ وتداعياتِه، رغمَ اتخاذِ السلطاتِ في الحكومةِ الاتحاديةِ وحكومةِ إقليمِ كردستان وسلطاتِ المحافظاتِ إجراءاتٍ استثنائيةً لحصرِ الإصابات، مثلَ إغلاقِ الحدودِ وفرضِ حظرِ التجوالِ وإغلاقِ أماكنِ التجمع، والتوعيةِ بالنظافةِ الصحيةِ، وقد تفاعلتْ المرجعياتُ الدينيةُ والشخصياتُ السياسيةُ والاجتماعيةُ والثقافيةُ والإعلاميةُ مشكورةً مع هذه الإجراءاتِ بشكلٍ إيجابيٍّ، ومازلنا ننتظرُ مزيداً من التوعيةِ الاجتماعية حول كيفية التعاطي مع هذا الوباءِ العالمي وتداعياتِهِ بمسؤوليةٍ من قِبَلِ الجميعِ من دونِ استثناء.
أيُّها الاحبةُ..
من واجبِنا الوطني ِأنْ نتصارحَ بما يرتقي الى مستوى هذهِ الأزمة، وأن نقرَّ بصعوبةِ الموقِفِ، وأنَّ هناكَ مخاطرَ قد تتفاقمُ (لا سمحَ الله) في بلادِنا في حالِ لم يتمَّ الالتزامُ بتعليماتِ حظرِ التجوال وعدمِ الاختلاطِ وإجراءاتِ الوقايةِ الصحية، وعلينا الإقرارُ أيضاً بأن ظروفَ البِنى التحتيةِ لنظامِنا الصحيِّ ليستْ بأفضلِ حال، وأن ذلك يُلقي مزيداً من المسؤوليةِ علينا ويدعونا الى مزيدٍ من التكاتفِ معاً لتجاوزِ هذه الأزمة.
في حين اقدر عاليا المبادرات من الشخصيات السياسية و الاجتماعية للمساعدة في هذا المجال أؤكد الدعوة الى جميع َالقوى الاجتماعيةِ وميسوري الحال وأصحابَ رؤوسِ الأموالِ والمنظماتِ المعنيةَ الى إبداءِ اقصى درجاتِ التعاونِ والتنسيقِ مع المؤسساتِ الرسميةِ المعنيةِ، وإطلاقِ المبادراتِ الاجتماعيةِ البنّاءةِ الى جانبِ مؤسساتِ الدولةِ لمواجهةِ الازمةِ الحاليةِ والخروجِ منها بأقلِّ الخسائرِ بإذنِ الله.
يجبُ أن نتكاتفَ جميعاً لتوفيرِ الموادِّ الغذائيةِ والصحية لمن يحتاجُها من أبناءِ شعبنا، وأن يكونَ لوسائلِ الإعلامِ دورٌ رياديٌ في الحثِّ على المبادراتِ الإنسانية مثلَ الدعوةِ الى تخفيضِ إيجاراتِ المنازل مؤقتاً و تأجيل استحصال القروض من قبل المصارف وتوفيرِ الاحتياجاتِ الضروريةِ للأسرِ المتعففةِ ولذوي الدخْلِ المحدود. وأنْ لا ننسى أهلَنا في مخيماتِ النزوحِ وما يُعانونَه من مصاعبَ، وأن يتمَّ السعيُ الى إنهاءِ مأساتِهم وحمايتِهم وتوفيرِ احتياجاتِهم، وتسهيلِ عودتِهم الى مناطقِهم ان شاء الله.
إن هذهِ اللحظةَ العصيبةَ تحتّمُ علينا جميعاً أن نتضامنَ كشعبٍ مشهودٌ لَهُ بالغيرةِ والنخوةِ والصبرِ على المِحَنِ والبلاء .. فنحنُ شعبٌ يمتلكُ تجربةً تاريخيةً وإنسانيةً أصيلة، مكّنتْهُ من تجاوز ِالِمحَنِ عِبْرَ التاريخِ والعودةِ الى استئنافِ الحياةِ والإسهامِ فيها بقوةٍ وعزمٍ لا يلين.
واليومَ لن يكونُ مختلفاً عن ذلك التاريخِ المشرقِ، فشعبُنا سيُثبِتُ مجدداً ما أثبتَهُ مراراً، بأنه مثالٌ للصلابةِ والتآزرِ والتفاهمِ والتضحيةِ أمامَ المحن والتحديات.
ونحن العراقيون، عرباً و كرداً وتركماناً، مسلمينَ ومسيحيينَ ومن باقي الدياناتِ والمذاهبِ والطوائفِ، المسؤولُ والمواطنُ، الغنيُ والفقيرُ، الموظفُ والعاملُ والمزارعُ، نساءً ورجالاً وشباباً وأطفالاً، نقفُ جميعَنا أمام هذا المصاب وهذا التحدي يداً واحدةً، لتتِمَّ معركتَنا ضدَّ هذا الفايروس، وننتصرَ عليهِ، فلا خيارَ إلاّ الأملُ والثقةُ بالنفس ، فبعدَ كلِّ ليلٍ نهارٌ، وشمسُ الانسانيةِ ستُشرِقُ لامحالة.
أعزائي ..
يجبُ أن يكونَ حذرُنا وإجراءاتُنا بمستوى خطورة هذا الوباء، ولكنْ: من دون هلعٍ واضطرابٍ آخذينَ بأتمّ أسبابِ الوقايةِ والعلاجِ، كما أوصتْ المرجعيةُ الرشيدةُ، وكما دعتِ الجهاتُ الصحيةُ المختصةُ، ولنتذكرِ الأغلبيةَ الساحقةَ من المُصابينَ حين تماثلوا للشفاء بعونِ الله وبجهودِ الكادر الصحيِّ الذي يتقدمُ صفوفَ المواجهةِ الآن، كما أنَّ هناك جهوداً حثيثةً على صعيدِ العالمِ لتوفيرِ اللقاحاتِ والعلاجاتِ لهذا الوباء.
ومعَ كلِّ ذلك أؤكدُ لكم مجدداً على ضرورةِ الالتزامِ بالتعليماتِ الصحيةِ وملازمةِ المنازلِ والامتناعِ عن الاختلاطِ بالاخرين، ووضعِ مسافةٍ لاتقلُّ عن مترين مع الآخرين ومراجعةِ الجهاتِ الصحيةِ المسؤولةِ عند الإحساسِ بالأعراضِ الجادةِ لوباء كورونا.
من المعلومِ إنَّ هذا الالتزامَ ليسَ بالأمرِ الهَيّنِ، ويترتبُ عليهِا آثارٌ اقتصاديةٌ واجتماعيةٌ، وضغوطٌ على حياةِ الناسِ وحريّتِهم في التنقلِ والعملِ، لكنها إجراءاتٌ ضروريةٌ ومُلِحَّةٌ تتطلبُها المرحلةُ، ومن الضروريِّ الاستعدادُ لها أيضاً من قِبَلِ مؤسساتِ الدولة و المؤسسات الاجتماعية، كما تتطلبُ تضامناً اجتماعياً واسعَ النطاقِ لتخفيف الأعباءِ عن ذوي الدخْلِ المحدودِ والمؤجّرين وعمالِ الأجرِ اليومي، مقدّرين باعتزازٍ المبادرات الكريمة التي قدمتْها المرجعيات الدينية ومنظمات الإغاثة والشخصيات الاجتماعية والناشطون في هذا المجال.
سنتمكنُ معاً بإذن الله تعالى من تجاوزِ هذهِ الازمة، لا سيما إذا ما وضعْنا جهودَنا سويةً، وتبنّينا مساعدةَ رجلِ الأمنِ على تنفيذِ مَهَمَّتِه، ودعمَ الطواقمِ والفرقِ الصحيةِ لتنفيذِ واجباتِها، وتكاتفَ الغنيُّ مع الفقير، والمديرُ مع موظفيِهِ، والأبُ مع عائلتِه.
أيها الأحبةُ..
يواجِهُ بلدُنا تحدي هذا الوباءِ العالمي، وهو يشهدُ ايضاً تجاذباتٍ سياسيّةً خطيرةً في ظلِّ غيابِ حكومةٍ بصلاحياتٍ كاملة، ونحنُ إذْ ندعو أبناءَ شعبِنا الى التضامُنِ، فمن بابٍ أوْلى أن ندعو أولاً القوى والأحزابَ السياسيةَ الى التضامنِ فيما بينَها ومع محنةِ شعبِنا، للخروجِ بالبلدِ من حالةِ الاضطرابِ السياسي التي تضاعفتْ مع الاسف خلالَ الشهورِ الأخيرة.
و نؤكد إن هذهِ لحظةٌ خطيرة و جادةٌ، وعلى الجميعِ تحملُ مسؤوليتِهِم، للارتقاءِ الى مستوى المسؤوليةِ التي أظهرَها شعبُنا في التعاطي مع الأزمات.
تحيةَ اعتزازٍ وتقديرٍ وإجلالٍ الى الطواقمِ والفرقِ الصحيةِ من أطباءَ وممرضينَ وصيادلةٍ وخبراءَ ومساعدينَ وفنيينَ في جميعِ أنحاءِ البلادِ وهُمْ يواصلون الليلَ بالنهارِ لمتابعةِ المصابينَ والعنايةِ بهم حتى الشفاءِ بعونِ الله.
تحيةَ حبٍّ وإكبارٍ إلى القواتِ العسكريةِ والأمنيةِ في كلّ أنحاءِ العراق، الى كلِ جنديٍّ ورجل أمنٍ وشرطيٍّ و حشدٍ و بيشمركه ينفّذُ واجبَهُ بإخلاصٍ لحفظِ الأمنِ الصحيِّ في الأحياءِ والقرى والمدنِ، ويدافعُ في الوقتِ نفسِهِ عن أمنِ شعبِنا واستقرارِهِ ومستقبلِهِ على الحدودِ والسواترِ في مواجهةِ الإرهابِ وتهديداتِهِ.
تحيةً لكلِّ أمٍ عراقيةٍ تحتضنُ أطفالَها لحمايتِهم من العدوى وتعلّمهُم الأسسَ الصحيةَ لوقايتِهم، ولكل أبٍ يحثُّ عائلتَهُ على عدمِ مغادرةِ المنزلِ إلا للضرورةِ ويحرصُ على التخفيفِ من قلقِهِم وخوفِهِم.
تحيةً لكلِّ شبابِنا وشاباتنا الذين التزموا بالتعليماتِ الصحية، وينشرون الوعيَ عبْرَ مواقع ِالتواصل ِالاجتماعي ويحاربون الشائعاتِ ويرفضونَ نشرَ اليأسِ والإحباط في صفوفِ المواطنين، ويُطلِقونَ المبادراتِ الإيجابيةَ لمساعدةِ المحتاجين.
شعبُنا سينتصرُ بوعيهِ وحكمتِهِ وتضامنِهِ وعلمِهِ وأصالتِهِ وصبرِهِ على وباءِ كورونا، كما انتصرَ على وباءِ الإرهابِ. انتهى
محمد المرسومي