{بغداد: الفرات نيوز}حذرت مجلة {فورين بوليسي} الامريكية من استمرار الازمة السياسية في العراق وتأثيرها الكبير على الوضع الامني كاشفة في الوقت ذاته عن تقليص وكالة الاستخبارات الامريكية { سي آي إيه} نفوذها بنسبة 40 بالمائة في العراق مشيرة الى ضرورة ان تنظر امريكا إلى العراق باعتباره جزءا متكاملا من استراتيجية أوسع لها في منطقة الشرق الأوسط.وقالت المجلة في تحليل لها "أن شيئا ما يجري خلف الكواليس في بغداد، إذ إن الأزمة السياسية المستمرة حاليا أضعفت من سلطة الحكومة المركزية في بغداد، وأعطت الفرصة للجماعات المسلحة لتوسيع عملياتها. وأدى العنف المتصاعد إلى تخوف بعض المراقبين من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية طاحنة مرة أخرى". وقالت المجلة إنه مع سخونة الأحداث السياسية في العراق يوما بعد يوم، استمرت الولايات المتحدة وبوتيرة متسارعة في فقدان قدرتها على حل طلاسم تلك الأحداث، مع خسارتها لأكثر من نصف {وعيها الموقفي}، الذي يعني التصرف بحسب ما يتطلبه المشهد من قول أو فعل. وأوضحت المجلة أنه بالنسبة للخبراء العراقيين فإن هذه المسائل تبدو حقيقية: ففي ذروة التمرد كانت الولايات المتحدة تقوم بجمع المعلومات الخام من 166 ألف جندي و700 من عناصر وكالة المخابرات المركزية الأميركية {سي آي إيه{، إضافة إلى فرق إعادة إعمار المحافظات، أما الآن فموظفو السفارة الأميركية في بغداد يتمتعون بحرية حركة محدودة للغاية ومطوقون من جانب الحكومة العراقية المرتابة من الوضع الأمني الخطير. ونقلت المجلة عن تقارير إحصاءات تفيد بأن مقر وكالة الاستخبارات الأميركية {سي آي إيه} في العراق قد قلص أعداد العاملين فيه بنسبة 40 بالمائة عن مستويات الذروة منذ بدء الاحتلال، إذ يرجع ذلك للحساسية الشديدة التي تبديها الحكومة العراقية تجاه الأعمال الاستخباراتية التي تقوم بها الوكالة مع قوات الأمن العراقية. وأوضحت المجلة أن موقف الولايات المتحدة يمثل تحولا دراماتيكيا، فعندما كانت الولايات المتحدة في أوج حضورها في العراق، امتلكت قدرة فائقة على التعرف على كافة ما يدور في العراق، لكن تلك المعرفة بالأوضاع العراقية من أفراد ومؤسسات وظروف سياسية وغير سياسية، انحسرت مع خروج الجيش الأميركي من العراق وغلقه الأبواب وراءه، طبقا للأوامر السياسية للقيادة العليا الأميركية. وقالت المجلة إنه رغم ضخامة حجم السفارة الأميركية في بغداد، فإن مسؤولي الحكومة الأميركية لديهم حدود تتعلق بحرية التنقل، وذلك بسبب المخاوف الأمنية والشكوك الكبيرة للحكومة العراقية إزاء أية أنشطة أجنبية لجمع المعلومات، حتى وإن كانت غير خطرة. وأوضحت أن وكالات الاستخبارات الأميركية في العراق وجدت نفسها أيضا غير قادرة على إبقاء علاقاتها كما هي مع وكالات الاستخبارات المدنية العراقية، والتي توصف بالشائكة والمتزايدة القوة، كما أن المقاييس الأمنية التي تزود بها الحكومة العراقية الحكومة الأميركية، لا تساعد بشكل كاف لفك رموز ما يحدث على أرض الواقع. وتساءلت المجلة عن الكيفية التي يمكن من خلالها قياس اتجاهات مستويات العنف بالعراق، وقالت إن الطريقة التي تستخدمها كافة الأطراف المعنية بالشأن العراقي لمعرفة الوضع على الأرض -بما فيها الحكومة الأميركية- هي تتبع التقارير الصحافية العراقية عن أحداث العنف. لكن المجلة أشارت إلى أن هذه الطريقة بها ما يعيبها، فعلى سبيل المثال، ظلت التقارير الصحافية في بغداد سيئة للغاية لسنوات عدة، حيث يرجع ذلك جزئيا إلى قربها من الحكومة والانقسامات الطائفية الخطيرة بالمدينة. وأوضحت المجلة أن العراق لا ينهار، لكنه في الوقت نفسه لا يحقق الاستقرار المتوقع بعد ما يقرب من عقد من الاحتلال الأميركي له في محاولة لتحقيق الأمن فيه، ذلك أن البيئة السياسية السامة في العراق تستغلها المجموعات الطائفية المسلحة كجهاز تنفس صناعي، في حين يجب أن تكون تلك الطائفية على وشك الانقراض في الوقت الراهن. وشرحت المجلة أن كل شيء في العراق يدور حول الزخم والتدافع: فإما أنت تتقدم للأمام أو تتأخر للوراء، وبما أن السياسة والأمن رفيقان لا يفترقان في بلد كالعراق; فقد حدث الجمود الأمني نتيجة لتوقف المصالحة الطائفية، ولم تعد تؤمن قوات الأمن العراقية بطريقة محاربة الإرهاب المرتكزة على الدعم الشعبي، كما أغرت تلك الأزمة السياسية الطاحنة السياسيين لاستخدام سياسة الهوية العرقية والطائفية المسممة لجلب مزيد من الأتباع. وحذرت المجلة من أن استمرار الاتجاهات الحالية في بلاد الرافدين، يؤدي إلى تحول المحافظات السنية إلى العنف، والتي بطبيعتها ترضخ للسيطرة الحكومية، وأضافت أن ركود الموقف السياسي لا يعتبر فوزا ولا حتى يعد تعادلا.. في الحقيقة، قد يؤسس هذا الجمود شروطا مسبقة لتصعيد كبير في العنف، وإدخال العراق شيئا فشيئا نحو الهوية المفقودة. وختمت المجلة بالقول: إن الوقت قد حان لإعادة العراق إلى المسار الصحيح قبل أن يفقد الأمن قيمته، وأول خطوة في ذلك هي طرح كل الأطراف المعنية بالصراع العراقي الجدال جانبا والبدء من جديد، كما أن على الولايات المتحدة تكوين بعض من الوعي الموقفي الذي فقدته في الفترة الماضية لإعادة بناء سياسة جديدة لها في مرحلة ما بعد الاحتلال، وأن تنظر إلى العراق باعتباره جزءا متكاملا من استراتيجية أوسع لها في منطقة الشرق الأوسط.انتهى