{بغداد:الفرات نيوز} أكد السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي ان الصحوة الإسلامية برهنت على انّ الفكر الاسلامي قادر على مجاراة روح العصر وإنتاج صيغ اسلامية حداثوية ترتكز على الثوابت الاسلامية، محذرا من محاولات البعض إيقاظ الفتنة الطائفية والضرب على وتيرتها للايقاع بين المسلمين وافساد مشروع الصحوة الاسلامية. وقال السيد عمار الحكيم في كلمته خلال مؤتمر المرأة للصحوة الاسلامية في طهران امس الاربعاء ، إنّ "الواجب الاسلامي يحتّم علينا أن نُعطي الأولوية لإصلاح الفرد وتأهيله كمدخل أساسي لإصلاح المجتمع، وهو المقدمة الضرورية لإصلاح الدولة ومؤسساتها "، مشددا على انّ "نجاح الصحوات الاسلامية لا يتحقق بالمشاعر الطيبة والأماني الصالحة في العودة إلى الاسلام والتحرر من التخلف والتبعية فحسب، وإنّما بانضاج مشروع واضح المعالم يبتني على أساس المرونة في التطبيق ". وأكد "الحاجة الماسة إلى قيادات نسويه مؤهلة في كافة الميادين" ، مبينا أن "الدور المحوري للمرأة المسلمة في ادامة زخم المجتمع الاسلامي يفرض على القيادات الاسلامية العمل بجدية وعن قناعة في تنمية المشاريع النسوية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية وتنمية القدرات القيادية والادارية للمرأة المسلمة". وأوضح ان "مشاركة المرأة في حركة الصحوة الاسلامية مشاركة فعّالة وكانت تمثل الوقود المعنوي لأخيها الرجل في الثورة ضد الفساد والاستبداد". وأشار الى أن "الغرب مازال يعاني من صعوبة فهم طبيعة الرؤية الاسلامية لدور المرأة في المجتمع" ، مضيفا بقوله إن " مايساعد على هذا الفهم الخاطئ وترسيخ هذه الصورة المشوّهة والبعيدة عن الواقع هو بعض المتطرفين الذين ينظرون إلى المرأة من زاوية ضيقة ويتشددون في تحديد أدوارها ومساحات حركتها "، مشددا على ان "الاسلام لم يقتصر في رؤيته للمرأة بتحديد واجباتها المنزلية والأسرية و أحكام التبرج والاختلاط، وانّما تعدى ذلك لينظر لها نظرة الانسان والشريك والمحرك الأساس في المجتمع . وفي ما يلي نص كلمة السيد عمار الحكيم ... بسم الله الرحمن الرحيم في البداية أتقدّم بالترحيب بهذا الجمع النسوي الكبير، وأشكر من صميم القلب جمهورية ايران السلام والاسلام وقيادتها الحكيمة المتمثلة بالامام السيد الخامنئي (دام ظلّه) الراعي الكبير للصحوات الاسلامية والأمانة العامة للمؤتمر الدكتور ولايتي وفريقه الكفوء.. قال تعالى {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربَّنا أخرجنا من هذه القرية الظالِمِ أهلُها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً} حيث تشير هذه الآية الواردة في سورة النساء إلى أحد أهم عناصر الصحوة الاسلامية ونجاحاتها المتمثلة بـ"الولاء والنصرة" الإلهية للانسان المتصدي بوجه الاستبداد والانحراف... انّ أصبحت اليوم حقيقة متنامية وفاعلة على الأرض تلقي بتأثيراتها على واقع الشعوب وعلى العلاقات الدولية، ولم تعد مجرد نداءات أو تمنيات أو شعارات، وبرهنت على انّ الفكر الاسلامي قادر على مجاراة روح العصر وانتاج صيغ اسلامية حداثوية ترتكز على الثوابت الاسلامية.. وانّ الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق يمكن أن يتم بغطاء فكري اسلامي معاصر يركز على الواقعية في التعامل والأساليب ويعتمد مبدأ المرحلية والتدرج في الممارسة ويبتعد عن اسلوب حرق المراحل والتعجيل بحصد الثمار... إنّ الصحوة الاسلامية الصاعدة في الأمة قد أطلقت رياح التغيير والتجديد في واقع المجتمعات العربية والاسلامية، وبدأت تزيح الجمود الذي غلَّف هذه المجتمعات لسنين طويلة، وتركّز على الهدف الأوضح عن طريق تحفيز الطاقات الكامنة لدى الأمة والارتقاء بها إلى لحظة الاستعداد النهائي للمواجهة وتحقيق الانتصار.. كما انها بدأت تتعامل مع التفاصيل والآثار التي خلفتها الحقبة الماضية بأبعادها المختلفة. انّ النجاحات التي حققها مشروع الصحوة الاسلامية جاءت بفضل الله تعال وبالثقة العالية به، والتوكل عليه وتسديده من ناحية، واصرار العاملين المخلصين المثابرين وفي مقدمتهم الامام الراحل الخميني {ره} والامام الخامنئي {دام ظلّه} وبالتضحيات الجسام للشعوب المسلمة، مما يعني انّ الأركان الأساسية لنجاح الصحوة هي {الايمان، الارادة الصلبة، حركة الشعوب والأمة، القيادة الحكيمة}. انّ من أهم التحديات التي تواجه الصحوات الاسلامية هي تحديد الرؤية الاسلامية لواقع المرأة ودورها في المجتمع والأمة، والمرتكز الفكري لهذه القضية المحورية هو قاعدة حرية المرأة في الممارسة والتصدي والمشاركة "في اطار الاسلام" وأحكامه وتعاليمه وضوابطه في قبال الفكر المادي الذي اعتمد على قاعدة تحرير المرأة "من الاطار الاسلامي" والضوابط الشرعية والمحددات في حركة المرأة، وتناسى انّ المرأة شراع تبحر به سفينة المجتمع لبر الأمان، وليست شعاراً لأسواق الرذيلة في كل زمان، فرفع من قيمة المرأة السلعة ولم يفلح في رفع قيمة المرأة الانسان، وتجاهل حقيقة انّ موقع المرأة محفوف بالبهاء ويجب أن لا نجعله عرضة للهباء.. وعلى هذه الخلفية فانّ الغرب مازال يعاني من صعوبة فهم طبيعة الرؤية الاسلامية لدور المرأة في المجتمع.. ولطالما اتخذ من قضية المرأة شعاراً للانتقاد وأحياناً للهجوم على المجتمع الاسلامي.. واليوم ومع انتصار الصحوة في الكثير من المجتمعات الاسلامية سيكون التركيز متزايداً على هذه القضية لتستغل اعلامياً وفكرياً في الانتقاص من التأثير الكبير لهذه الصحوات على مجمل حركة المجتمع.. ومايساعد على هذا الفهم الخاطئ وترسيخ هذه الصورة المشوّهة والبعيدة عن الواقع في علاقة الاسلام بالمرأة، هو بعض المتطرفين الذين ينظرون إلى المرأة من زاوية ضيقة ويتشددون في تحديد أدوارها ومساحات حركتها في نظرة تجزيئية ومنقوصة لبعض النصوص الدينية، متجاهلين الصورة الاسلامية المشرقة التي ترفع من المكانة الاجتماعية للمرأة وتمنحها الحقوق المادية والمعنوية الكاملة وتؤسس لغرس الثقة العالية بالنفس لدى المرأة المسلمة على قاعدة "الحرية في اطار الاسلام". انّ هذه الرؤية المنقوصة للفهم الاسلامي لدور المرأة دفع البعض من المسلمين وغيرهم لإتخاذ مواقف استباقية تناقض حقيقة الاسلام باعتبار انّ الاسلام يخاطر بالحريات الخاصة والعامة ويقيّد حرية الفكر والتعبير ويعارض الفن والابداع ويقف عائقاً أمام المرأة وكرامتها وحقوقها الانسانية. لذلك على المرأة المسلمة أن تعي خطورة انجرافها وراء دعاة التغريب والتخريب على حدٍ سواء، وتميز بين شعار التكريم وسياسة التحطيم لمغزى وجودها وفاعلية دورها. انّ الاسلام لم يقتصر في رؤيته للمرأة بتحديد واجباتها المنزلية والأسرية وتحديد أحكام التبرج والاختلاط، وانّما تعدى ذلك لينظر لها نظرة الانسان والشريك والمحرك الأساسي في المجتمع، وبدأ بانقاذها من الظلم والاستعباد الاجتماعي والوأد، وكفل حقوقها الاجتماعية والانسانية على أكمل وجه، ورفع من درجتها المجتمعية لتكون شريكة في ادارة المجتمع ونظّم العلاقة الاجتماعية والأسرية بينها وبين الرجل بمفاهيم اسلامية عميقة.. ولكن الجهل والاستبداد والتخلف الحضاري هو الذي سلب المرأة الكثير من الحقوق التي منحها الاسلام لها، وعادت الكثير من الممارسات الجاهلية مغلفة أحياناً باطار اسلامي لتنتقص من المرأة ومن الاسلام معاً، نتيجة الانغلاق والنظرات الضيقة والفهم المنقوص للاسلام. لقد شاركت المرأة في حركة الصحوة الاسلامية التي نعيشها اليوم مشاركة فعّالة وكانت تمثل الوقود المعنوي لأخيها الرجل في الثورة ضد الفساد والاستبداد وعبّرت عن نفسها ووعيها الاسلامي والوطني والانساني وشاركت في المسيرات المطالبة بالاصلاح والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.. كما ساهمت في العديد من الأدوار الأساسية في استنهاض الحركة التغييرية وبلورة واقع الصحوة الاسلامية. فحيثما كان عملاً تطوعياً، نجد المرأة المسلمة في المقدمة سواء في الساحات التي نزل بها الثائرون أو خيام الاعتصام، ومن أروع الأدوار التي قامت بها المرأة المسلمة في الثورات الشعبية هو الدور الذي لعبته في تشكيل جدار الصد بين أدوات الاستبداد والطغيان المستخدمة من الأنظمة ضد الثائرين المتظاهرين، مما أحرج هذه الأنظمة وأجهزتها القمعية، وأظهر للعالم بشاعتها. ولذا فقد كانت المرأة سبّاقة في مضمار هذا التحول الحضاري الكبير للأمة، ولعبت دورها الجهادي الذي عبّر عنه الامام الخميني {قده} بقوله: {لقد برهنت نساءُ عصرنا أنّهن في الجهاد على قدم المساواة مع الرجال، بل في طليعتهم}. ومن هذا المنطلق يجب على قادة العمل الاسلامي ومفكريه الانتباه إلى برامج تأهيل المرأة وتفعيل طاقاتها الانسانية والمجتمعية، وأن تكون البداية في منح المرأة المساحة التي تستحقها داخل مؤسسات الحركة الاسلامية أولاً ومنها تنطلق إلى مساحتها داخل المجتمع والأمة.. وعليهم أن يضعوا قضية المرأة ضمن الأولويات في مواجهة التحديات التي تنتظر الصحوة.. وأن يدركوا انّ المهمة ليست سهلة إذا ما أخذ بنظر الاعتبار الكم الهائل من المشاكل الضاغطة على المجتمعات الاسلامية وظروف التحول الجديدة وطنياً ودولياً. وانّ الدور المحوري للمرأة المسلمة في ادامة زخم المجتمع الاسلامي يفرض على القيادات الاسلامية العمل بجدية وعن قناعة في تنمية المشاريع النسوية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية وتنمية القدرات القيادية والادارية للمرأة المسلمة ومنحها الفرصة لإكتساب التجربة وصقل الشخصية واكتساب المهارات. انّ المجتمعات الاسلامية بحاجة ماسة إلى قيادات نسوية مؤهلة في كافة الميادين، إذ انّ وجودهنَّ سيُسهم بصورة فاعلة في ازدهار العمل النسوي وترسيخه في المجتمع.. وأن لا يكون حضور المرأة في مؤسسات العمل الاسلامي شكلياً.. انّ مقولة "وراء كل رجل عظيم امرأة" يعبّر عن دور المرأة في الحياة، فنحن نبحث دائماً عما وراء الأشياء ومابين السطور، لأنّه عمقها وهو يعني انّ عمق عظمة الرجل يكمن في المرأة... انّ الفرق بين أعمال الرجال والنساء هو في عمومه، فرق اختصاصٍ لا إنتقاص، وتمايز لا تمييز، فالنجاح الحقيقي حينما تنظم هذه العلاقة التكاملية التي تعتمد على تبادل الأدوار ومشاركة الهموم بين الطرفين، وهو ما يحتم علينا أن ننصف المرأة في دورها ولا ننسف مهمتها في بناء المجتمع إلى جانب الرجل. انّ الصحوة الاسلامية التي نشهدها اليوم هو انبعاث في الاطار العام يمثل التمسّك بالاسلام وثوابته كإسلوب للحياة ومبدأ لقيادة المجتمع، ولكنه لم يأتِ من موقف فكري محدد ليُعبّر عن رؤية بملامح واتجاهات وأساليب واحدة ومحدودة، وانّما انطلق من حالة اسلامية عامة تحوي الاجتهادات المتعددة، والشعارات المتنوعة والمشاريع الخاصة ضمن الساحة الاسلامية العامة والواسعة.. إنّ ذلك يتطلب الفرز بين القاسم المشترك والاطار الجامع لهذه الصحوات الاسلامية وبين الخصوصيات والحساسيات الفئوية والحزبية والمناطقية وبدون ذلك سنقع في محذور تداخل المصالح واشتباكها، بين المصلحة الحزبية والمصلحة الوطنية، أو بين المصلحة الوطنية والمصالح الاسلامية العليا في بعض الحالات. كما يتطلب تجنُّب الوقوع في الانغلاق والانكفاء على الذات واستبعاد المساحات الواسعة من الأمة بدعوى اختلافهم معنا في رأي أو سلوك أو عقيدة، والتأكيد على أهمية الانفتاح واستحضار انّ "الصحوة اسلامية الهوية، انسانية الاطار"، وفي هذا السياق لابد من الحذر الشديد من محاولات البعض إيقاظ الفتنة الطائفية والضرب على وتيرتها للايقاع بين المسلمين.. وافساد مشروع الصحوة الاسلامية. اننا ومن خلال تجربتنا الواقعية في العراق خلال السنوات العشر الأخيرة، ندرك جيداً انّ مهمة الاصلاح السياسي ستأخذ الكثير من الجهد والوقت والاهتمام من قبل الحركات الاسلامية، وهذا سيكون على حساب المجالات الاصلاحية الأخرى والتي قد لا تقل في أهميتها عن الاصلاح السياسي، مما سيأكل من رصيد الصحوة الاسلامية ويقلل من زخمها.. إنّ الواجب الاسلامي يحتّم علينا أن نُعطي الأولوية لإصلاح الفرد وتأهيله كمدخل أساسي لإصلاح المجتمع، وهو المقدمة الضرورية لإصلاح الدولة ومؤسساتها. انّ نجاح الصحوات الاسلامية لا يتحقق بالمشاعر الطيبة والأماني الصالحة في العودة إلى الاسلام والتحرر من التخلف والتبعية فحسب، وإنّما بانضاج مشروع واضح المعالم يبتني على أساس المرونة في التطبيق حسب الظروف الموضوعية لكل بلد، والاطار العام الذي يجمع العالم الاسلامي في أهدافه وتطلعاته وحقوق شعوبه. انّ اسقاط الأنظمة المستبدة يمثل خطوة أساسية في مشروع الصحوات، ولابد من استكمالها بخطوات أخرى لإسقاط المنظومات الأخلاقية والقيمية الفاسدة وسياسات تغييب دور المجتمع بطاقاته الكبرى في عملية البناء والاعمار والازدهار والتنمية بكافة صورها وأشكالها ومستوياتها.. مادية ومعنوية.. والانتقال من شارع الثورة إلى مشروع بناء الدولة.. ومؤسساتها. انّ التجربة العراقية بما حققته من سبق زماني في الواقع العربي جديرة بالدراسة بكل ما اكتنفها من انتصارات واخفاقات وانجازات وتلكؤات وتشويش على واقعها وشعبها والقوى السياسية الاسلامية والوطنية التي قادتها.. ونحن على أتم الاستعداد لتقديم هذه التجربة بتفاصيلها لمن يرغب بالاطلاع عليها والاستفادة منها. ستبقى فلسطين قلباً نابضاً للعرب والمسلمين والدفاع عن الحقوق المشروعة لهذا الشعب المظلوم واجباً اسلامياً ووطنياً، ومواجهة المخططات الصهيونية والاستكبارية الرامية للالتفاف على الصحوة ومسك زمام المبادرة واستعباد الشعوب الاسلامية من جديد مهمة كبرى لن نتخلى عنها ولن نحيد، مادام الدم يجري في عروقنا.