{بغداد: الفرات نيوز} في مطعم ومقهى الفيصلية بمنطقة عَرَصات الهندية شرقي بغداد ثمة شبان منكبون على القراءة في أجواء هادئة تخلو من الأغاني الصاخبة والأصوات العالية التي تعج بها معظم المقاهي العراقية، مما جعله مقصدا للعديد من هواة القراءة والمطالعة.
ورغم أن المكان يقدم وجبات طعام على مدار اليوم بالإضافة إلى لعب الدومينو والطاولة وتدخين الأراجيل فإنه بات يستقطب يوميا العشرات من المهتمين بالكتب وهواة الاستماع إلى الفرق التي تقدم وصلات من الموسيقى الغربية كالجاز والروك وغير ذلك.
يقول مدير التسويق في المطعم زين محمد إن "هذا المكان تحول إلى ما يشبه المركز الثقافي الذي يحتضن مشاريع شبابية لتشجيع القراءة وصناعة الأعمال اليدوية والعزف على الموسيقى والفن التشكيلي دون أي مقابل مالي".
وتمتلئ زوايا المكان وجدرانه بالكتب التي يتحلق حولها شبان وفتيات يقرؤون ويتناقشون في جلسات مفتوحة ينضم إليها بعض الكتاب والمؤلفين أحيانا.
وقد بدأت هذه الظاهرة تتسع مؤخرا في بغداد ومدن أخرى، فلم يعد غريبا أن تجلس بمقهى أو مطعم في بغداد فتشاهد ركنا فيه مخصصا للقراءة، وهو أمر أصبح يلاقي أصداء إيجابية وتفاعلا كبيرا بين الشباب العراقيين.
وكان وراء الفكرة عدد من الشبان المهتمين بنشر المعرفة وإعادة الاعتبار إلى الكتاب بعد غزو الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي حياة العراقيين، ومن بين هؤلاء ليان القدسي التي تبلغ من العمر ثلاثين عاما، حيث أنشأت مشروعا تقوم فكرته على افتتاح مكتبات أو نقاط لبيع وتأجير الكتب في الأماكن العامة حمل اسم "درج".
تقول ليان إنها كانت تحلم بمشروع خاص تستطيع من خلاله الإسهام في نشر الثقافة والمعرفة، لكن عقبات كثيرة واجهتها في هذا المجال، وعلى رأسها صعوبة الحصول على مكان مناسب بسبب غلاء الإيجارات.
لكنها استطاعت تجاوز ذلك عن طريق الاتفاق مع بعض أصحاب المطاعم والمقاهي على تخصيص زوايا تحتوي على مكتبة تضم أنواعا مختلفة من الكتب، من بينها روايات ودواوين شعر وكتب علمية.
وبعد شهور عدة على افتتاح المشروع بات لـ"درج" خمسة أفرع في بغداد وفرع في الموصل، وما زالت صاحبته تنوي التوسع أكثر نحو مدن أخرى جديدة.
وتؤكد ليان أنها تبحث عن أفكار ريادية ومتجددة تستطيع من خلالها خدمة الشباب، لذا حرصت على أن يكون مشروعها أشبه بمؤسسة ثقافية وليس مجرد متجر لبيع الكتب من أجل صناعة الوعي وبث روح الثقافة، كما تقول.
وتجتذب هذه المقاهي والمطاعم شبانا من أعمار مختلفة، ولا سيما من طلبة الجامعات والموظفين الذين يجدون فيها متنفسا من ضغوط الحياة اليومية، كما يقولون.
وتشير الطالبة في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد رؤى الجميلي إلى أن القراءة والاهتمام بالكتاب تحولت إلى ما يشبه "الموضة" مؤخرا، بسبب حملات ترعاها مؤسسات ثقافية وإعلامية، فضلا عن مهرجانات الكتب التي انتشرت على امتداد خريطة البلاد.
وترى الجميلي أن هذه الظاهرة تمثل ضوءا في عتمة الأوضاع الحالية التي تعيشها البلاد، ويمكن أن تفرز أجيالا أكثر وعيا وأبعد عن الانخراط في متاهة الصراعات الطائفية والقومية.
أما الموظف الحكومي علي رسن فيقول إنه قرر منذ سنوات أن يهجر الاهتمام بالسياسة بسبب الإحباط الذي أصابه، وقد ساعدته هذه الأماكن على أن ينعم بساعات هادئة كل يوم بعيدا عن ضغوط الحياة العامة.
ويؤكد أن رواد هذا المكان مسالمون ولطيفون، وهم من مختلف المكونات "فلا صوت يدعو للكراهية أو الطائفية هنا".
وقد شهدت عدد من المدن العراقية في السنوات الأخيرة إقامة مهرجانات عامة للقراءة حضرها الآلاف من مختلف الفئات العمرية بالتزامن مع انتعاش سوق الكتاب، وزيادة الأنشطة الثقافية في الشوارع المخصصة للمكتبات، كالمتنبي في بغداد والنجفي في الموصل والفراهيدي في البصرة.انتهى