• Friday 22 November 2024
  • 2024/11/22 03:51:04
{بغداد: الفرات نيوز} عند الحديث عن ثروات العراق وموارده الطبيعية، يأتي النفط كأهم موارد العراق الطبيعية؛ إلا أن هذه الحقيقة غير مكتملة، إذ يضم البلد أكبر احتياطي عالمي من الكبريت الرسوبي في حقول المشراق جنوب مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، والذي تقدر وزارة الصناعة والمعادن احتياطاته بحوالي ثلثي الكبريت الموجود على الكرة الأرضية.

ويقول مدير عام شركة كبريت المشراق، عبد المنعم الجبوري، في تصريح صحفي، إن "حقول المشراق تعد أكبر حقول الكبريت الرسوبي، حيث يقدر الاحتياطي العالمي بـ600 مليون طن، وتعد الأكبر في العالم، وتقدر احتياطاتها بقرابة 360 مليون طن".
تأسست الشركة العامة لكبريت المشراق التابعة لوزارة الصناعة عام 1969، وبدأ إنتاج الكبريت من خلال عقد استثماري مباشر مع إحدى الشركات البولونية في 28 ديسمبر/كانون الأول عام 1971، وهو اليوم الذي اعتبر بعد ذلك عيد المناجم العراقية، واستمرت الشركة البولونية بالعمل حتى عام 1990، بحسب الجبوري.
ويوضح الجبوري أن الطريقة القديمة في استخراج الكبريت في العراق المسماة بـ"فريش" أو "سوبر هيت ستيم" (Super Heat Steam) تتمحور في صهر طبقات الكبريت على عمق 150 مترا في باطن الأرض، ثم سحبها إلى الخارج، ثم تعمل مصانع التنقية على فصل الكبريت.
وعن مساحة الحقول وأعدادها، يكشف الجبوري أن كبريت المشراق يتكون من 3 حقول، حيث يقدر احتياطي الحقل الأول بـ65 مليون طن، فيما يبلغ احتياطي الحقل الثاني 66 مليون طن، أما الثالث (الأكبر) فتبلغ احتياطاته 224 مليون طن، لافتا إلى أن الحقلين الأخيرين لم يستثمرا حتى الآن.
ويقول المهندس الكيميائي، عمر صلاح الدين، إن حقول كبريت المشراق تعد الأكبر في العالم من حيث احتياطاتها من الكبريت الرسوبي الخام، وأن استخداماته تتنوع ما بين الصناعات الدوائية والبارود والأسمدة والمبيدات وتعفير الحبوب الزراعية.
ويضيف صلاح الدين أن العمل متوقف منذ 2003 ما أدى إلى تلوث بيئي كبير؛ بسبب مخلفات الكبريت غير المعالجة، فضلا عن الطريقة البدائية التي كانت مستخدمة في الاستخراج، مضيفا أن العراق لو استثمر في الطرق الحديثة لاستخراجه، فإنه سيحقق عائدا ماديا كبيرا للبلاد؛ بسبب خلو المنتج من المخلفات الكبريتية.
ويؤكد مدير عام شركة كبريت المشراق ذلك، ويضيف أن الكبريت الرسوبي المنجمي هو ترسبات تراكمت عبر ملايين السنين، ويختلف عن الكبريت المنتج المصاحب لعمليات استخراج النفط والغاز، حيث إن الأول يضم العديد من المواد العضوية، وبالتالي يدخل في صناعات الأسمدة الفوسفاتية وحامض الكبريتيك والبارود والأدوية، كما يعد مبيدا نشطا للحشرات والآفات الزراعية.
وتضم الشركة العامة لكبريت المشراق عدة خطوط إنتاجية، ومنها مصانع إنتاج مادة الشب (كبريتات الألمونيوم المائية) المستخدمة في تصفية المياه، وهو ما يشير إليه الجبوري في أن هذا المصنع أعيد تأهليه بعد استعادة القوات العراقية السيطرة على محافظة نينوى منتصف عام 2017، حيث ينتج المصنع 80 ألف طن من الشب سنويا، ويفوق بمواصفاته ما تستورده الدولة.
كما أن للشركة مصنعا آخر ينتج الكبريت الزراعي بمواصفات عالية الجودة، والذي يستخدم في القضاء على الآفات الزراعية، ويكون على شكل مسحوق (باودر) يعمل الفلاحون من خلاله على حماية محاصيلهم.
ويرى الخبير الاقتصادي همام الشماع أن هناك تعمدا من الحكومات السابقة بعدم استثمار حقول كبريت المشراق، وأكد أن الدولة، ومنذ عام 2003 تفتقر لرؤية إستراتيجية اقتصادية تعكف على استثمار الموارد الطبيعية الهائلة على غرار استثمار النفط والغاز.
من جهته، يشير المتحدث باسم وزارة الصناعة، مرتضى الصافي، أن الحكومة الحالية ومنذ تشكيلها، شرعت بوضع خطط متكاملة لإعادة تفعيل المصانع التابعة للشركة، خاصة في المناطق التي كانت تقبع تحت سيطرة داعش، ومن ضمنها شركة كبريت المشراق، لافتا إلى أن إعادة عمل المصانع يتوقف على مدى تضرر هذه المصانع.
ولا يستبعد الصافي، إحالة المشاريع المتضررة كليا إلى الاستثمار كما في مصانع الفوسفات في الأنبار وشركة أدوية نينوى ، مشيرا إلى أن شركة حقول كبريت المشراق استطاعت إعادة تشغيل بعض معاملها، وأن هناك خطة موضوعة الآن لإعادة تشغيل مصانع الكبريت مجددا.
ويشير مدير كبريت المشراق، عبد المنعم الجبوري، إلى أن الاستخراج متوقف منذ عام 2003؛ إلا أنه في عام 2011 تعاقدت وزارة الصناعة مع شركة "ديفكو" (Devco) الأميركية لاستيراد مصنع حديث ومتكامل بقيمة 80 مليون دولار.
غير أن سيطرة داعش على محافظة نينوى صيف 2014 حالت دون نصب المصانع الحديثة، التي وصلت العراق عام 2015، والتي ما تزال مخزنة في موانئ البصرة؛ بسبب حاجة الشركة لإعادة تأهيل البنى التحتية والمخازن، التي اقتربت من إنهائها.
وعن مدى إمكانية استئناف الإنتاج، كشف أن الشركة سيكون لديها القدرة على إنتاج نحو مليون طن من الكبريت النقي خلال عامين، وبالطريقة الحديثة غير المنتجة للملوثات الكبريتية، لافتا إلى أن المخزون الإستراتيجي من الكبريت الخام المستخرج منذ عام 1990 يقدر بـ90 ألف طن.
إضافة إلى وجود نحو مليوني طن من المخلفات التي تسمى بـ"الفوم"، التي تضم مخلفات كبريتية بنسبة 80%، ويمكن استخدامها مادة عازلة للرطوبة غير أنها غير مستغلة حتى الآن، وبدأت هيئة البحث والتطوير في وزارة الصناعة تفعيل آليات لاستخدام هذه المادة.
أما ما يتعلق بتسويق المنتجات الكبريتية، فيؤكد الجبوري أن الصناعة الوطنية العراقية لن تنهض ما لم تعمل الدولة على حماية المنتج المحلي، لافتا إلى أن شركته تنتج نحو 80 ألف طن من "منقيات المياه" (الشب) سنويا، تكفي حاجة البلاد، وبمواصفات عالمية، غير أن دوائر الدولة والوزارات تتعمد استيراد هذه المادة من الأسواق العالمية.
يذكر أن حقول كبريت المشراق تعرضت لـ3 حرائق، كان أشدها عام 2003 عقب الغزو الأميركي للبلاد، ثم في عام 2016 عندما أحرق مقاتلو داعش فضلات الكبريت في محاولة لعرقلة تقدم القوات الأمنية، وفي صيف 2019 امتدت ألسنة اللهب الناتجة عن حرائق حقول القمح والشعير لتصل إلى حقول الكبريت، ما تسبب بتلوث بيئي كبير، بحسب الجبوري.
هي مشكلات معقدة تواجهها الثروات الطبيعية في البلاد ومن ضمنها الكبريت، فما بين الفساد وسوء الأوضاع الأمنية وغياب التخطيط والإجراءات البطيئة، تظل ثروات العراق جاثمة في باطن الأرض إلى حين.
عمار المسعودي
 

اخبار ذات الصلة