ألا وهما الاتحاد السوفيتي والصين، اللذان يملكان حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي. حيث عمل هذا التحالف الثلاثي على فرض سطوته خلال سنوات طويلة، منتهجًا سبيل التركيز على القوة العسكرية والأمنية، وشكّل مؤسسات عدة لإدارة العالم في حينها، انطلاقًا من الأمم المتحدة في الجانب النيابي، مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية في الجانب القضائي، اليونسكو في المجال الثقافي والإنساني، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اقتصاديًا، والدولار ماليًا، وغيرها من المؤسسات التي عملت على حكم وإدارة العالم في مختلف الجوانب.
كما وعمل هذا التحالف على استمالة الدول الغربية إلى جانبه وفرض نفسه على دول الشرق؛ وبدأت قوته بالتصاعد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، متخذًا حادثة 11 سبتمبر عام 2001 ذريعة لنشر قواعده وقوته في دول شرق العالم، والسعي للتدخل في شؤون الدول التي كان يتواجد فيها من خلال قواعده العسكرية وتمثيلاته المتعددة بمختلف المسميات. مع العلم أن انتشار أمريكا في دول الشرق كان بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي الجانب الآخر، تم تأسيس تحالف تحت مسمى (بريك) عام 2009، يتكون من البرازيل، روسيا، الهند، والصين؛ متغيرًا اسمه إلى (بريكس) عام 2010 بعد انضمام جنوب أفريقيا إليه. وعند تقدم الزمن، انضمت عدة دول إلى هذا التحالف رسميًا عام 2024، وهي: إيران، إثيوبيا، الإمارات، مصر، السعودية، والأرجنتين، إلا أن الأرجنتين انسحبت منه بعد فوز تيار اليمين القريب من أمريكا فيها. فيما عمل هذا التحالف الجديد على تشكيل ثلاثية تقابل الثلاثية الغربية، مكوّنة من (روسيا، الصين، إيران)، وبذلت الثلاثية الجديدة جهودًا كبيرة لإثبات نفسها وتشكيل قطب ثنائي أمام الثلاثية الأولى من خلال القوة الاقتصادية.
وتتمركز القوة الاقتصادية لتحالف بريكس عند الصين، حيث تسعى لغزو العالم من خلال صناعتها واقتصادها، والدخول في مختلف المجالات كي تكون هي الرائدة بحكم العالم في ذكرى مئويتها عام 2049. إضافة إلى ذلك، انتفعت الصين كثيرًا من انهماك حلفائها الرئيسيين، روسيا وإيران، بخوض الحروب في المنطقة، لتكون هي في مأمن وتستغل انشغال العالم بهذه المساحات لتوسيع دائرة سيطرتها وقوتها.
فيما أسس تحالف بريكس منصة للتعاملات المالية بين الدول المنضوية إليه تحت اسم “بنك التنمية الجديد”، وهو البنك الذي يتولى العلاقة المالية بين هذه الدول والبنك الدولي العالمي. فيما أعاد طرح مشروعه المالي الأكبر في قمة كازان الأخيرة، وهو تصدير عملة (بريكس)، مقابل عملة الدولار.
استنادًا إلى ما سبق، بات واضحًا أن الصراع العالمي الحالي اقتصادي في أساسه، وأن القوة العظمى ستكون لمن له الكلمة العليا في الاقتصاد. لهذا يُتوقع أن تكون اللغة الجديدة لدونالد ترامب لإعادة أمريكا إلى قوتها السابقة في العالم هي اللغة الاقتصادية، والعمل على فرض سيطرته على العالم من خلال هذه القوة، مستندًا إلى عمله ومهنته الحقيقية: التجارة.
كما بيّن في خطاب فوزه أنه سيعيد لأمريكا تأثيرها ومكانتها الحقيقية في العالم، ولن يكون ذلك إلا من خلال زجها في التجارة العالمية. وما سيساعده على ذلك غلبة الجمهوريين في التمثيل الحكومي الجديد، حيث 53 عضوًا في مجلس الشيوخ و203 أعضاء في البرلمان و27 ولاية من أصل 50 ولاية أمريكية. وفي أول خطواته الإصلاحية لتطوير الصناعة المحلية، سيفرض ضريبة كمركية بنسبة 60% على السلع المستوردة من الصين، و10 – 20% على السلع المستوردة من باقي دول العالم.
كما سيعمل ترامب على تطوير التجارة الأمريكية في مجال النفط والغاز والدخول في التنافس العالمي. وهذا سيكون الخيار الأول له في مسعاه لعزل إيران عن مجتمعها الدولي، حيث سيدخل الشركات النفطية الأمريكية في ركب التجارة العالمية وسينافس الشركات الشرقية.
كما يُحتمل أنه سيطلب من بعض الشركات الحليفة له تكثيف نشاطها داخل العراق لتقويض النفوذ الإيراني بالتنافس التجاري فيه. كما وسيستمر مسار ترامب في عزل إيران من خلال فرض “الحد الأقصى” من العقوبات عليها في تخصيب اليورانيوم وصناعة القنبلة النووية.
استنادًا إلى مبدأ “الوقاية خير من العلاج”، وعدت إيران وكالة الطاقة الذرية العالمية، في زيارة رئيسها الأخيرة غروسي إلى إيران، بالتوقف عند حدود 60% في تخصيب اليورانيوم وبحجم 183.2 كيلوجرام، بشرط أن تضمن حمايتها من تهديد الدول الغربية من الذهاب نحو الحصار المطبق. مع العلم أن بعض التقارير الغربية تشير إلى قدرة إيران على صناعة القنبلة في غضون أسبوعين لا أكثر. حيث قال المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي إن إيران ستفعل كل شيء لضمان أمنها القومي.
فيما أكّد كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، على احتمالية تغيير إيران عقيدتها النووية في حال شعرت بالخطر على أمنها.
يعمل ترامب ضمن منهجين شديدين، وهما: (الجمهوري المتشدد) و(الماغا)، الذي يعتبر من تأسيسه وأكثر تشددًا من المنهج اليميني المتشدد.
وهذا سيدفعه إلى إشعال الخلافات بين روسيا وإيران في إطار الصراع على نفوذهما في سوريا، كما سيعمل على الاتفاق مع روسيا لإيقاف حربها مع أوكرانيا لتعود إلى تزويد أوروبا بغازها وتخفف من كاهل الأزمة الاقتصادية هناك.
وتضمنت الوثائق المسربة أن إيقاف الحرب سيكون ضمن اتفاقية تضمن خروج أوكرانيا من حلف الناتو واحتفاظ روسيا بالأراضي التي استولت عليها في أوكرانيا.
بهذا، سيكون ترامب قد نجح في تفكيك تماسك خصمه الرئيسي، وهو (بريكس)، من خلال سعيه لعزل إيران اقتصاديًا وتقويض قوتها النووية، والاتفاق مع روسيا لإيقاف الحرب في أوكرانيا وإضعاف بريكس عسكريًا، وختامًا التفرغ للصراع الاقتصادي مع الأقوى اقتصاديًا، وهي الصين. وهذا سيتطلب من ترامب أن يوازن بين سياساته واتفاقاته، إضافة إلى معرفة أصدقائه وخصومه لتحقيق النجاحات المرجوة، مع كل الصعوبات التي تقف أمامه، نظرًا لدخول تحالف بريكس في ذروة عطائه وقوته في السنوات الأخيرة. والآن، برأيكم، هل سيوفق ترامب في تحقيق أهدافه بالسيطرة على العالم اقتصاديًا؟