• Sunday 24 November 2024
  • 2024/11/24 15:46:56
{دولية: الفرات نيوز} قادت جوليا ألبو، 80 عاما، سيارتها عبر حدود قاسية وحواجز عسكرية بقارة أفريقيا قائلة إنها متجهة إلى العاصمة البريطانية لندن لتناول الشاي مع الملكة.
ومن المفترض أن تبقى السيدات في الثمانين من عمرهن في المنزل، وفي تصورنا العام فإن الجدة تجد متعتها في النشاط المنزلي من طبخ وقراءة وحياكة، لا أن تقطع رحلة على مدار خمسة أشهر عبر قارة أفريقيا تتنقل من مدينة كيب تاون الجنوب أفريقية إلى العاصمة المصرية القاهرة في سيارة من طراز تويوتا كونكويست.
لم تتوقع جوليا أن تقوم بشيء استثنائي في يوم من الأيام، فعملها اليومي لا يتعدى ما يتوقعه العالم من امرأة مسنة تعيش في قرية تحيطها الأشجار قرب مدينة كيب تاون. وبينما كانت جوليا تستمع إلى الإذاعة، كعادتها كل يوم، كان النقاش في البرنامج الإذاعي التفاعلي يدور حول الرئيس السابق جاكوب زوما وبذخه فيما يتعلق بالسيارات.
تقول جوليا: "كنت غاضبة، واتصلت بالبرنامج لأقول إنني على وشك أن أكمل الثمانين من عمري ولدى سيارة تويوتا عمرها 20 عاما وتسير بشكل جيد، وأنه يمكنني أن أقود تلك السيارة إلى لندن، لذا فأنا لا أفهم لماذا يحتاج زوما لكل هذه السيارات الجديدة".
وبعد التجاوب الكبير معها من مستمعي البرنامج، قررت جوليا على الهواء مباشرة أن تقود سيارتها إلى قصر بكنغهام لتناول الشاي مع الملكة. ولم يمض وقت طويل حتى بدأت جوليا بذلك فعليا بما بدا وكأنه مجرد دعابة في البداية.
وقالت جوليا: "توفي شريك حياتي في الآونة الأخيرة. لقد كانت عملية مرهقة، وبعد أن انتهى الأمر قلت لنفسي: يا إلهي لم يبق في العمر الكثير من الوقت. أشعر أنني في السادسة والثلاثين من العمر فيما يتعلق بمنطقة الكتفين فما فوق، لكن من الكتفين فما دون أشعر بأن عمري 146 عاما، وكنت أريد أن ينتصر الجزء الشاب مني ولو لمرة واحدة".
وبعد مضي ستة أشهر، وفي صباح عيد ميلادها الثمانين، انتصر النصف الشاب لجوليا، فانطلقت في ذلك الصباح البارد من منزلها في منطقة جاكالسفون بسيارتها المزينة من الخارج بملصقات تحمل أسماء الجهات الراعية مندفعة نحو الشمال في شارع تحيطه الأشجار من الجانبين.
قالت جوليا: "كنت أرغب بشدة في أن أقطع هذه الرحلة، وقد تلقيت تطعيماً ضد كافة الفيروسات المعروفة، رغم أن الطبيب قال إنه لا يعتقد أنني بحاجة إلى أخذ أي احتياطات من الأمراض المنقولة جنسياً، وهو ما كان إهانة بالغة بالنسبة لي".
وعبرت جوليا جنوب أفريقيا وسط الأشجار وليالي الشتاء الباردة، وبالتالي لم تتذوق طعم المغامرة الأفريقية إلا في بوتسوانا.
وقالت جوليا: " كاد فيل أن يصطدم بسيارتي المسكينة على الطريق، الذي كانت تملأه الحفر. وعرفت أنه لن يمسني سوء لأن كل من قابلتهم كانوا في غاية اللطف. لقد أطلقوا علي اسم {غوغو}، والتي تعني الجدة باللغة المحلية".
وفي الأسابيع الأولى، غالباً ما كانت جوليا تنام في خيمة على جانب الطريق. ورغم أن معنوياتها كانت مرتفعة للغاية، إلا أن جسدها كان أقل قوة، وما لبث النوم على الأرض أن ترك آثاره عليها. وهرعت عائلتها للمساعدة، وفي نهاية الأمر اصطحبتها إحدى بناتها بالسيارة إلى زيمبابوي، بينما اصطحبها ابنها إلى مالاوي.
لكن مصدر البهجة بالنسبة لجوليا كان يتمثل في رؤية القارة التي ولدت فيها عن كثب. وقد لمعت عيناها عندما تحدثت عن عظمة بحيرة مالاوي أو شلالات فيكتوريا في زيمبابوي، وعندما كانت تصف أيضا تفاصيل الحياة على طول الطريق، مثل الرجل الذي يبيع أثاثاً صنع من الخوص تحت شجرة يعلوها الغبار، وتلميذة من زامبيا كانت تقرأ لها شيئاً من كتبها المدرسية. كما تحدثت جوليا عن بائعين يقومون بقلي الفئران، وسائقي شاحنات يتقاسمون طعامهم معها.
تقول جوليا: "لم أشعر أبداً بالوحدة، حتى عندما كنت بمفردي. لقد أحببت الأوقات التي زارني خلالها أبنائي واللحظات الحميمة التي قضيتها مع كل منهم. لكن عليك ألا تنسى أن سيارتي عجوز مثلي، وأننا كنا نقطع الرحلة سويا".
ومن الواضح أن السن المتقدم لجوليا كان له بعض الإيجابيات والسلبيات، فنقاط المراقبة الحدودية في أفريقيا معروفة بصعوبة التفاوض معها، لكنها تمكنت من اجتياز غالبيتها. وقد بدأ سائقو الشاحنات الذين يسيرون على نفس الطريق يعرفونها ويدعونها تتقدم عليهم في طوابير التفتيش الحدودية.
وتقول جوليا عن ذلك: "الإيمان بحكمة كبار السن متجذر في كثير من الثقافات الأفريقية، رغم أنهم غالباً ما كان يرون أنني مرحة. وقد سألني موظف جمارك أوغندي لماذا أقود سيارتي متجهة إلى لندن، فقلت له لكي أتناول الشاي مع الملكة، فاندهش للغاية وختم جواز سفري بلمح البصر".
ورغم هذا، أعربت جوليا عن إحباطها من عدم قدرتها، من الناحية البدنية، على استكشاف تفاصيل القارة، مثل "الجبال التي كان بإمكاني تسلقها، والبحيرات التي كان يمكن أن أسبح فيها. لو كنت أصغر بأربعين عاماً ولست بهذا الجسد المتداعي".
وبدلاً عن ذلك روت جوليا عطشها لأفريقيا عن طريق الاحتكاك بالناس في تلك القارة، فمذكرة التدوينات الخاصة برحلتها مليئة بالأسماء والأرقام وبطاقات التعريف الشخصية، بما في ذلك عناوين مئات المعلمين الذين أرسلت لهم كتباً مدرسية عن طريق جمعية خيرية تربطها علاقة بها.
وفي تنزانيا، مرت جوليا بقرية صغيرة وبدأت تتحدث مع أحد كبار السن فيها واسمه وليام. وقضيا ساعات مع بعضهما البعض في ذلك اليوم واليوم الذي تلاه، وتجاذبا أطراف الحديث عن أحوال العالم. وبعد مرور عدة أشهر، وصلها رسالة منه على عنوان بيتها في كيب تاون تقول: "شخصيتك المفعمة بالحياة في غاية الروعة، ورغبتك في مشاركة الآخرين اللحظات الجميلة علمتني معنى الحياة. أعدك بطريقتي الخاصة أن أكون في صحبتك".
تعلمت جوليا خلال رحلتها القيام بأمور معينة للتغلب على تقدمها في السن. ففي تنزانيا، وفي منتجع لقضاء شهر العسل، خلعت ملابسها وذهبت للسباحة في منتصف الليل. وفي أثيوبيا، انضمت لمخيم مع حوالي 20 شخصاً في دناكل ديبرشن، وهي منطقة طبيعية ملونة بالنيون من الحمم البركانية وسهول الملح توصف عادة بأنها "بوابة جهنم".
وتعشق جوليا أثيوبيا على وجه خاص بسبب مناظرها الطبيعية الخلابة، وكذلك السودان الذي جعلها تشعر بانبهار شديد وتغير فكرتها عن أفريقيا التي كانت تعرفها.
حطت جوليا رحالها في مصر، التي احتجزت على حدودوها لعدة أيام بينما تم تركيب لوحة أرقام عربية على سيارتها ولم يكن أمامها خيار إلا أن تنام في أحد المقاهي. وتقول عن ذلك: "لست متأكدة من أنك قضيت ذات يوم ليلتك في غرفة واحدة مع سبعة رجال مصريين، لكنها بالتأكيد كانت تجربة من تجارب الحياة. لقد كانوا لطفاء، ولم يظهروا دهشتهم من أنني أمرأة بمفردها".
ولم يكن سن جوليا هو الأمر المثير للانتباه فقط، لأن كونها أنثى يعني أنها كان من المفترض أن تواجه الكثير من المتاعب في تلك الرحلة الطويلة، فالنساء هذه الأيام يكافحن من أجل المساواة السياسية والاقتصادية والجنسية، لكن القرار بقيادة السيارة بمفردها عبر قارة أفريقيا أمر يثير الدهشة حتى في أكثر المجتمعات تسامحاً وانفتاحاً.
تتساءل جوليا: "لكن لماذا ينبغي أن يكون الرجال وحدهم المسموح لهم بأن يسافروا وأن يقوموا بالمغامرات الكبيرة وحدهم؟ لم أكن خائفة أبداً على حياتي أثناء تلك الرحلة. نعم عندما كنت فتاة كان مجرد التفكير في أن أقود السيارة عبر قارة أفريقيا ضرباً من الجنون، لكن العالم تغير، وأنا في غاية السعادة بهذا التغيير".
وعندما قادت سيارتها عبر مصر توقفت في أسوان ووادي الملوك لتنتهي رحلتها في شوارع القاهرة. وفي أخر يوم لها في مصر، أوقفت سيارتها على ضفاف نهر النيل لتجمع بعضاً من ماء النهر الداكن، لكي تضعه على أرفف خزانتها إلى جانب قارورات مملوءة من منبع النيل الأبيض في تنزانيا والنيل الأزرق في أثيوبيا.
ومن القاهرة عادت جوليا بالطائرة إلى كيب تاون، لتشاهد القارة السمراء ممتدة في الأسفل وهي تشعر بالشفقة تجاه بقية المسافرين الذين ينظرون إلى القارة من علو شاهق. وبعد تعافيها لعدة شهور في جاكالسفونتين، استقلت جوليا الطائرة متوجهة إلى أوروبا حيث اجتمعت مرة أخرى بسيارتها التي عانت لأسابيع في حاوية في اليونان بعد عبورها البحر المتوسط عن طريق إحدى العبارات. ومن اليونان، قادت سيارتها إلى ألبانيا، ومونتنيغرو، وكرواتيا، وسلوفينيا، والنمسا، وألمانيا، وهولندا، ووصلت إلى لندن لقضاء موسم الصيف.
وقالت: "كنت متلهفة جداً لتناول الشاي مع الملكة، خاصة بعد أن أخبرت كل الناس أنني سأفعل ذلك. لكنه كان أسبوع مهرجان رويال أسكوت السنوي لسباق الخيول، ويبدو أنها كانت منشغلة. الإنجليز سلالة غريبة، لست واثقة من أنهم يقدرون تماماً كم كان طول رحلتي إلى قصر بكنغهام".
ولم تكن لندن هي المحطة الأخيرة في رحلة جوليا، فهي في طريقها الآن إلى إيطاليا، حيث ستبحر من هناك إلى تونس وتبدأ منها رحلة قيادة السيارة عائدة إلى كيب تاون عابرة أفريقيا براً للمرة الثانية في غضون عدة سنوات.
تتساءل جوليا وهي تبتسم: "حسناً، لما لا؟ ماذا تريدني أن أفعل؟ أن أجلس على أريكة وأنتظر الموت؟".انتهى

اخبار ذات الصلة