كما أن الفيروس ضرب جميع المدن الإيرانية بشدة، لدرجة أن الحكومة لجأت للمدافن الجماعية بسبب ارتفاع أعداد الوفيات، بينما في جارتها العراق بلغت عدد الإصابات نحو 2300 حالة، بينما لم تتعد عدد 100 حالة.
وفي إندونيسيا تم تسجيل آلاف الحالات من الوفيات، بينما بلغ العدد في جارتها ماليزيا نحو 100 حالة فقط، وفي الدومينكان تم تسجيل نحو 7600 حالة إصابة، بينما تم تسجيل 85 حالة فقط في جارتها هايتي.
ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز فقد أصبح سبب تفشي الفيروس في عدد من الدول أكثر من جارتها، لغز كبير يحير العلماء، وقد تم طرح العديد من النظريات ولكنها لا تجيب على هذا السؤال بشكل نهائي.
وأكدت الصحيفة أن الإجابة على هذا السؤال له آثار على كيفية استجابة البلدان للفيروس وتحديد من هم في خطر ومعرفة متى يكون الخروج آمنًا مرة أخرى.
وأشارت إلى أن هناك بالفعل مئات الدراسات الجارية حول العالم تبحث في كيفية تأثير التركيبة السكانية والظروف الموجودة مسبقًا وعلم الوراثة على الاختلاف الواسع في تأثير الفيروس.
ويدرس الأطباء في السعودية ما إذا كانت الاختلافات الجينية قد تساعد في تفسير مستويات مختلفة من الشدة في حالات الإصابة بين العرب السعوديين، بينما يبحث العلماء في البرازيل في العلاقة بين علم الوراثة ومضاعفات المرض.
وتدرس فرق في عدة بلدان ما إذا كانت أدوية ارتفاع ضغط الدم الشائعة قد تؤدي إلى تفاقم المرض وما إذا كان حصول أغلب هذه الدول على لقاح ضد مرض السل قد ساعد في الحد من تفشي الفيروس.
ويشير نجاة العديد من الدول النامية ذات المناخ الحار والشباب من الفيروس، إلى أن درجات الحرارة والديموغرافيا السكانية يمكن أن تكون احتمالية لهذا التأثير الواسع للفيروس، لكن دولًا مثل بيرو وإندونيسيا والبرازيل، تعرضت للأسوأ بسبب الفيروس وهي دول حارة مما ينقض هذه الاحتمالية.
وقد يكون إجراءات التباعد الاجتماعي والإغلاق كانت فعالة في الحد ممن تفشي الفيروس، لكن دولاً مثل ميانمار وكمبوديا لم تتخذ هذه الإجراءات ورغم ذلك سجلت عدد حالات قليلة.
من جانبه، قال الدكتور آشيش جها، مدير معهد هارفارد لأبحاث الصحة العالمية: "نحن في وقت مبكر حقًا في هذا المرض، إذا كانت هذه لعبة بيسبول، ففي الجولة الثانية قد تتأثر هذه الدول مثل غيرها".
بينما يرى الأطباء الذين يدرسون الأمراض المعدية حول العالم إنهم لا يملكون بيانات كافية حتى الآن للحصول على صورة وبائية كاملة، وأن الثغرات في المعلومات في العديد من البلدان تجعل من الخطر استخلاص النتائج، مشيرين إلى أن اختبار الفيروس يعد أمراً صعباً في العديد من الأماكن، وبالتالي لم يتم تسجيل حالات كثيرة فيها.
وتشير المقابلات التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز مع أكثر من عشرين من خبراء الأمراض المعدية ومسؤولي الصحة وأخصائي الأوبئة والأكاديميين في جميع أنحاء العالم إلى أربعة عوامل رئيسية يمكن أن تساعد في تفسير اختلاف تأثير الفيروس من مكان لآخر وهي: التركيبة السكانية والثقافة والبيئة وسرعة الاستجابات الحكومية.
وأكد الخبراء أن الدول التي يكون الشباب هم الفئة العمرية الأكثر هي الأقل تأثراً بالفيروس، ففي أفريقيا، لم يتم تسجيل سوى 45 ألف حالة فقط.
وأوضح غوزيب كار، الخبير في السكان والصحة العالمية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، أن الشباب يميلون إلى امتلاك أجهزة مناعة أقوى، والتي يمكن أن تؤدي إلى أعراض أكثر اعتدالًا.
على سبيل المثال في سنغافورة والسعودية تكون معظم الإصابات بين العمال المهاجرين الأجانب والعديد منهم من الشباب ذو اللياقة البدنية إلا أنهم لم يحتاجوا الدخول إلى مستشفى.
وأشار باحثون في الولايات المتحدة إلى أنه إلى جانب الشباب يمكن للصحة الجيدة النسبية أن تقلل من تأثير الفيروس بين المصابين، في حين أن بعض الحالات الموجودة مسبقًا - لا سيما ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة - يمكن أن تزيد من شدتها.
لكن هناك استثناءات لذلك، ففي مدينة النجف على سبيل المثال سجلت أعلى معدل إصابة في العراق رغم أن الفئة العمرية حتى 29 عاماً تمثل الفئة الأكثر انتشاراً.
وأفاد علماء الأوبئة أن العوامل الثقافية، مثل البعد الاجتماعي المبني في مجتمعات معينة، قد تمنح بعض الدول المزيد من الحماية.
في تايلاند والهند، يرحب الناس ببعضهم البعض عن بعد، مع وجود راحتين متلازمتين كما في الصلاة،أما في اليابان وكوريا الجنوبية، ينحني الناس، وقبل وقت طويل من وصول الفيروس التاجي، يميلون إلى ارتداء أقنعة الوجه عندما يشعرون بأي مرض، مما يفسر الانخفاض في هذا الدول.
ومع ذلك، هناك استثناءات ملحوظة لنظرية العوامل الثقافية، في الدول العربية غالباً ما يحتضن الرجال أو يتصافحون، لكنها لم تسجل عددا كبيرا من الحالات.
وألمح خبراء أن الدول التي لا يزورها الناس عادة أو تعاني من مشاكل سياسية مثل ليبيا والعراق قد يكون ساعد في انخفاض الحالات في هذه الدول.
ويبدو أن الفيروس الذي ضرب العالم خلال فصل الشتاء أثر في المناطق الباردة مثل إيطاليا وأميركا أكثر من البلاد الدافئة مثل تشاد وغانا، إلا أن الباحثين يؤكدون أن فكرة أن الحرارة تقتل الفيروس لا توجد أدلة عليها.
بدورها، قال مارك ليبسيتش، مدير مركز ديناميكا الأمراض المعدية في جامعة هارفارد: "أفضل تخمين هو أن الظروف الصيفية ستساعد ولكن من غير المرجح أن تؤدي في حد ذاتها إلى تباطؤ كبير في النمو أو انخفاض في الحالات".
وأكد الدكتور راؤول ربادان، عالِم الأحياء في جامعة كولومبيا، إن الفيروس يبدو أنه معد للغاية لدرجة أنه لا يتأثر بالحرارة والرطوبة.
وتمكنت البلدان التي أغلقت في وقت مبكر، مثل فيتنام واليونان، من تجنب العدوى الخارجة عن السيطرة.
وفي أفريقيا، تمكنت البلدان التي لديها خبرة مريرة مع الأوبئة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل المقاوم للأدوية والإيبولا من التفاعل بسرعة.
من جهتها، أكدت منظمة الصحة العالمية أنه من الواضح أن عمليات الإغلاق بما فيها دور العبادة والاحداث الرياضية والمدارس والحدود الوطنية تعمل بوضوح في الحد من الفيروس، وهذا ما ظهر واضحاً في تايلاند والأردن.
وأشارت إلى أن إغلاق المساجد والأضرحة والكنائس في الشرق الأوسط في وقت مبكر ساعد في وقف تفشي الفيروس في أغلب دول الشرق الأوسط.
وكان الاستثناء الملحوظ هو إيران، التي لم تغلق بعض أضرحتها الكبرى حتى 18 مارس آذار، بعد شهر كامل من تسجيل أول حالة لها في مدينة قم، مما أدى إلى انتشار الوباء بسرعة هناك، فقتل الآلاف في البلاد وانتشر الفيروس عبر الحدود مع عودة الحجاج إلى منازلهم.انتهى
عمار المسعودي