فقد تسببت جلطة في إعاقة تدفق الدم إلى ساق الرجل البالغ من العمر 41 عاما، لتلفت نظر الأطباء إلى إحدى المضاعفات الخطيرة الأخرى المصاحبة للمرض، بعد أن ظهرت في تقارير لمرضى من الصين وأوروبا والولايات المتحدة.
ومن المعروف طبيا أن مرضى العناية المركزة معرضون للجلطات لمجموعة متنوعة من الأسباب، لكن معدلات حدوثها بين مرضى "كوفيد 19" أعلى بكثير مما كان متوقعا.
وقالت شاري بروسناهان، طبيبة الحالات الحرجة في مركز "لانغون" الطبي التابع لجامعة نيويورك، في تصريحات لوكالة "فرانس برس": "كانت لديّ حالات في الأربعينات من أعمارها في وحدة العناية المركزة، ولديهم جلطات في أصابعهم، وبدوا وكأنهم سيفقدونها، لكن لم يكن هناك سبب آخر لفقدان الأصابع غير الفيروس".
وتعاني واحدة من هؤلاء المرضى نقص تدفق الدم إلى اليدين والقدمين، وتتوقع أن يكون البتر ضروريا، أو قد تتضرر الأوعية الدموية لدرجة أن الطرف قد يسقط من تلقاء نفسه.
ولا تعد الجلطات الدموية خطيرة على الأطراف فحسب، لكنها يمكن أن تشق طريقها إلى الرئتين أو القلب أو الدماغ، حيث قد تسبب مضاعفات قاتلة مثل الانسدادات الرئوية أو النوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
ووجدت دراسة حديثة من هولندا في مجلة "أبحاث التخثر"، أن 31 بالمائة من 184 مريضا بكورونا يعانون مضاعفات تجلط الدم، وهو رقم وصفه الباحثون بأنه "مرتفع بشكل ملحوظ"، حتى إذا كانت العواقب الوخيمة مثل البتر نادرة.
لكن لماذا يحدث ذلك؟
استعان بينود بيكديلي، وهو طبيب في مستشفى بنيويورك، بمجموعة خبراء من أكثر من دولة لدراسة الأمر، ونشرت النتائج التي توصلوا إليها في مجلة الكلية الأميركية لأمراض القلب.
ووجد الخبراء أن مخاطر التخثر كانت كبيرة، لدرجة أن مرضى كورونا "قد يحتاجون إلى تلقي مسيلات الدم بشكل وقائي"، حتى قبل إجراء اختبارات التجلط.
وبدت أسباب ذلك غير مفهومة بشكل كامل بالنسبة للأطباء، لكن بيكديلي قدم العديد من التفسيرات المحتملة.
فغالبا ما يعاني الأشخاص المصابون بأشكال حادة من "كوفيد 19" حالات طبية أخرى، مثل أمراض القلب أو الرئة، وهي نفسها مرتبطة بارتفاع معدلات التجلط.
وفي مرحلة لاحقة، تجعل العناية المركزة المريض أكثر احتمالية لتطوير جلطات، لأنه يبقى ثابتا لفترة طويلة، ولهذا السبب على سبيل المثال يتم تشجيع مسافري الرحلات الطويلة على التمدد والحركة.
ومن الواضح الآن أن مرض كورونا مرتبط برد فعل مناعي غير طبيعي يسمى "عاصفة السيتوكين"، وقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن هذا مرتبط أيضا بمعدلات أعلى من التجلط.
كما أظهرت دراسة نشرتها مجلة "لانسيت" الأسبوع الماضي، أن الفيروس يمكن أن يصيب طبقة الخلايا الداخلية للأعضاء والأوعية الدموية التي تسمى البطانة، وهذا، من الناحية النظرية على الأقل، يمكن أن يلعب دورا محفزا على تكوين الجلطات.
جلطات متناهية الصغر
وفقا لبروسناهان، تبدو مسيلات الدم مثل الهيبارين فعالة لدى بعض المرضى، لكنها لا تعمل مع جميع المصابين لأن الجلطات تكون صغيرة جدا في بعض الأحيان.
وقالت الطبيبة: "هناك الكثير من الجلطات متناهية الصغر. نحن لسنا متأكدين بالضبط أين تحدث".
وقد أظهر تشريح رئات بعض المتوفين بفعل فيروس كورونا، وهي مليئة بمئات الجلطات الصغيرة جدا.
ومع ذلك، فإن وجود لغز جديد مثل ذلك، قد يساعد في حل لغز أقدم قليلا.
فقد قالت سيسيليا ميرانت بورد، طبيبة العناية المركزة في مستشفى عسكري قديم في مانهاتن، لوكالة "فرانس برس"، إن الرئتين المليئتين بالجلطات متناهية الصغر، ساعدتا في تفسير سبب عمل أجهزة التنفس الصناعي بشكل سيئ لمرضى كورونا الذين يعانون انخفاض نسبة الأكسجين في الدم.
في وقت سابق من الوباء، كان الأطباء يعالجون هؤلاء المرضى وفقا للبروتوكولات التي تم تطويرها لمتلازمة ضيق التنفس الحاد التي تُعرف أحيانا باسم "الرئة الرطبة".
لكن في بعض الحالات "لا يرجع ذلك إلى أن الرئتين مليئتان بالماء"، بل إن الجلطات الصغيرة تمنع الدورة الدموية وتترك الدم للرئتين محملا بقدر أقل مما ينبغي من الأكسجين.انتهى
علي الربيعي