ويرى باحثون مختصون أن لغة الشبك منحدرة من لغة ماجو (وهي إحدى لهجات اللغة الكردية)، وتحتاج إلى أن تكون لغة مكتوبة لتأخذ مكانتها بين اللغات المعترف بها.
تاريخ تواجدهم
تختلف الروايات بشأن أصول الشبك وتاريخ وجودهم ولغتهم وديانتهم وأعدادهم، لكن المتفق عليه أنهم أحد مكونات العراق الأصيلة، التي تسكن في محافظة نينوى، حسب الإعلامي الشبكي محمد شريف.
ويضيف، أن أقدم الروايات التاريخية تشير إلى وجودهم في العراق منذ أواخر العهد العباسي، وأشارت الوثائق العثمانية إليهم كجماعة مستقلة منذ القرن 16 الميلادي.
ويرجح الفنان والناشط عمار العزيز أن الشبك دخلوا العراق في القرن 18 الميلادي خلال الهجوم الثاني للقائد الإيراني "نادر شاه" وحصاره مدينة الموصل.
ويحدد الباحث والأكاديمي سعد سالم سلطان أماكن تواجد الشبك في مركز مدينة الموصل، وفي أقضية تلكيف والحمداني ونواحي برطلة وبعشيقة والنمرود والقرى التابعة لها، ضمن محافظة نينوى.
ويفيد الناشط والإعلامي يونس جلال الأغا بأن الشبك يتمركزون بين نهري دجلة والخازر وجبل النوران شمالا، وصولا إلى ناحية النمرود جنوبا، وينتشرون في أكثر من 65 قرية موزعة على 6 وحدات إدارية.
ويضيف، أن الشبك مسلمون (من الشيعة والسنة)، وعرفوا بالتعايش وقبول الآخر، حيث عاشوا جنبا إلى جنب مع أبناء الديانات والطوائف الأخرى من المسيحية والإيزيدية والكاكائية، بحكم الصداقات والتعاملات التجارية الممتدة إلى مئات السنين، لافتا إلى أن طريقة البكتاشية الصوفية كان لها وجود كبير في السابق بينهم.
وحول تسمية الشبك يعتقد العزيز أنها أتت من اتفاقية الشاه (بمعنى الملك الفارسي) والبيك (بمعنى السيد التركي)، بعد إنهاء المشاكل بينهما، وأصبحت الاتفاقية باسم (الشاه والبيك)، ثم لفظت اختصارا (شبك).
ويشير العزيز في حديثه، إلى أن الشبك كانوا يسمون أيضا "الكمبهية" أو "الكمبيين"، أي أصحاب القبب، حيث كان طراز منازلهم يُبنى على شكل قبب، أو كمبة كما يسميها الشبك.
في حين يرجع رئيس مجلس وجهاء الشبك الشيخ عباس حسين آغا سبب هذه التسمية إلى أن الشبك عدة عشائر يتكلمون اللهجة الشبكية، وهذه العشائر تشابكت وأصبح اسمها الشبك.
ثقافات وعادات
عادات وتقاليد الشبك قد لا تختلف كثيرا عن باقي المسلمين والعشائر العربية في المنطقة، منها مجالس العزاء وحفلات الزواج وتقاليده وغيرها من العادات، كما يقول حسين آغا.
ويضيف، أن بعض عشائر المنطقة تسمى باجلانستان والأخرى شبكستان، وتشترك في نفس العادات والتقاليد المجتمعية.
وفي السياق ذاته، يلفت العزيز إلى أن ثقافة الشبك تأثرت بالعرب الموجودين في الموصل والكرد الموجودين في إقليم كردستان بحكم منطقتهم الفاصلة بين القوميتين في سهل نينوى.
لكن الشبك لهم خصوصيات معينة تتعلق ببعض العادات والتقاليد والفلكلور وعلاقة الفرد بالعائلة؛ فالمرأة أو الفتاة -على سبيل المثال- لها مكانة خاصة في المجتمع، حسب العزيز.
وبالعودة إلى شريف، فإنه يقول إن ما يميز الشبك هو الزي القديم المختلف عن أزياء القوميات الأخرى، لكن هذا اللباس القديم اندثر مع مرور الوقت.
ويبيّن شريف أن الزي الشبكي سابقا كان عبارة عن دشداشة (ثوب طويل) بيضاء قصيرة قليلا عن المعروفة حاليا، والدمير (يشبه السترة) المفصّل بطراز مميز، ولهم عمامة "قلنسوة" بيضاء، وتختلف حسب الشخص، حيث كان الثري يلبس ملابس غالية مستوردة من الهند وغيرها.
وينوه إلى أن أتباع طريقة البكتاشية (إحدى الطرق الصوفية) من الشبك كانوا يقدمون النذور في رأس العام، طلبا لمغفرة الله، وهذه العادة كانت موجودة قبل أكثر من 50 عاما، ولكنها اندثرت الآن
ويتابع شريف أن الشبك يتميزون بحرصهم على التزاور المستمر فيما بينهم، وهذا أدى إلى تماسك المجتمع الشبكي، بخلاف ما هو موجود حاليا في بعض القوميات والأقليات الأخرى.
وعن المزيد من العادات والتقاليد يقول المواطن الشبكي محمود حسن عباس إن لهم رقصة فلكلورية خاصة تستخدم فيها الطبل والزرنة (آلة نفخ موسيقية) في الزواج، ويتم رش الحنطة والشعير كدلالة على البركة، وكسر الجرة تحت رجل العروس أثناء حفلات الزفاف.
وترفع الأعلام الملونة بألوان قوس قزح كدليل على وجود عرس وفرح في ذلك البيت، ولفت عباس إلى أنهم لا يتكلفون في طلبات الزواج من العريس، وتنخفض لديهم قيم المهور، مما يدل على بساطتهم.
أما بخصوص طقوس الدفن والموت فيوضح المواطن الشبكي أنهم يختارون التلال العالية لتكون مقابر، ويطلقون عليها "التبه" (التلة قليلة الارتفاع).
ويمتاز الشبك -حسب عباس- بنظام اجتماعي خاص بهم، ومشابه لما هو موجود في مجتمعات متمدنة ومتحضرة أخرى، ويقوم على البيوت وليس النظام القبلي.
لغة خاصة
ويتكلم الشبك اللغة العربية مع عموم الناس، في حين يتكلمون مع بعضهم اللغة الشبكية الخاصة بهم، والتي تشتمل على مزيج من المفردات العربية والفارسية والكردية والتركمانية، حسب معلم مادة الرياضيات في إحدى المدارس الشبكية في سهل نينوى محمود عبد الحسين.
ويضيف، أن اللغة الشبكية تأثرت بمحيطها الخارجي كثيرا، وطرأت عليها عدة تغييرات نتيجة الانطواء والانعزال، وما حصل للأقلية الشبكية في العراق من ويلات، حيث لم تكن هناك مقدرة على تدوين اللغة الشبكية كلغة خاصة بهم ويتم الاعتراف بها قانونيا.
واعتبر المؤرخون وممثلو الشبك أن اللغة الشبكية أحد فروع اللغة الأذرية أو الهندآرية، لكن عبد الحسين يؤكد أن أغلب مواطني الشبك يجيدون اللغة العربية بطلاقة، وكذلك اللغتان الكردية والتركمانية.
وفي سياق متصل، يقول الشيخ حسين آغا إن اللغة التي تتكلم بها عشائر الشبك في ما بينهم أصلها لغة "ماجو". في حين يؤكد شريف أن تاريخ لغة الشبك يعود إلى زمن وجودهم في العراق، أما أصولها فترجع إلى الفارسية، وبلاد ما وراء النهر في بحر قزوين.
ويرى الإعلامي الشبكي أن اللغة الشبكية في الواقع باتت مجرد تراث وتاريخ وثقافة لمن يريد الحفاظ على لهجته، ولكن في الحقيقة ليس هنالك اهتمام بها من قبل الحكومة والجهات والمؤسسات والمنتديات الخاصة باللغة الشبكية، بخلاف الاهتمام الموجود باللغات الأخرى مثل السريانية وغيرها.
من جانبه، ينوّه الناشط العزيز إلى أن الكثير من سكان سهل نينوى من غير الشبك تأثروا كثيرا بلسان ولغة الشبك (الماجوية)، التي هي خليط من اللغات الفارسية والكردية (سورانية) والتركمانية وحتى الهندية، ولها خصوصية وقواعد حالها حال بقية اللغات.
أبرز شخصياتهم
وتزخر الثقافة الشبكية بالكثير من الشعراء والأدباء والكتاب، من أمثال سيد حر، والصوفي عزيز آغا، وخليل المهجر مشختي، وسالم الشبكي، حسب العزيز
ويسرد بعض أسماء الأدباء الشباب، ومنهم عارف الداودي وعلي باجلان وطه باجلان وفراس زندار وحازم خضراني ونوح الشبكي وغيرهم، في حين يشير شريف إلى وجود قصائد وأشعار مكتوبة باللغة الشبكية، ولكن المشكلة أنها لا تميّز بين المذكر والمؤنث، كما هو موجود باللغة العربية.
وحول أشهر الشخصيات الشبكية تاريخيا، يقول عباس إن أبرزهم حسين آغا الضابط الكبير في الجيش العثماني، والأخوان خورشيد ورشيد آغا اللذان قادا حركة تشبه الثورة ضد الإقطاعيين، والكاتب الشاعر ملا حسن بن محمود، واللواء الطبيب عبد الله زينل، وشاهر فندي آغا، وعلي سليمان بهار وغيرهم.
غفران الخالدي