وقال عبد المهدي في نص رسالته نشرها مكتب رئيس الوزراء: "دمت استقالتي في 29/11/2019، وها نحن نقترب من نهاية نيسان 2020 ولم تشكل حكومة جديدة. كُلف الاخوان علاوي والزرفي ولم يوفقا، ومؤخراً كُلف الاخ الكاظمي الذي من المفترض ان يشكل حكومته قبل 9 ايارالقادم، مما يكشف اما عن خروقات دستورية او نواقص خطيرة في التطبيقات الدستورية والتقاليد السياسية، او خلل مفاهيم وسلوكيات سائدة لدى القوى السياسية، او تضادات مجتمعية تعرقل بعضها البعض الاخر، او توازنات اقليمية ودولية ضاغطة، وعلى الاغلب جميع ذلك".
وأضاف "بذلنا ونبذل قصارى الجهد والترويج لتوفير الدعم والمساندة لنجاح المكلفين بعيداً عن قربنا او بعدنا عن اي منهم، لادراكنا ان بقاء الوضع الراهن هو الاخطر. فحكومة تصريف امور يومية وبقاء رئيس وزراء مستقيل محدود الصلاحيات في هذه الاوضاع المعقدة هو اسوء الخيارات. لذلك اتوجه بهذه الرسالة الى اخواني واخواتي من ان هذه قد تكون الفرصة الاخيرة لمنع الوصول الى طريق مسدود تماماً".
وتابع عبد المهدي "اعلم شجاعة القادة والمسؤولين، وانهم ضحوا ويضحون بحياتهم وانفسهم في سبيل البلاد، لذلك يصعب فهم مواقفهم عندما لا يضحون برؤاهم الخاصة وبمصالح قواهم امام هذه الازمة التي تهدد البلاد. وتصوري ان هناك نظرات خاطئة -ان لم تصحح ويتفق على قواعد سلوك مشتركة- فسنبقى في دوامة مستمرة.
1- ان مفهوم الوزير المستقل هو ليس حقيقة مطلقة، بل هو ممارسة جزئية مؤقتة اقتضاها واقع حال تفرد القوى السياسية بالحكومات المتعاقبة، وعدم عدالة قانون الانتخابات وقانون الاحزاب، فهما بالضد من ارادة الناخبين، مما ولد محاصصة واحتكاراً للسلطة من اعلى القمم الى ادناها. فجاءت دعوة المستقلين كرد فعل لذلك كله.
2- يقول كثيرون من القوى انهم يمارسون حقهم بالمطالبة بوزارات محددة حسب نتائج الانتخابات. وحجتهم ما يجري في دول اخرى. وراينا ان هذه مقارنة مغلوطة. فهناك تتشكل حكومات اغلبية من حزب واحد او ائتلاف احزاب حسب المناهج الانتخابية. وفي تلك الدول هناك ممارسات متكاملة تجعل الحزب يعيش جمهوره والجمهور يعيش حياة حزبه. فالجمهور يساهم بقنوات مختلفة في انتخابات القيادات الحزبية ورسم ملامح البرامج، بينما نحن ابعد ما نكون عن ذلك كله. فالانفصال بين الجمهور والتنظيمات يزداد سعة، دون معالجات جدية. ورغم بعض التقدم في الانتخابات الاخيرة لكننا لم نستقر نهائياً على النظام المناسب الذي يحقق الاغلبية السياسية وندها الاقلية السياسية او المعارضة، ويحمي ويكيف بعدالة التوازنات الوطنية ليتسنى تغليب مفهوم المواطنة. ان مشاركة جميع الفائزين في الحكومة شوه عمل مجلس النواب من كتل كبيرة ساندة للحكومة، واخرى معارضة لها، الى صراعات فردية وجماعية على مصادر القوة والمواقع والقدرة في البلاد، ونسف مفهوم الفصل بين السلطات، بل هو ما ولد حكومات تتصارع في مجلس الوزراء. وهذا كله افقد البلاد وحدة الفلسفة التي تنظم عملها وقدرة السلطات وتكاملها على قيادة وادارة البلاد.
3- ان مطالبة البعض بمواقع محددة كوزارة معينة لا معنى له. فان قال لي برنامج في هذه الوزارة فهذا يخالف المنهاج الحكومي مما لا يترك مجالا للشك ان الرغبة ستكون الاستفادة من الوزارة بدل الافادة فيها وفق برنامج موحد للحكومة.
4- في ظروفنا سيتعذر تغييب الاحزاب كلياً من المواقع والمناهج، كما سيتعذر حرمان المكلف من حق الخيارات بالترشيح والقبول والرفض. فهم الذين سيصوتون في مجلس النواب، وهو الذي سيتحمل المسؤولية الاكبر في الحكومة. وعليه لابد من الوصول الى اتفاق وسطي في استطلاع راي الاحزاب او في ترشيح من تنطبق عليه الشروط المتفق عليها وطنياً، و يسمح -بالمقابل- للمكلف بالكلمة الاخيرة لاختيار الوزراء، خصوصاً ان قراره لن يكون نهائياً فالكلمة الاخيرة ستعود لمجلس النواب في التصويت سلباً او ايجاباً.
نعم الوضع ليس مثالياً، لكن ان وضعنا المآلات الاسوء المرتقبة في حالة الفشل، وتمتعنا جميعاً بالمرونة اللازمة فبالامكان الوصول الى حل وسط. فاذا لم تنجح المحاولة الثالثة هذه للتكليف فهل يتوقع احد ان تنجح المحاولة الرابعة أوالخامسة. خصوصاً ان استقالتنا كانت استجابة لنداء من المرجعية وقوى شعبية لايجاد حل للطريق المسدود الذي وصلت اليه البلاد. فالهدف لم يكن تغيير الاشخاص بل تغيير المعادلات. وان استمرار رئيس وزراء مستقيل لحكومة تصريف الامور اليومية هو بقاء المعادلات السابقة ويقود للجمود والفراغ لا محالة. لهذا يتعذر علينا الاستمرار. وكان جوابي قاطعاً بالرفض لكل من فاتحني وبألحاح من اطراف مؤثرة واساسية بانهم على استعداد لتسهيل العودة عن الاستقالة، خصوصاً انها لم يصوت عليها في مجلس النواب. فمعادلة حكومتي بالشروط الماثلة لم تعد قادرة على ادارة اوضاع البلاد بالشكل الصحيح. وفهمي ان اية حكومة في ظروفنا الراهنة يجب ان تلبي امرين اساسيين.
1- التوافق الوطني او اغلبية تستطيع دعم الحكومة، وهو ما افتقدته الحكومة الحالية عملياً حتى مع توفره نظرياً. وما ورد اعلاه حول مجلس النواب والكتل والحكومة فيه ما يكفي، واللبيب من الاشارة يفهم.
2- اختلال التوازن الدولي والاقليمي في العراق. ليس بالضرورة لخطأ ارتكبناه، بل لسياسات متطرفة فرضها الاخرون، ولا تستطع اية حكومة عراقية وطنية ان تجاريها. فعندما تصبح صداقة طرف شرطها عداوة طرف صديق اخر، فان العراق -حسب تجاربنا الوطنية- سيربح قليلاً ويخسر كثيراً.
في رسالتي في 2/3/2020 طرحت الدعوة لجلسة استثنائية لحسم قانون الانتخابات والدوائر والمفوضية وتحديد 4/12/2020 كموعد نهائي للانتخابات، فلم يحصل شيء يُذكر، وكانما يراد للازمة ان تستمر. فلا يتم الاتفاق على حكومة جديدة، ولا تحدد نهاية للازمة عبر الانتخابات المبكرة. فتكون النتيجة بالضرورة استمرار حكومة تصريف الامور اليومية وتحميلها كامل مسؤوليات اوضاع صعبة ومعقدة وهو ما لا يمكن الاستمرار به. لذلك ندعو للتمتع بالمرونة المطلوبة والوصول الى حلول وسطية لتشكيل حكومة جديدة تستطيع ادارة الانتخابات وتتمتع بالصلاحيات المطلوبة لادارة ازمات البلاد، خصوصاً وسط تطورات هائلة باتت دول عظيمة قلقة على مستقبلها منها، ومنها انهيار الاقتصاديات العالمية واسعار النفط وجائحة كورونا واستمرار الارهاب وغيرها من امور شائكة. مع التأكيد مجدداً بانني ساتخذ الموقف المناسب والقاطع على ضوء النتائج التي ستتوصلون اليها خلال الايام القليلة القادمة".انتهى
عمار المسعودي