• Monday 25 November 2024
  • 2024/11/25 21:30:46
{بغداد: الفرات نيوز} استعرض السياسي المستقل وزير النفط الأسبق ابراهيم بحر العلوم مدى نجاح الدستور في تحقيق وحدة الثروات الطبيعية للعراق.

وقال بحر العلوم في مقال مطول: "لازال يوم 15 تشرين الأول من عام 2005 يشكل معلماً مضيئاً في تأريخ الشعب العراقي، ويستذكر الكثير إندفاع الشعب للمشاركة في الإستفتاء رغم تحديات الإرهاب.  فقد أنجز العراقيون أول وثيقة أساسية بأياد عراقية، على خلفية إصرار المرجعية الدينية العليا في النجف لإبراز الإرادة الشعبية العراقية في رسم المستقبل. 
وقد أشاد الكثير من فقهاء الدستور في العالم العربي والإسلامي والغربي بهذا الإنجاز التاريخي، ولا يعني ذلك خلو الدستور من الثغرات، حيث يفترض أنه إذا تم الالتزام بقواعده السليمة فبإمكانه أنًّ يعبد الطريق لإستقرار سياسي وإقتصادي وإجتماعي. وفي الوقت ذاته، فإنًّه يعتبر مادة حية غير جامدة تتماشى مع متطلبات المجتمع وبالتالي قابلة للتعديل ضمن إجراءات مقننة ينص عليها فيه. والدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أو مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسي أو برلماني)، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التشكيل  والإختصاص وواجباتها وعلاقتها بالسلطات الأخرى، والواجبات والحقوق للأفراد والجماعات ويضع لها ضمانات. فهو وثيقة بين الدولة والمواطنين لتنظيم الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وتؤكد بمجملها على إستقلال الدولة وسيادتها ووحدة أرضها وشعبها، وتدفع بإتجاه وحدة ثرواته الطبيعية.
السؤال الذي يجول في أذهان الكثيرين بعد نحو عقدٍ ونصف عقدٍ من الزمن من إقرار الدستور، هل أنَّ هذه الوثيقة الأسمى ساهمت في تحسين البيئة السياسية والإقتصادية؟ ام أنَّها واجهت تحديات في التطبيق؟ الواقع أنَّ العراق واجه ولازال تحديات وجودية كبرى طوال السنين الماضية يجب أخذها في الحسبان عند الإجابة على هذا التساؤل، وبشكل عام أتصور أنَّ هناك عدة إشكاليات عند مناقشة هذا الأمر، الإشكالية الأولى تتعلق بضعف إلتزام الطبقة السياسية بفقرات الدستور  ، وأخرى تتعلق بأنَّ بعض المواد الدستورية كانت غير قادرة على توفير الأرضية من حيث صياغاتها القانونية وعدم وضوحها في التمهيد لحل النزاعات أو الخلافات، في حين يفترض أنَّ القواعد الدستورية تتمثل في تسوية الخلافات لا في إحداثها، وإشكالية ثالثة في محاولات الإلتفاف على مواد الدستور وتفسيرها بالشكل الذي يحقق رضا الطبقة السياسية.
هل نجح دستور 2005 في تحقيق وحدة الثروات الطبيعة في العراق؟ لا أتصور أنَّ المواد الدستورية التي تناولت الثروات الطبيعية (الواقع لم يرد هذا المصطلح في الدستور) وما ورد هو (النفط والغاز) وتم إهمال المعادن التي يزخر فيها العراق، قناعتنا أنَّ المواد الدستورية 111 و112 جاءت مربكة وضبابية وقابلة للتأويل والإجتهادات ولم تساهم في حل الخلاف وإنما أحدثت خلافات بين مكونات المجتمع العراقي. ويجب الئًلا نحمل تبعات الأمر فقط على لجنة كتابة الدستورية التي تولت صياغات مواده، وإنما يتحملها (المطبخ السياسي)، الذي تجاوز تصورات اللجان المختصة.
إنَّ اللجان المختصة التي إشتركت فيها الكتل البرلمانية عام 2005 كانت قد أعدت نصوصاً لثلاثة خيارات في مجال الثروات الطبيعية كمواد دستورية حاكمة في ملكية وإدارة وتوزيع عوائد الثروة، وهي:
الخيار الأول: إنَّ الثروات النفطية والمعدنية ملك للشعب العراقي، تدار من قبل الحكومة الفيدرالية والتي ستخصص نسبة من عوائدها الى المناطق المنتجة وفق قانون.
الخيار الثاني: إنَّ الثروات النفطية والمعدنية ملك للشعب العراقي تدار من قبل الحكومة الاتحادية بالتعاون مع حكومات الأقاليم وتخصص نسبة من عوائدها الى المناطق المنتجة وفق قانون.
الخيار الثالث: إنَّ الثروات الطبيعية (النفط والغاز والمعادن) ملك للشعب العراقي، وإستغلالها يتم من قبل حكومات الأقليم تحت إشراف الحكومة الإتحادية وتوزع عائداتها بنسب معينة الى المحافظة المنتجة (5%) والحكومة الاتحادية (30%)  وحكومة الأقليم (65%).
لقد كانت الخيارات واضحة ومثلت رؤى وتصورات الكتل البرلمانية المختلفة وحاولت رسم خارطة لتحديد الملكية والإدارة والعوائد. غير أنَّ المطبخ السياسي لم يأخذ بأي هذه الخيارات، وجاءت المواد 111 و112 من الدستور بشكل غير واضح ومبهم وكانتا المادتاه قابلتين للتأويل والإجتهاد.  ولازال العراق بعد خمسة عشر عاماً يعاني أزمة خانقة في استغلال أهم مصدر من مصادره الطبيعية، وهذه الأزمة نجحت في توليد أزمات أخرى سياسية وإقتصادية ومجتمعية.  وقد شهدت السنوات منذ 2006 وحتى يومنا عجز العراقيين عن حل الخلافات بشأن الثروات النفطية والغازية بسبب إجتهادات المطبخ السياسي عام 2005.

ويستذكر الجميع أنَّ أول قانون حاولت الحكومة العراقية تشريعه بعد إقرار الدستور هو قانون النفط والغاز، ومع ضبابية المواد الدستورية، بذل جهد طيب من أجل الإتفاق على صيغة معينة وتم تمرير القانون في مجلس الوزراء في شباط 2007. هذه الصيغة حاولت تنظيم إدارة الثروات النفطية والغازية من خلال تأسيس مجلس إتحادي للنفط والغاز يعنى بتنظيم العلاقة بين المركز والأقاليم والمحافظات المنتجة، وكذلك ينظم الإستثمار الأجنبي في القطاع النفطي وأيضا وهذا جانب مهم ينظم الإستثمار الوطني من خلال تشكيل شركة النفط الوطنية كذراع تنفيذي للعمليات النفطية.
غير أنَّ خلافات الكتل البرلمانية حالت دون تمرير هذا القانون، وخسر العراق فرصة تأريخية لوضع الأطار القانوني والإداري لإدارة الثروة النفطية، وكان يفترض كذلك عقب تمرير القانون، أنَّ يصار الى قانون أخر لتنظيم توزيع العوائد النفطية إستناداً الى المادة 106 من الدستور، ولم يتحقق الأمر كذلك.

ماذا حدث نتيجة هذا الخلاف؟ ما جرى بعد عام 2007 هو مزيد من التشظي في إدارة الثروة النفطية بين الأقليم والمركز، وتعقدت الأزمة، حيث كانت في بدايتها متعلقة بنوعية العقود المبرمة، حيث أبرم الأقليم عقود مشاركة وابرمت الحكومة المركزية عقود خدمة، ثم تطورت الأزمة من العقود الى الإنتاج النفطي ومن ثم أستفحلت الى أزمة تصدير النفط. وأصبحت للعراق اليوم نافذتان وسياستان لتصدير النفط الخام.  ورغم العديد من الإتفاقيات السياسية المبرمة بين الأقليم والحكومة منذ 2011 وحتى يومنا هذا فأنها لم تكن قادرة على الصمود. ناهيك عن الخلاف المتصاعد ذروته في أزمة توزيع العوائد النفطية وغير النفطية وما رافقها من قضايا في الموازنة.
اذاً، أنَّ النصوص الدستورية لم تكن ناضجة بالشكل المناسب لحل الأزمة ولم تنظر الى المستقبل ولم تأخذ في الأعتبار أنَّ سيادة العراق ليست مقتصرة على وحدة الشعب والأرض بل يفترض ان تكون متمثلة في صياغة مواد دستورية بإتجاه وحدة إستغلال وإستثمار الثروات النفطية. قانون شركة النفط الوطنية
جرت محاولات كثيرة لتصحيح المسارات التشريعية في القطاع النفطي ومنها قانون شركة النفط الوطنية الذي شرعته الحكومة عام 2009 ولم يمرر في الدورة البرلمانية الأولى (2006-2010) بسبب الخلافات البرلمانية، وأعيدت مناقشة القانون في الدورة البرلمانية الثانية (2010.2014) ولم تفلح الكتل البرلمانية في تمريره، وفي الدورة البرلمانية الثالثة (2014.2018)  بُذل جهدُّ سياسيُّ وتشريعيُّ ونجح البرلمان العراقي لأول مرة بعد التغيير بتمرير قانون مهم يضع الأطار القانوني والإداري للعمليات النفطية في 5 آذار 2018 وكان هناك شبه إجماع برلماني وطني على إقراره. غير أنَّ الحكومة الإتحادية طعنت فيه، فنقضت المحكمة الإتحادية بعض بنوده في 23 كانون الثاني 2019. ورغم أنَّ حكومة السيد عبد المهدي تعهدت بضرورة تعديله وتفعليه كما جاء في برنامجها الحكومي في 24 تشرين الأول 2018 لكن ذلك لم يتم رغم مرور عامين.
والمفارقة التي يجب الوقوف عندها في التشريعات المتعلقة بالثروات النفطية والغازية تبدو جلية لدى المتابعين في هذا الشأن، فعندما يمرر قانون النفط والغاز من مجلس الوزراء في شباط 2007 تقف الكتل البرلمانية لإعاقته، وعندما تتفق الكتل البرلمانية على تمرير قانون شركة النفط الوطنية في آذار 2019 تقف الحكومة الإتحادية بالضد منه. اليست هذه مفارقة؟ والخلاف لا يقتصر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل يتعدى الى داخل أروقة الحكومة فترى هناك وجهتي نظر مختلفتين حول إدارة الثروات النفطية، وأنَّ مراجعة مسارات تشريع قانون شركة النفط الوطنية يشير بوضوح أنًّ رؤية وزارة النفط مختلفة وأحياناً متقاطعة مع مجلس الوزراء (الأمانة العامة لمجلس الوزراء وهيئة المستشارين ومكتب رئيس الوزراء).
هذه الدوامة التي أدت الى إخفاق الدولة في تحديث أهم مرفق إقتصادي للبلد جاءت نتيجة عوامل متشابكة كثيرة لعل من أهمها غياب الرؤية الواضحة في الفقرات الواردة في الدستور والمتعلقة بملكية وإدارة وتوزيع عوائد الثروة النفطية. أي غياب السياسة النفطية لدى الدولة العراقية.
أرادت الحكومة الحالية تجاوز إخفاقات الحكومة السابقة التي لم تمض بإجراءات تأسيس الشركة وكذلك أخفقت في تعديل قانونها.  وأضاعت الوزارة الوقت في نقاش للبحث عن الأولوية هل يتم التعديل اولاً ام التأسيس ثم التعديل؟. وفشلت محاولاتنا لاقناع المسؤولين في الحكومة السابقة بضرورة إستثمار الوقت والسير في خط موازٍ يسعى في آن واحد في إجراءات تأسيس الشركة وكذلك تقديم مشروع قانون للتعديل لكن نداءتنا لم تلق آذاناً صاغية.
وحسناً ما فعلت الحكومة الحالية ووزارة النفط حيث سعت بعد نقاش طويل مع الدائرة القانونية في امانة مجلس الوزراء ان يصار الى قرار مجلس الوزراء 109 في 22 اب 2020 والقاضي:
1- الموافقة على مشروع قانون التعديل الأول لقانون شركة النفط الوطنية العراقية، واحالته الى مجلس النواب، استناداً الى احكام المادتين (61/أولاً و80/ البند ثانياً) من الدستور، مع الاخذ بعين الاهتمام رأي الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
2- الموافقة على البدء بإكمال مستلزمات تأسيس شركة النفط الوطنية من خلال قيام استشاري يختاره مجلس إدارة الشركة، وبموافقة مجلس الوزراء على تحديد قيمة الموجودات الثابتة للشركات المملوكة تمهيداً لفك الشركات ونقل حقوقها والتزاماتها وتمليكها للشركة دون بدل انسجاماً مع احكام المادتين (5/1.  7/5). من قانون شركة النفط الوطنية.
وبالفعل أحال رئيس مجلس النواب مشروع قانون التعديل الأول الى لجنة الطاقة والنفط النيابية في 22 أيلول 2020 ووجه بإجراء اللازم عاجلاً. وكذلك كلف رئيس الوزراء وزير النفط للقيام لإكمال مستلزمات التأسيس. الكرة الان في ملعب لجنة النفط والطاقة النيابية التي أبدت بدورها استعدادها الكامل للمضي في الإجراءات الدستورية كما صرح رئيسها هيبت الحلبوسي. وبالفعل تم تشكيل لجنة فرعية بخصوص دراسة مشروع التعديل الأول لقانون الشركة برئاسة النائب عبد الرزاق محبيس. وحسب ما اشارت اليه المصادر بان اللجنة عقدت اجتماعها الأول يوم الخميس 15 تشرين الأول 2020 لوضع خارطة طريق للإجراءات الدستورية لتمرير التعديل وتضمنت الخارطة استضافة الخبراء وقيادات القطاع النفطي لمعرفة ارائهم ومناقشتهم حول التعديلات المقترحة.
ان استقرار إدارة الصناعة النفطية وخاصة الاستخراجية تتطلب الخروج من شرنقة الإدارة المركزية التي تكبل بها القطاع طوال العقود الاربعة الماضية، وان من متطلبات هذا الاستقرار هو الاستقلالية بشقيها المرونة الإدارية والكفاءة المالية لذلك جاءت صيغة القانون في جوهرها لتوفير عوامل نجاح الشركة ودعم جهة ارتباطها بمجلس الوزراء وتوفير الإمكانيات المالية لتسيير عملها لتكون ذراعاً مقتدراً لتنفيذ السياسة النفطية التي تضطلع برسمها الحكومة ووزارة النفط الاتحادية. علماً ان النماذج الناجحة من الشركات النفطية الوطنية في الدول المنتجة تعتمد سياسة الفصل بين المهام والصلاحيات وان دور الوزارات ينحصر في رسم السياسات والاشراف والرقابة وليس الدخول في الشؤون التنفيذية. ان التدهور الحاصل في القطاع النفطي في بلدنا ناجم عن دمج الصناعة النفطية مع السياسة النفطية لذا فان فك الاشتباك في المهام والصلاحيات في الأدوار بين الوزارة والشركة يُعدّ احد الملامح الأساسية لتعزيز الإدارة السليمة.
ان ما افرزته السنوات الماضية هو غياب التوازن بين الجهد الوطني والأجنبي في القطاع النفطي. فقد اعتمدت الحكومات منذ عام 2010 على الجهد الأجنبي وجاءت عقود جولات التراخيص لتطلق رصاصة الرحمة على الجهد الوطني في القطاع. لذلك كان الغرض من الجهود التي بذلت منذ وقت مبكر لاحياء النفط الوطنية ان تنمو وتتطور هذه الشركة مع الزمن لتصبح الذراع الوطني للدولة العراقية في القطاع الاستخراجي وان تكون قادرا بعد فترة زمنية التنافس مع الشركات الأجنبية في تطوير الإنتاج النفطي وان التوازن بين الجناحين: جناح جولات التراخيص والنفط الوطنية هما الضمانة لسلامة مسيرة القطاع.
لقد بانت عورات العديد من عقود الخدمة التي تم ابرامها خلال عامي 2009 و2010 على عجلة وبدون تحوط بحجة خضوعها لعقد معياري موحد. ونجد وبعد مرور عشر سنوات على ابرامها، ان العديد من تكاليف الحقول النفطية والغازية أصبحت عالة على الاقتصاد العراقي. فعندما نستعرض التكلفة التشغيلية والاستثمارية للبرميل في حقول جولات التراخيص، ستجد بوناً شاسعاً في تكلفتها اذ تتراوح بين 4 دولارات وتصل الى اكثر من عشرين دولار للبرميل الواحد. وهذا يعني ببساطة ان الجانب العراقي والجهة الاستشارية التي اعتمدها لم يكن موفقاً في تخمين تكاليف تطوير هذه الحقول واحتمالات تذبذب أسعار النفط في السوق الدولية.
لقد شكلت تكاليف حقول قيارة ونجمه وبدرة والاحدب الحدود العليا مما جعل الاستمرار في تطويرها بهذه الصيغة امراً صعباً وتجلت مخاطرها في الآونة الأخيرة، حتى اصبح التفكير جدياً في كيفية تخليص العراق من شرنقتها.
لذلك تأتي دعوتنا للإسراع بتوفير مستلزمات تأسيس النفط الوطنية هو في ان تأخذ مهمتها كبديل وطني في الاستمرار بتطوير هذه الحقول التي قد تتخلى الشركات عنها بسبب المخاطر المالية او الأمنية، او قد ندفعها للتخلي عنها بشكل وباخر لتقليل حجم الخسائر التي تكبد القطاع من جراء الاستمرار بها.  فلا خيار امامنا الا المضي بتهيئة مستلزمات نجاح النفط الوطنية ومنحها الصلاحيات اللازمة للاستفادة من الشركات الخدمية والاستشارية، لذا يجب ان تحظى هذه المسألة الأولوية في برنامج الحكومة ووزارة النفط.
ونرى في الوقت ذاته، العديد من العثرات والمخاطر التي مارسها إقليم كردستان العراق في استثمار الثروة النفطية والغازية، وبدون الدخول في التفاصيل التي ناقشناها في فترات عديدة، فمن الواضح اليوم ان توجهات الإقليم لبناء منظومة مستقلة لاستخراج وتصدير النفط أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على اقتصاد الإقليم. وأصبحت المعادلة واضحة بان ازمة الإقليم المالية تتناسب طرديا مع أسعار النفط، فعند انخفاض أسعار النفط تصبح هذه المنظومة المستقلة عبئاً على اقتصاد الإقليم والعراق. ومن هنا نتفهم حاجة الأخير لمزيد من التفاهمات مع المركز في إيجاد مخارج لتحجيم الضرر.
تأتي الحاجة اليوم الى إجراء تعديلات دستورية، وكلنا يعلم بان الطريق صعب ومعقد لتحقيق ذلك ولكن لا زال الأمل قائماً لإجراء حوار وطني واسع ولاسيما انَّ الشارع العراقي يستشعر بضرورة هذا الأمر، فالحوار يجب أنَّ يسلك  نظرية النسغ الصاعد أي فتح قنوات حوار مكثف مع الشرائح المجتمعية لمعرفة التصورات للتعديلات الدستورية المطلوبة ثم يصار الى لجنة متخصصة للصياغات القانونية.  ولا ندري متى يحين تحقيق ذلك بالرغم من وجود النوايا الحسنة غير ان غياب الإرادة السياسية يجعل الامر صعب المنال.  صحيح ان الدستور يعتريه العديد من الثغرات ولابد من اصلاح الامر عاجلا ام آجلاً.
يبقى ان نؤكد بان معظم المشاكل التي اصابت البلد ليس فقط بسبب الثغرات الدستورية، وانما في جانب كبير منها عدم توفر الإرادة السياسية لتشريع القوانين، وهذا الرأي له ما يعضده وخاصة في القطاع النفطي، فكما اشرنا في المقدمة، ان المطبخ السياسي المشرف على كتابة الدستور صاغ المواد الخاصة بتنظيم استغلال الثروة النفطية بشكل قابل للتأويل، حتى في مسالة الملكية التي تم التوافق عليها بشكل غير قابل للاجتهاد لكن ذلك تم تقويضه عندما بدأ الإقليم ببناء منظومته المستقلة.
في الذكرى الخامسة عشرة للاستفتاء على الدستور والذكرى الأولى لانطلاقة تشرين، لا نريد اجترار الماضي واغفال الحاضر بما يكتنزه من أزمات حادة بسبب الإخفاق في التزام الكتل السياسية بالدستور وعدم تشريعها للقوانين المطلوبة لتنظيم هذا العقد الاجتماعي، مما أدى الى تفاقم الازمات وانطلاقة انتفاضة تشرين للمطالبة باستقالة الحكومة واجراء انتخابات مبكرة.  
ويبقى امام الحكومة ومجلس النواب الحاليين اغتنام الفرصة حتى الانتخابات القادمة المبكرة تشريع قانونين مهمين في تنظيم القطاع النفطي:
الأول: تعديل قانون شركة النفط الوطنية: والتعديل الأول للقانون موجود في مجلس النواب، ونحن على قناعة ان تم ذلك واثبتت الحكومة ووزارة النفط جديتها في دعم انطلاقة الشركة لتنمية الجهد الوطني، يمكن للشركة ان تشكل كذلك مدخلاً لتوحيد العمليات النفطية في البلد بما فيها إقليم كردستان.
الثاني: العمل على تشريع قانون (المجلس الاتحادي لسياسات النفط والغاز) ويهدف ذلك الى رسم سياسات النفط والغاز واستراتيجياته ووضع رؤية للصناعة النفطية التحويلية وتنمية الصناعات المتعلقة بها لضمان الاستثمار الأفضل لهذه الثروة وتحقيق اكبر عائد منها وإقرار سياسة نفطية متكاملة بما يتناسب والتطورات الاقتصادية والتكنولوجية.
لقد آن الأوان لاعادة النظر بالسياسات النفطية الراهنة، والعمل على إيجاد المشتركات لتوحيد إستغلال الثروات الطبيعية بما يحقق مصلحة العراقيين والتوجه الى حل جاد للخلاف النفطي العالق بين المركز والاقليم بعد ان خاض الطرفان تجارب كانت مؤلمة في بعض جوانبها فرطت في حقوق المواطن والاجيال القادمة وفشلت في توظيف إيرادات هذه الثروة لبناء الدولة.
عمار المسعودي

اخبار ذات الصلة