• Saturday 17 May 2025
  • 2025/05/17 17:44:47
{تقارير: الفرات نيوز} تمرّ علينا اليوم ذكرى رحيل عزيز العراق السيد (عبد العزيز الحكيم) (قدس سره الشريف)، ولتسليط الضوء على محطات ومراحل حياته الشريفة، كان لنا هذا الحوار مع نجله وسليل أسرة آل الحكيم الكرام، وسميّ إمام الطائفة، إنه السيد محسن ابن السيد عبد العزيز ابن السيد المرجع الاعلى اية الله العظمى الامام محسن الحكيم {قدس سرهما الشريف}.

المختصر المفيد.. في الاخبار الهامة تجده في قناة الفرات نيوز على التلكرام  .. للاشتراك اضغط هنا

وقد قلبت معه صفحات ونفحات ومحطات من حياة (عزيز العراق)، ابن عائلة العلم والشهادة والمرجعية الرشيدة، عائلة تشهد لها أعواد المشانق بقوافل الشهداء من الآباء والأبناء في درب الحرية ومقارعة الاستبداد والجور، دفاعاً عن كرامة وحقوق الشعب العراقي.


ولضرورة الواقع السياسي الحالي، واستلهاماً لتجارب (عزيز العراق) في الوضع الراهن، وجّهنا سؤالاً مباشراً للضيف الحكيم عن أهمية الحفاظ على حقوق المكون الأكبر في العراق ومصالحه السياسية والاجتماعية في داخل وخارج البلاد. فقال السيد محسن الحكيم :"كان لدى (عزيز العراق) الحرص الكبير على مصالح المكون الأكبر، والعراق بشكل عام. وكان يؤكد حرصه دائماً على مصالح المكون الأكبر، الذي هو الأساس في العراق، ويفكر بمصلحة المكونات الأخرى، وكان لا يرى مصلحة المكون الأكبر خارج إطار مصالح المكونات الاخرى، والتي من المفترض ان تكون مقدمة لتحقيق مصالح الشعب العراقي اجمع".
وعن كيفية بلورة مواقف (عزيز العراق) في مشهدنا السياسي اليوم لتجاوز حالة الانسداد السياسي، أكد انه "بلا شك، كان الهم الأكبر لعزيز العراق، وعلى أولويات سلم اهتماماته، حيث كان يبذل المستحيل من اجل تحقيق هذا الشيء، لان استقرار العراق لا يمكن أن يتحقق إلا بالمكون الأكبر".
ورأى "بصفتنا مكوناً أكبر، فقد رتبنا أوراقنا وأوضاعنا وأمورنا بما سينعكس ايجاباً على ترتيب أوضاع المكونات الأخرى، فاذا لم نرتب الأوضاع فيما بيننا، سيحدث إرباك، وسيؤثر على المكونات الأخرى".
وشدد السيد محسن الحكيم على أن "عزيز العراق {قدس سره} لم تكن لديه أية نظرة طائفية كما هي مرجعيتنا و قادتنا بشكل عام، والحديث عن المكون الاكبر لا يدخل ضمن خانة التخندق او الطائفية، وانما هي عملية تنظيمية واستحقاقات، وكل ماهنالك هو سنّ عملية سياسية فيها أطراف مختلفة، وهذا من الطبيعي جداً، ليس فقط في العراق بل في أية دولة أخرى، حتى يستقر الوضع السياسي. فاذا ارتبك المكون الأكبر، فمن الطبيعي جداً ان ترتبك المكونات الأخرى، واذا نظم المكون الكبير أوضاعه، فمن الطبيعي جداً أن ينعكس ذلك على ترتيب أوضاع المكونات الأخرى. فنحن على كل حال ننتمي الى هذا البلد، ومصيرنا واحد، وتاريخنا واحد، وتراثنا واحد، وتوجهنا وتعاطينا وتأثرنا وتأثيرنا واحد، وكلنا عائلة اسمها العراق".


وعن مواقف (عزيز العراق) في العملية السياسية وصلابتها بمواجهة التحديات على الصعد كافة، أشار السيد محسن الحكيم الى أن (عزيز العراق) (قدس سره الشريف) كان واثقاً بالله وبنفسه، والشيء الآخر الذي شاهدته بشخصيته هو الاعتداد بالنفس وبالفريق، لهذا قام بأعمال جبارة كبيرة تحتاج الى مثابرة وصبر وتحمل، وكان لديه طموح كبير في تحقيق مصالح شعبه وأهله وبلده".
وأضاف "من باب المثال، عند تأسيس العملية السياسية بعد 2003، لم يكن الأمر سهلاً، فالأمريكان قاموا باحتلال العراق بشكل رسمي بقرار 12/84، وكان (عزيز العراق) يرفض الرضوخ للتدخل الامريكي بالعملية السياسية، وكان كلامه معهم واضحاً وشجاعاً جداً جداً، وكان يملك ثقة بالله وبنفسه بشكل كبير".
وتابع انه "في إحدى المرات، كنت جالساً بقرب الوالد الراحل، حينما كان رئيساً لمجلس الحكم تم تغيير محافظ بابل، وكانت هناك اطراف تتبنى شخصاً ليكون محافظاً، وقام باستبداله. فجاء الحاكم الامريكي المدني في العراق آنذاك (بول بريمر) وفريقه، وكان كلامه بإنفعالية شديدة وقال: {لماذا تم تغيير المحافظ ونحن السلطة التنفيذية في العراق كونه بلداً محتلاً}؟ فجاء رد (عزيز العراق) صاعقاً وغير متوقع، حيث بيّن له سماحته: {أنتم من ترون العراق محتلاً، لكننا لا نرى ذلك أصلاً، لأن هذا بلدنا وشعبنا، ونحن مندوبون من الشعب، والعراق قوي}! واستمر بكلامه القوي الذي عجز (بريمر) عن مجايهته او التمكن من الرد عليه، مكتفياً بالقول {هل تعلم ما هو وضعي الآن؟ هو أشبه بشخص يقلع اسنانه من دون تخدير}!


وبما يخص أبعاد شخصية {عزيز العراق} ودراسته قال نجله السيد الحكيم: "منذ أوائل شبابه، كان لديه اهتمام خاص بالدرس، وتتلمذ على يد كبار الشخصيات الفقهية والأصولية في النجف الاشرف آنذاك، ومن أبرز أساتذته الذين تتلمذ عندهم: السيد كاظم الحائري و الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم وكذلك تلميذ الشهيد الإمام السيد محمد باقر الصدر - رضوان الله تعالى على الماضين منهم وحفظ الباقين- ولسنين طوال، وبما انه كانت تربطه علاقة عائلية بالإمام الشهيد الصدر، لذا كان هناك تواصل ـ لعله يومياً ـ بينه وبين الامام والمفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر، وهذه العلاقة نشأت في أجواء الجهاد ومناهضة الاستبداد والفكر المنحرف آنذاك. وهو كان من التشكيلات والخلايا الأولى التي كانوا يقودون العمل الجهادي في العراق، وبذل الكثير من أجل تأسيس الخط الجهادي في داخل العراق والتصدي للنظام البعثي العفلقي، ولا سيما بعد صدور فتوى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر بـ{الكفاح المسلح} بعد الوصول الى طريق مسدود في التعامل مع النظام البعثي".
وأشار الى ان الشهيد الصدر الاول "أصدر توجيهاً بتأسيس خط جهادي كبير قوي في كل العراق، ثم تطورت الفكرة وأصبحت {حركة المجاهدين العراقيين}، وقد تضمنت شخصيات بارزة والى الآن موجودة مثل سماحة السيد محمد الحيدري وسماحة الشيخ محمد تقي المولى، تشكلت بعد استشهاد الإمام السيد محمد باقر الصدر وكانت الأسس قد وُضعت قبل استشهاده".
واستدرك بالقول: "لكن إدامة الطريق كان بعد ذلك، ولا سيما تحت قيادة شهيد المحراب الخالد السيد محمد باقر الحكيم {قدس سره الشريف). بعدها تطور العمل وانشئت مجاميع تحت عنوان {مجاميع العمل الداخل}. وكان السيد (عزيز العراق) مسؤولاً ومشرفاً عنها، ويتابع عملها سواء في {حركة المجاهدين العراقيين} في حينها او {المجاميع الجهادية}، وتوثيق الاعمال الكبيرة والمهمة في كرّاسْ يحمله، يتضمن تاريخ العمل الجهادي في العراق والحركة الجهادية، وتمت ترجمته حيث يستعرض الجانب النظري، وايضاً العمليات التي تم تنفيذها ضد النظام العراقي. وعموماً كان هذا التوجه".


ومن ضمن الابعاد العلمية للسيد (عبد العزيز الحكيم)(قدس سره الشريف)، ولا سيما في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أشار السيد (محسن الحكيم) الى انه "في الغالب، كان هناك عمل كبير ومهم، ولعله تأسيسي، ولأول مرة يحدث، وهو تأسيس {الموسوعة الفقهية} التي تشمل تطورات المصطلحات الفقهية، ومضى فيها بقسط مهم من العمل، إلا انه اصطدم بواقع تطورات الاحداث التي حصلت، وكان ماضياً بتأسيسها ويدّخر الوقت الكثير لهذه الموسوعة، وهناك ابعاد كثيرة لشخصية (عزيز العراق)".
وعن مرافقته لعزيز العراق الخارجية، قال نجله السيد (محسن الحكيم): "كان لي الشرف ان أكون ملازماً لعزيز العراق منذ الطفولة وفي جميع مراحل حياته، كنت معه سواء في الجامعة أو الحوزة، وأتذكر في يوم كنا في قم المقدسة بعد الانتهاء من الدراسة، أخذ (عزيز العراق) استخارة في القرآن الكريم وطلب مني قراءتها، وكانت {جنات عدن تجري من تحتها الأنهار}، فقلت له انها خير.. آية جميلة وجيدة جداً. وكانت هذه الحادثة في 2002 قبل الدخول الى العراق فقال لي أستخرت لكي تعمل معي لاسيما بالقانون والعلاقات الدولية، وكان هناك تواصلا بيني وبينه آنذاك، وكان متواصلا مع المعارضة العراقية، والمجلس الأعلى كان جزءاً أساسياً في ذلك الحين، وكُلّفت بمتابعة الوضع الدولي، ثم التحقت به بشكل كامل، وكنت في خدمته بجميع سفراته وحتى في عمله".
وعن أبرز سمات (عزيز العراق)، لفت الى انه "كان شديد الإخلاص لله (سبحانه وتعالى)، ودائماً في جميع مراحل العمل وبقمة الزخم والتحدي والصعوبة والتعقيد، دائماً كان ينظر بعين الإخلاص لله (تعالى)، وكان دائماً يشير الى رعاية الله ولطفه وكرمه. والسمة الثانية التخطيط الستراتيجي في عمله، حيث كانت خطواته محسوبة، ولم تأتِ من فراغ او ارتجالية او انفعالية او ردود فعلية إطلاقاً، فعندما يتحمل مسؤولة إدارة الملف يبدأ بالتركيز عليه، ويخصص ساعات طوال من الوقت في مناقشة الأهداف وكيفية الوصول اليها، وما العناصر المساعدة في تحقيق الأهداف، وكان ينتقي فريقه بعناية لإنجاح العمل".
وبين أن "الشيء الآخر في {عزيز العراق} أنه يحمل صفات الصبر الاستراتيجي في سبيل إنجاز العمل، ولم يكن يملّ أو يكلّ او ينهار في حال اصطدامه بتحدٍ ما، ويبقى متابعاً حتى يزيل هذا المانع. والشيء الآخر انه يملك سعة الصدر وروح الفريق الجماعي، ودائماً يسعى لسماع الآخرين، ويأخذ برأيهم بعد التفكير في هذا المجال كثيراً، ولم يكن يتخذ القرار الفوري، ولكي يتخذ القرار الصحيح كان يدرس جميع الخيارات ويضعها على الطاولة، وينظر ما هي ايجابياتها وسلبياتها، أي إنه غير متسرع ويتفرغ بشكل خاص لهذا العمل. كما كان قليل الكلام كثير العمل أي {قليل المؤونة كثير المعونة}، وكان وافر التفكير، لهذا كان عمله ثقيلاً وكبيراً".
ونوّه الى أن "لعزيز العراق كانت له مواقف وبصمة واضحة وصريحة في كتابة الدستور والمتضمنة مصالح الشعب العراقي والمكون الشيعي والمكونات الأخرى، وهذا واضح في هذا المجال. وأيضاً في شعبيته وتواضعه وتواصله مع الناس وحبه للشعائر الحسينية بشكل استثنائي، والتجائه لله في كل قضاياه".
وتابع السيد محسن الحكيم :"كان (عزيز العراق) وشهيد المحراب والسيد الشهيد (مهدي الحكيم) ومن أولاد السيد المرجع الاعلى اية الله العظمى الامام محسن الحكيم {قدس سره الشريف) نشاطات لم يتم تسليط الضوء عليها؛ لكن هؤلاء الثلاثة هم من تبنوا الخط الجهادي والسياسي، وكانوا قريبين من الإمام الشهيد السيد (محمد باقر الصدر) وخطه الفكري الواضح، وكانوا من المتأثرين بهذا الخط وحتى في خطاباتهم العامة، وكانت نشأة حياتهم الفكرية والسياسية متأثرة جدا بفكر الشهيد (محمد باقر الصدر) {رضوان الله تعالى عليه}".
ولفت الى انه "كان هنا تصدٍ في هذا المجال، بالرغم من كل المخاطر المحفوفة آنذاك في هذا الأمر، هم وثلة من المؤمنين، بعضهم استُشهد وبعضهم فارق الحياة والبعض الآخر ما زال يناضل، فكان هناك تأثر كبير، وكان عزيز العراق تلميذ الإمام الشهيد السيد (الصدر) ويحضر درس البحث الخارج، ولديه بعض المخطوطات التي هي تقرير بحث الخارج للشهيد (محمد باقر الصدر)، او في الجانب الفكري والسياسي، إذ كانت هناك قناعة فكرية، والعمل الجهادي الذي كان يقوم به واهتمامه بهذا الجانب. واثناء الحصار على الإمام الشهيد (الصدر) {رضوان الله تعالى عليه} كان يوصل له آخر الاخبار، وكان العفالقة يستغربون وصول الاخبار للشهيد برغم مراقبة الهاتف والمنطقة، ومنع خروج ودخول الأشخاص الى منزل السيد الشهيد الصدر {رضوان الله تعالى عليه}".


وكشف نجل (عزيز العراق) عن "طريقة إيصال الاخبار للشهيد (الصدر) حيث قال: بسبب قرب منزلنا من منزل الشهيد (الصدر) في النجف الاشرف، والسطوح كانت متقاربة جداً، كنا نحمل {صواني} كبيرة من {10 - 15} صينية، وكان (عزيز العراق) يكتب الأخبار عليها بقلم {الماجك}، وكانت ترفع من أعلى سطح المنزل، وكان هناك في بيت السيد الشهيد من يدون هذه الأخبار وينقلها له من سطح منزله عبر الناظور، فكانت هناك مبادرات وطرق مختلفة لإيصال الأخبار".
وقال: "كان للسيد عمار الحكيم أيضاً دور برغم طفولته، فقد كان عمره نحو 10 سنوات، ولم يكن يجذب الانتباه، وكان يوصل الأخبار أيضاً للشهيد (الصدر)، ويعد هذا ارتباطاً وثيقاً بالسيد الشهيد. وبعد ان ضاق الخناق عليى تلامذة السيد الشهيد {رضوان الله تعالى عليه} رأوا أن العمل صعب جداً داخل العراق، وبعدها حدثت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام (الخميني) {رضوان الله تعالى عليه}، وتبلورت فكرة انتقال الفريق الجهادي الى الجمهورية الإسلامية، وفرصة الاستفادة من هذه الثورة الكبيرة واستثمار الامكانيات الموجودة لدعم الوضع في العراق، لهذا تمت هجرتنا مع الوالد {عزيز العراق} الى الأردن. وعند قدومنا الى بغداد وبالتحديد في منطقة شارع فلسطين الى منزل ابن عمتي، ومن هناك خرجنا الى الرطبة ودخلنا الى الأردن، وبقينا فيها 3 أيام، ثم انتقلنا الى سوريا، ومن هناك توجهنا الى الجمهورية الاسلامية في عام 1980".
وأوضح: "بعد دراسة مستفيضة للأوضاع الموجودة وخبرنا ان الأردن أفضل طريق سالك في عملية الخروج من العراق، بالرغم من المخاطر الموجودة، وكانت حينذاك خلافات بين حزب البعث في العراق مع الرئيس السوري (حافظ الأسد) {رحمه الله}، فكانت العيون مفتوحة على الحدود في منفذ الوليد، اما في الأردن فكانت الاجراءات أخف، وكان الوالد متحفظاً طول الطريق مع السائق، كون أغلبهم مخبرين للأمن، وذلك الى ان وصلنا الى الرطبة".
ويشير نجل (عزيز العراق) الى موقف صعب بعد ان "استدعت سلطات المنافذ السيد الوالد (عبد العزيز الحكيم) (قدس سره الشريف)، وكان اسمه موجوداً ضمن قوائم المطلوبين في الحدود، وذهبنا الى غرفة التحقيق للتأكد من الأسماء، وبالمصادفة رنّ هاتف ضابط التحقيق، وكان الوالد يطالع في القوائم، فرأى اسمه لكنه لم يتأثر، وشاء الله ان لا يلاحظ الضابط اسمه، ونجونا في حينها".
ونوّه الى انه "لم تكن فترة الاعدامات قد بدأت لأسرة آل الحكيم آنذاك، ولكن اقتصرت الاعدامات على شخصيات حوزوية".
وأكد السيد محسن الحكيم "كان واضحاً لدى تلامذة الإمام الشهيد الصدر {رضوان الله تعالى عليه} أنه يجب التصدي للنظام وبعد ان جربوا جميع الطرق السلمية للوصول لاستيفاء الحقوق، الا ان النظام الدكتاتوري خالف وعارض، بل بدأ يبطش بأبناء شعبنا وأهلنا ويقتل ويسجن بلا هوادة، كما صار هناك باب وفتوى شرعية حينها، ولم يُعتقل الشهيد السيد (الصدر) آنذاك، فقد كان متخفيا 9 أشهر في المنزل، ولم يكن يستقبل أحداً تقادياً لعدم جذب الأنظار في الظاهر، وكان ساكتاً، ولكن لديه طرقه الخاصة للتواصل مع الأطراف، وكانوا لا يعلمون ما يجري على ارض الواقع، الى ان استُشهد السيد (الصدر) في 9 نيسان، وكنّا حينها بالنجف الاشرف، وبعد الحادثة خرجنا من المدينة".
وأشار الى ان "خبر استشهاد الإمام السيد (محمد باقر الصدر) كان مفجعاً لعزيز العراق، حيث كان بالنسبة له الأستاذ والقدوة والأب الروحي، وعلاقته الشخصية المتواصلة مع عائلة السيد الشهيد، وعلاقة الوالدة مع العلوية (ام جعفر)، وكنا نزور منزل السيد الشهيد (الصدر) بشكل شبه يومي".  وبين ان "(عزيز العراق) {قدس سره} لم يدّخر جهداً في اي ملف يكلف به، وهناك ثقة عالية جداً بعمله، حيث كان {عزيز العراق} يكلف بملفات حساسة ومهمة في ذلك الوقت، في رحلة ما قبل السقوط، وتم اختيار {عزيز العراق} في مجال الاتصال بالمؤثر الدولي. وللانصاف من خلال متابعتي الميدانية، فقد اعطى المسؤولية التي وقعت على عاتقه حقها، وكان يبذل كل الجهد من اجل تحقيق الأهداف المرجوة، وكان يبدأ منذ الساعة السابعة صباحاً، ويركز جهده على هذه المهمة، وكان يستشير فريقه وخارجه قبل اتخاذ القرار، وكانت عقليته عقلية فريق، ويبحث عن نقاط الضعف والقوة والفرص والتهديد".
وأكد السيد (محسن الحكيم) أن "(عزيز العراق) كان يهتم كثيراً برأي الآخرين، وان يكون العمل دقيقاً وخالصاً وبأقل الخسائر، لهذا كان يبذل جهداً وطاقة لإنجاز العمل بالشكل الصحيح".
ونوٍّه الى أن "(عزيز العراق) كان يحمل اهتمامات اجتماعية، اضافة الى اهتمامه بعوائل الشهداء، ويجد نفسه متبنياً كل هؤلاء، وكان يقتطع جزءاً من وقته لتفقدهم حضورياً أو عبر الاتصال الهاتفي والسؤال عن احتياجاتهم، وعندما كنا في ايران كان يذهب كل يوم اربعاء الى قم المقدسة لتفقد العوائل والاهتمام بها، وكان جزء من العمل هو استقبال المجاميع الجهادية في قم المقدسة، حيث كانوا يأتون من العراق عبر الطرق النيسمية وطرق أخرى. والشيء الآخر والمهم جداً انه ما طرق شخص بابه إلا وبذل المستحيل لتحقيق رغبة او طلب هذا الشخص، بالرغم من أن بعض الرغبات والطلبات صعبة جداً، وكان شخصياً يتابع مع المسؤولين او الدوائر المعنية ويتبنى حل المشكلة".
واستطرد بالقول "كان عزيز العراق يتحلى بروح التواضع والبساطة حتى في التعامل العائلي، وكان يخبرني دوماً أنه يجب ان نعيش مثل ابسط الناس، فكانت هناك أسواق شعبية في طهران أسعارها مخفّضة، كان يوصيني دائما شراء الحاجيات منها، برغم بعدها عن سكننا، حيث كان يميل الى الطبقة البسيطة".


وعن العلاقة الروحية بين (عزيز العراق) وشهيد المحراب وتحشيدها صوب إسقاط النظام الدكتاتوري، بيّن السيد (محسن الحكيم) ان: "شهيد المحراب واخيه (عزيز العراق) كانا مدرسة واحدة وتوجهاً وفكراً واحداً، وكان شهيد المحراب محور عمل المعارضة برغم وجود جهات وتوجهات أخرى، لكنه كان محور العمل، وكان هناك اهتمام خاص به، وكان لعزيز العراق علاقات كثيرة بجهات المعارضات الأخرى".
وتابع "كما ان لديه علاقات واسعة مع القيادات الإسلامية والوطنية، وكان أحد أهم جسور التواصل بين شهيد المحراب والجهات الأخرى في الخارج، وكانت هذه الجهات تميل اليه وتحبه كثيراً لبساطته واريحيته، ويجدونه قناة رئيسة ومهمة للتواصل مع شهيد المحراب".
ولفت الى انه في عام 1995 اتصل الشهيد الأستاذ (عزيز الياسري) ـ الذي استُشهد في تفجير بفندق فلسطين بعد سقوط النظام ـ هاتفياً بعزيز العراق وقال: "هناك من يبعث لك السلام ويطالبون بإقامة عمل مشترك"، فتساءل عن هويتهم، فأجابه: انهما حسين وصدام كامل! فرد عليه (عزيز العراق): "انهما ليسا من اهل الثقة، ولا نعترف بهما، واياديهما ملطخة بدماء العراقيين، ولا يمكن ان نعمل معهما. فرد الياسري بأنهما خرجا من العراق واستقرا بالأردن وطلبا الالتحاق بالمعارضة، فقال له (عزيز العراق) بانه سيوصل الرسالة الى شهيد المحراب مع التأكيد ان موقفنا واضح من هذا الامر. واستشار والدي السيد شهيد المحراب، وكان رأيه مطابقاً لرأي (عزيز العراق)، فاتصل بالياسري واخبره رفض التعامل معهما باعتبارهما جلادَين، وكان موقفه واضحاً وصريحاً بالتعامل معهما".
وأوضح ان "(عزيز العراق) لم يحب الظهور الاعلامي طول هذه المدة، وكان يعمل على أمور تدين النظام السابق في العراق. وعلى سبيل المثال، شكّل مركزاً تحت عنوان {المركز الوثائقي لحقوق الانسان}، يعمل على تجميع وثائق النظام من قبل المجاهدين من الداخل او من طرق أخرى، وكانت تُرسل الوفود الى الأمم المتحدة وبالذات في فيينا او جنيف، وكانوا يقدمون هذه الوثائق لإدانة النظام، بحيث أخذ العالم بالحديث بلغة حقوق الانسان وتأثيرها على المجتمع. واتذكر في هذا المركز أنه رفعت راية تجريم صدام ونظامه، وقامت مؤسسات في أوروبا بزيارة المركز في طهران للاطلاع على الوثائق، ومنها منظمة (اندايت) البريطانية التي ترأسها النائب (آن كلويد) في أواخر التسعينيات، وهي أيضاً تبنت شعار تجريم صدام واطلعت على الوثائق. كما أقام إخواننا في فيينا دعوى قضائية على عزت الدوري الذي كان في زيارة آنذاك، بصفته جزءاً من النظام الذي قام بتنفيذ إبادة جماعية، فهرب من فيينا وكان دائما ملاحقاً قانونياً" مبينا ان "هذا المركز تمكن من جمع عشرات الآلاف من الوثائق التي أدانت قمع واضطهاد النظام البعثي الصدامي".
وعن أبرز مقومات الانشطة التي قام بها بعد عودة شهيد المحراب الى العراق، أوضح السيد (محسن الحكيم) أن "المجلس الأعلى كان مجمعاً للعلماء والمؤمنين والمناضلين والأحزاب الأخرى، وكان لديهم نشاط وتصدٍ حسب الأدوات والقناعة والآليات من أجل تحقيق الهدف والمتمثل بإسقاط النظام الدكتاتوري. ومن المؤكد أن هذه الحركة التي حملت الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية والجهادية والحوزوية الكبيرة، فلكل واحد توجهاته وقدراته ومهاراته وعمله، وكان السيد يقود هذه الحركة بشكل عام".


اكتشاف مرضه
وقال السيد (محسن الحكيم) "في حزيران 2007 كان هناك اجتماع للهيأة العامة للمجلس الأعلى، وبدأت عليه علامات التعب والارهاق، وكان عنده سعال. وعقب الاجتماع تم اجراء بعض الفحوصات الطبية، واكد لنا الطبيب في حينها عن إحتمالية وجود مرض {السرطان}، وبعدها تم أخذ مفراس بينما زادت احتمالية هذا المرض. واقترح الأطباء تشخيص المرض في الخارج حيث كانت الأجهزة الطبية المتخصصة معدومة في العراق، وأصبحت فرصة لنقله فقط للفحص الى مستشفى {اندي اندرسون}، وهو اكبر مستشفى لمكافحة السرطان في العالم، وكان موقعها في الولايات المتحدة الامريكية. واجريت فحوصات كثيرة وأعلنت النتيجة خلال ساعات بانه مصاب بمرض السرطان في الرئة".
وأشار الى ان "الفريق الطبي قدم تقريراً لعزيز العراق بالحالة المرضية، وأن العلاج متوفر، وعند خروجهم قال لي :{ان هذا المرض واضحة نتيجته، واني سلمت أمري الى الله تعالى}. واتُّخذ الأطباء المختصين قراراً بأخذه للعلاج الكيمياوي، وكان العراق خالياً من إمكانية العلاج آنذاك وطرحت عدة مراكز للعلاج، ووقع الاختيار على مركز متخصص بأمراض الرئة والتدرن في طهران، لقربه من العراق. وفي طريق العودة كنت اتفقده دوماً، وكان يقول لي :{لقد أعددت دراسة وتقييماً لحياتي من أول صباي الى اليوم، وشاهدت انه لو تمت اعادتي الى ماقبل 57 عاماً لما كنت اختار إلا هذا الطريق نفسه}، فكان واثقاً من نفسه، واعتبره طريق الثبات".
وأوضح انه "وطول مدة علاجه التي زادت على 28 شهراً، كان يمر بظروف صعبة، وكان لي التوفيق والقيام على خدمته، فلم أسمع أية شكوى او تذمراً إطلاقاً، وكان يردد دائماً الآية الكريمة {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}، وكان لا يناقش الأطباء، ولم يلاقوا أية صعوبة في التعامل معه، وكان صابراً ومحتسباً برغم شدة الألم وآثاره المؤلمة، وما يفعله هذا المرض بجسد المريض".

 

اخبار ذات الصلة