وتعليقا على ذلك، أشار قضاة تحقيق إلى أن الابتزاز أحد أهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى إزهاق حياتهم، وفيما عرجوا على دوافع أخرى كنتائج الامتحانات العامة ومعارضة الزواج، أشروا تسجيل حالات انتحار لدى بعض الحركات الدينية المتطرفة.
وقال قاضي محكمة تحقيق الرصافة سعدون عبادة، في حديث لـ"القضاء"، إن "المحكمة سجلت خلال النصف الأول من العام 2024 (55) حالة انتحار توزعت بواقع (28) حالة للذكور و(27) حالة للإناث، لافتاً إلى أن "حالات الانتحار تنوّعت بين تناول مواد سامة وطلق ناري وأخرى عن طريق الشنق والسقوط من أعلى بناية".
وعن التعامل القانوني لحالات الانتحار، أضاف القاضي أن "المشرع العراقي سار على نهج القوانين العقابية في معظم دول العالم حيث لم يعاقب على الانتحار كما لم يعتبر الشروع فيه جريمة وهذا ما أكدته المادة 408/3 من قانون العقوبات العراقي"، لافتاً إلى أن "المشرع العراقي عاقب على فعل الإسهام في الانتحار فجرم التحريض والمساعدة عليه، وعلة التجريم تكمن في أن فعل الانتحار يشكل خطراً على امن وسلامة المجتمع".
وبين أن "الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص لإنهاء حياته بحيث ينهي حياته بشكل مقصود، حيث يقع الاعتداء من الشخص على نفسه، وفي ذلك تجتمع صفة الجاني والمجنى عليه في الشخص نفسه وهو المنتحر".
وعن الموقف القانوني لمن يشرع بالانتحار ولم ينجح، يشرح أن "الشروع في الانتحار هو البدء في تنفيذ فعل يؤدي حسب المجرى العادي للأمور إلى إزهاق الإنسان لروحه وإنهاء حياته غير أن النتيجة المقصودة لا تتحقق لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها كأن يقرر الشخص أن يتناول مادة سامة ثم يتم إنقاذه من قبل أفراد أسرته بأخذه إلى المستشفى في الوقت المناسب، وبالرغم من أن فعل الشروع في الانتحار فعلاً يهدر حق الإنسان في الحياة ويمكن المعاقبة عليه من الناحية القانونية إلا أن اغلب التشريعات العربية والغربية لم تجرم هذه الأفعال، إذ رأت أنه لا فائدة تجنى من عقاب الإنسان الذي اختار الموت لنفسه أو قرر إنهاء حياته بيده فهذا الشخص يحتاج في مثل هذه الظروف إلى العطف والحنان والتوجيه والإرشاد".
وبشأن دوافع الانتحار، تحدث عبادة عن أن "الابتزاز والتهديد والضغوط النفسية هي أساليب يستخدمها البعض بحق الشباب وخصوصاً فئة المراهقين تدفع بعضهم إلى الانتحار"، لافتاً إلى أن "الابتزاز الالكتروني يشكل تهديدا متزايدا على الخصوصية والأمن الشخصي إذ يشهد الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي تزايداً في حالات الابتزاز بأشكاله المختلفة الأمر الذي يدفع البعض إلى الانتحار هرباً من الفضيحة والوصم المجتمعي وقد تتعدد أشكال الابتزاز، حيث يلجأ المجرمون إلى نشر معلومات خاصة أو حساسة مقابل إقامة علاقة جنسية غير شرعية أو مبلغ مالي أو التهديد بالتشهير والتعرض للسخرية".
وأكمل عبادة أن "الابتزاز يؤثر على الضحايا بصورة كبيرة حيث تقع الضحية رهن تدمير السمعة الشخصية والخسارة المادية والتوتر النفسي والانتهاكات الجسدية وحيث أن الابتزاز يمكن أن يؤدي إلى آثار نفسية سلبية على الضحية بما في ذلك القلق والاكتئاب والشعور بالعزلة والضياع وانخفاض مستوى الثقة بالنفس".
وتابع أن "مئات الشباب والشابات والأطفال في مجتمعاتنا يتعرضون اليوم إلى حالات ابتزاز الكتروني وتهديد وضغط نفسي وتحرش على أرض الواقع بسبب انحدار القيم العامة وسيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على حياة المراهقين والأطفال، فالأجيال التي كانت تكبر على برامج تلفزيونية تتمحور حول التسامح والاحترام والصدق صارت تتلمذ على هذه المواقع التي تشيع فيها الألفاظ والتصرفات البذيئة بعيدا عن القيم الأساسية".
كما يرجع عبادة أسباب الانتحار إلى "الكثافة السكانية والوضع الاقتصادي والبطالة فضلا عن العنف الأسري والابتزاز الالكتروني وإدمان المخدرات والتفكك الأسري إضافة إلى العامل النفسي الذي يعد احد عوامل الإقدام على الانتحار إن لم يكن السبب الرئيسي لهذه المشكلة وكذلك إهمال معالجة الاكتئاب الذي يتجاهل الكثير من الناس تشخيصه بشكل مبكر أو المضي في علاجه".
وفي السياق نفسه، كشف قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثالثة عامر حسن شنتة، خلال حديث لـ"القضاء"، عن "تسجيل (36) حالة انتحار توزعت مابين (23) حالة انتحار ذكور و(13) حالة انتحار للإناث".
ويتفق شنته مع عبادة في تشخيص أسباب حالات الانتحار، مضيفاً إليها "الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة بالبطالة التي يعيشها الكثير من أفراد المجتمع أو العجز عن تحقيق الطموحات العالية للفرد مثل حالات الانتحار التي تحدث بعد إعلان نتائج الامتحانات العامة أو عدم موافقة الأهل على زواج بعض الشباب والشابات".
ويوضح القاضي، أن "الآونة الأخيرة شهدت بعض حالات الانتحار الناشئة عن أسباب عقائدية منحرفة مثل حالات الانتحار لدى إحدى الجماعات التي تطلق على نفسها جماعة (القربان) والتي تمارس قرعة للانتحار ومن تقع عليه القرعة يقدم على إنهاء حياته".
وجماعة القربان حركة دينية ظهرت في السنوات الثلاث الأخيرة بداية في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار، ثم انتشرت في محافظات الجنوب، ويتبع أتباع هذه الجماعة طقوسا غامضة وسرية يتم من خلالها إجراء القرعة بعدها يقوم الشخص الذي يظهر اسمه بالانتحار شنقاً.