ولم يكد الشارع يشفى من صدمة فاجعة "فتى الزرقاء" في الأردن، حتى جاءت جريمة "فتاة المعادي" في مصر، وزاد الألم مع حادثة "طفلي دجلة" بالعراق.
تلك الجرائم تخطت حدود البلدان التي وقعت فيها، ليصل صداها إلى دول العالم العربي، وظلت حديث منصات التواصل الاجتماعي على مدار أيام.
وكان وقع الحوادث الثلاثة ثقيلا بحجم استقطابها عاطفة مواطنين عرب استنكروها، وأبدوا استغرابا من تصاعد حدة الجريمة خلال الأسبوع.
قطعوا يديه وفقأوا عينيه
الثلاثاء الماضي، أفاق الأردن على صور هزت مشاعر العالم العربي، بعد تعرض الفتى صالح حمدان، لاعتداء وحشي بمحافظة الزرقاء (وسط)، ما استدعى تدخل عاهل البلاد الملك عبد الله الثاني، وسط حالة من الصدمة والغضب.
وتداول رواد منصات التواصل بالأردن، مقطعا مصورا للفتى (16 عاما) يجلس على جانب طريق في حالة إعياء شديد، إثر تعرضه لاعتداء جسدي ببتر يديه وفقأ عينيه بدافع "الثأر".
وعقب ساعات على تداول المقطع، قالت مديرية الأمن العام، في بيان، "تبين بعد الاستماع إلى أقوال الفتى أن مجموعة من الأشخاص اعترضوا طريقه واعتدوا عليه بأدوات حادة، على إثر جريمة قتل سابقة قام بها أحد أقاربه".
وأمر عاهل الأردن بتقديم كافة سبل الرعاية الصحية للفتى المصاب، وتابع عملية أمنية قادت إلى إلقاء القبض على الجناة، مع إطلاق حملة أوسع ضد أصحاب السوابق والمجرمين.
ودشن مغردون وسما باسم #جريمة_الزرقاء، بات في غضون ساعات الأكثر تداولا في الأردن ودول عربية، وطالبوا من خلاله بسرعة توقيف الجناة وإنزال أقصى العقوبة جراء اعتدائهم الوحشي على الفتى.
وتجاوز صدى الجريمة حدود الأردن، إذ أعربت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة "يونيسيف" في عمّان، تانيا شابويزات، في بيان، عن صدمتها وحزنها لما جرى مع الفتى.
وقالت شابويزات: "العنف ضد الأطفال غير مقبول على الإطلاق. إنه وباء يهدد المجتمع مثله كمثل جائحة فيروس كورونا".
وأكدت أن المنظمة "ستواصل دعم المجتمعات والجهود الوطنية لإنهاء جميع أشكال العنف ضد الأطفال".
تحرشوا بها ثم قتلوها
غداة واقعة الأردن، شهدت مصر موجة تضامن واسعة إثر وفاة الفتاة مريم (24 عاما) في أحد شوارع منطقة المعادي جنوبي العاصمة القاهرة، جراء تعرضها لسحل تقول مصادر إنه بسبب التحرش، وليس السرقة كما تردد.
وبعد ساعات، كشفت النيابة المصرية في بيان، ملابسات الواقعة التي أثارت غضبا واسعا في البلاد، مؤكدة أن "الاعتداء على مريم كان بقصد السرقة وليس التحرش"، وفق التحقيقات الأولية.
وأوضحت أن "سيارة نقل ركاب يستقلها اثنان، انتزع مرافق سائقها حقيبة المجني عليها التي كانت ترتديها على ظهرها، ما أدى إلى اصطدام رأسها بسيارة متوقفة ومن ثم وفاتها".
وبمعاينة جثمان المجني عليها تبين إصابتها بأنحاء متفرقة من جسدها، كما تبين من معاينة مسرح الحادث آثار دماء ملطخة بالرمال على مقربة من إحدى السيارات، بحسب بيان النيابة.
وتحت وسم #فتاة_المعادي، رثى العشرات مريم التي دافعت عن نفسها وفقدت روحها، وانتشرت صورة لها وهي تقف مبتسمة في أحد الشوارع.
ألقتهما في النهر
والجمعة الماضي، ضجت منصات التواصل العراقية بمقطع فيديو سجلته كاميرات مراقبة لامرأة كانت تحمل طفلا وتجر بيدها آخر، وهي تسير فوق جسر الأئمة الرابط بين منطقتي الكاظمية والأعظمية في العاصمة بغداد.
وعندما وصلت المرأة إلى منتصف الجسر ألقت بالطفلين واحدا تلو الآخر في مياه نهر دجلة، في مشهد صادم أثار ردود فعل غاضبة واسعة النطاق على مستوى البلاد وخارجها.
وتداول عراقيون ووسائل الإعلام المحلية المقطع المصور على نطاق واسع خلال الأيام القليلة الماضية، وسط تعليقات من المدونين على منصات مواقع التواصل بإنزال أقصى العقوبات بحق الأم.
وتم انتشال جثتي الطفلين من النهر.
وتحت وسم جريمة دجلة تفاعل مغردون، معبرين عن صدمتهم من الجريمة، كما أن حجم التفاعل تصاعد إلى خارج حدود العراق، على غرار جريمتي المعادي والزرقاء.
مها الحسيني، المديرة التنفيذية لمؤسسة "إمباكت" الدولية لسياسات حقوق الإنسان (مقرها لندن)، علقت، على الجرائم الثلاث ودلالتها على المجتمعات العربية.
وقالت إن "السلطات في العالم العربي بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، للالتفات إلى تصاعد العنف المجتمعي ومعالجته بقوانين رادعة، عوضا عن سن القوانين التي تخدم بقاءها في الحكم والحد من حريات الرأي والتعبير".
ورأت الحسيني أن تصاعد العنف في المجتمعات العربية بدأ منذ عقود، خاصة داخل المنغلقة منها، لكن الفارق اليوم هو دور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام.
وأضافت أن الإعلام ساعد في تسليط الضوء على تلك الجرائم والحديث عنها، وبالتالي رفع الوعي بها وإعلام الجمهور عنها بعد أن كانت تبقى غير معلنة.
وأشارت إلى أن "المنطقة العربية اليوم تشهد أكثر فترة سوءا من حيث تصاعد العنف سواء على الصعيد السياسي، أو حتى الاجتماعي الذي يتأثر بدوره بالوضع السياسي العام والنزاعات المسلحة".
الحسيني قالت أيضا إن "المواطن العربي يعيش حياة يومية واقعها العنف، بينما الأمن والسلام يكاد يكون نادرا في معظم المجتمعات".
واعتبرت أن "تصاعد تلك الجرائم بشكل غير المسبوق تلعب فيه قوانين تلك البلدان دورا رئيسا، حيث يفرض القانون عقوبات مخففة على بعض الجرائم التي تُحدث إعاقات طويلة الأمد أو تتعدى على حق الأفراد في الحياة بشكل فاضح".
وضربت مثالا على حادثة "فتى الزرقاء"، إذ يقضي قانون العقوبات الأردني في مادته 335 بأنه "إذا أدى الاعتداء إلى إعاقة دائمة أو تشوه، يعاقب الفاعل بالأشغال المؤقتة مدة لا تزيد على عشر سنوات"، وهو ما يعد حكما مخففا.
عمار المسعودي