• Friday 22 November 2024
  • 2024/11/22 14:37:48
{منوعات: الفرات نيوز} تزخر حضارة بلاد وادي الرافدين بالكثير من الأسرار وفنون العمارة المتقدمة، وتعد الزقورات إحدى أبرز سمات تلك الحضارات القديمة.

والزقورات معابد هرمية مدرجة شاهقة الارتفاع، شيدها السومريون ثم الأكديون والبابليون والآشوريون وغيرهم، واكتشف منها حتى الآن نحو 35 زقورة موزعة في ربوع البلاد، وتشير المصادر إلى أنها أقدم من أهرامات مصر وبيرو والأنكا المكسيكية.

سمة حضارية

يعتبر الباحثون وخبراء الآثار الزقورة أحد أبرز نتاجات حضارة الرافدين المعمارية، كما هي الأكثر إثارة للتساؤلات والبحث عن حقيقتها خلال دراسات وبحوث استغرقت عشرات السنين قام بها المختصون بالآثار، لغرض الوصول والكشف عن الغموض والأسرار التي تدور حول هذه المواقع التاريخية، كما يقول الأكاديمي والباحث بالآثار الدكتور محمد مؤيد مال الله.

ويوضح أن الزقورة تعرف لدى الباحثين بأنها واحدة من أهم مميزات العمارة في تاريخ العراق القديم وأكثرها شهرة، بل أصبحت السمة المميزة لتلك العمارة، رغم وجود ما يشابهها من صروح قديمة عند بعض الحضارات القديمة كالأهرامات في بلاد النيل، ومعابد حضارات أميركا اللاتينية، وغيرها.

ويشير إلى أن وظيفة الزقورة أعطتها الخاصية المميزة، وهي خاضعة كليا لمؤثرات محلية بعيدا عن أية تفسيرات تعيد بشكل أو بآخر أصول هذه المنشآت المعمارية إلى تأثيرات خارجية، وهذه المباني التي أقيمت على هذا النحو من الضخامة تدل على تنظيم معقد وإدارة دقيقة في الأمة التي أقامتها.

وتبين المصادر المسمارية أن السبب الأساسي -من إقامة هذه الصروح العظيمة الضخمة- لأغراض دينية تهدف إلى العلو والرفعة والمكان الذي يكون الاتصال فيه أقرب إلى التقديس حسب معتقداتهم المسمارية، بمختلف لهجاتهم وأقوامهم في بلاد الرافدين، بحسب مال الله.

ويضيف الباحث أنه مع التطور الكبير في الملامح الحضارية للعراق القديم، أدى الاهتمام بالعمارة الدينية إلى ظهور نمط من الأبنية كان لها المكانة الكبرى في مدن العراق القديم، وتمثلت بالزقورات التي أصبحت المعلم الأبرز للعمارة الدينية في بلاد الرافدين.

هندسة فريدة

وتنفرد هندسة الزقورة ببناء يتكون من 3 مصطبات، حيث تكون المصطبة الأولى عريضة وكبيرة، بينما الثانية أقل حجما، إلى أن تصل الزقورة إلى قمتها وفيها غرفة تسمى المعبد، بحسب مدير المعهد العراقي للمحافظة على الآثار والتراث الدكتور عبد الله خورشيد.

ويضيف أن هنالك آراء مختلفة حول الأسباب التي أدت إلى ظهور الزقورات، فمنهم من يرى أنها كانت عبارة عن مراصد فلكية استعملت لرصد حركات النجوم ورؤية الهلال، ومنهم من ذهب إلى أن السومريين أقاموا هذه المعابد متأثرين ببيئتهم الأولى والتي اعتادوا فيها على إقامة معابدهم بالجبال.

ولكنه يرجح بأن الرأي الأكثر قبولا هو أن الزقورة بنيت لتشييد معبد فوقها يمثل استراحة إلههم عند هبوطه من السماء إلى الأرض، وهذا المعبد بني تكريما له على الأرض وفق المعتقدات القديمة.

وينوه هذا الأكاديمي إلى أن معمار وادي الرافدين قام ببناء الزقورة على أشكال مختلفة، فمثلا هنالك اختلاف بين المصاطب والزقورات بين شمال العراق وجنوبه، ففي الجنوب تكون عريضة وفي الشمال مربعة، وفي الوسط قاموا بدمج الطرازين مع بعضهما، لافتا إلى أن زقورة برج بابل تعد من عجائب الدنيا السبع، وفيها دلالة على التطور المعماري الهندسي الذي حدث في تلك الحقبة من الزمن.

ومر تطور بناء الزقورات بـ 4 مراحل، يوجزها خورشيد بقوله: بناء المعبد كان على الأرض المنبسطة في طوري العبيد الأول والثاني، ثم أصبح بناء المعبد على دكة بسيطة في طور العبيد الثالث، ليتطور الأمر بالمرحلة الثالثة إلى دكة مؤلفة من طبقتين في العصر الشبيه بالكتابي، و3 طبقات بالعصر السومري الحديث (2112-2004 ق.م).

أما في المرحلة الرابعة فأصبحت الزقورة من 4-7 طبقات، حيث بلغت في أوج تطورها، كما تتميز الطرز المعمارية للزقورة بأنماط متنوعة وهي النمط المستطيل، المربع، المندمج، الهيكل على مصطبة.

أثرها المعماري

ويرى أستاذ حضارة بلاد الرافدين الدكتور قصي منصور أنه لا يمكن مقارنة بناء الزقورات في حضارة وادي الرافدين بالأهرامات في بلاد النيل، وما حصل هو تماثل فكري قد يحدث رغم البعد الجغرافي.

ويوضح أن نفس الغرض والفكرة وجدت لدى المعمار الرافديني، وهي نفس الظروف التي تولدت عند المعمار المصري القديم، وهذا لا يعني أن الغرض انتقل كصفة حضارية بتأثير الأول على الثاني.

ويعتقد منصور أن الجوانب التي من خلالها تأثرت الآثار العمرانية في المنطقة بالزقورات، ترتبط بأغراض وأسس وعقلية معينة وفق معتقد ديني وعلمي بنفس الوقت.

وعن تأثر العمارة الإسلامية بالزقورات، مثل ملوية سامراء ومئذنة جامع أبي دلف وغيرها، يقول منصور (رئيس وحدة الدراسات الفلسفية والحضارة وعلم الأديان بالمعهد العالمي للتجديد العربي) إن الأمر لا يخلو من تأثر لا سيما إذا عرفنا أن الغرض الأساسي لبعض الأبراج والأبنية المرتفعة بالحضارة الاسلامية لرفع الأذان وإيصال الصوت بشكل مرتفع إلى كافة من يسمع، وأيضا فإن المآذن تستخدم لمراقبة هلال الشهر، لذلك يوضع الهلال على قمة المئذنة وغير ذلك من الأبنية التي لها دلالة ورمز ديني بحت.

زقورة أور

وتعد زقورة أور واحدة من أهم الزقورات بحضارة وادي الرافدين، وتنطلق إلى الحضارات العربية ومن ثم العالمية، كون أن المعتقدات الدينية تلعب دورا رئيسا في جميع نواحي حياة سكان بلاد الرافدين القدامى، بحسب أستاذ تاريخ الفن القديم الدكتور محمد العبيدي.

ويضيف العبيدي أن مدينة أور السومرية اكتسبت شهرة واسعة بفضل ما اكتشف بمقبرة أور الملكية التي أثارت دهشة العالم الحديث، لما فيها من آثار وكنوز ذهبية وفضية اكتشفت خلال الأعوام 1922-1934 حيث وجدوا بهذه المقابر ما يناهز 2500 قبر تعود إلى عهد سلالة أور الثالثة، وأمكن تعيين أسماء بعض منها كما تم تشخيص ما لا يقل عن 16 قبرا بكونها القبور الملكية.

ويلفت العبيدي إلى أن زقورة أور من روائع العمائر التي امتازت بها حضارة وادي الرافدين، فهذا البناء الضخم يتطلب مهارة بنائية عالية، ويبدو أن الملك السومري (أورنمو) اختار موقع زقورة أور لقدسية المكان، حيث بنيت على أنقاض زقورة أخرى أقدم منها ربما تعود إلى عصر فجر السلالات، كما كانت قريبة من مصادر المواد الأولية لعمليات البناء.

ويضيف أن الزقورة تتميز بأن زواياها الأربع تتجه نحو الاتجاهات الجغرافية الأربعة، وجدرانها الخارجية مزخرفة، وهما من أهم مميزات المعابد في بلاد وادي الرافدين من خلال البناء المعماري المهم والمهارة العالية، فهم يربطون قطع اللبن والآجر الصغير مع بعضها، ويتشكل صرح حضاري كبير.

زيارة البابا

وبحسب أستاذ تاريخ الفن القديم فإن زقورة أور تتكون من 3 طبقات تتدرج من القاعدة إلى القمة، الأولى هي السفلى الأكبر مساحة ويبلغ طولها 62 مترا وعرضها 43 مترا، وارتفاعها 11 مترا، الوسطى يبلغ طولها 36 مترا وعرضها 26 مترا وارتفاعها 6 أمتار، أما الثالثة التي ضاعت معظم أجزائها بفعل عوامل التعرية المختلفة، فيبلغ طولها 20 مترا وعرضها نحو 11 مترا وارتفاعها 3 أمتار.

وأما نواة الزقورة -بحسب العبيدي- فهي مبنية من اللبن المجفف المغلف بالآجر وسمكه يصل إلى 2.4 متر، كما استخدموا الحصير المصنوع من القصب بين طبقات البناء حتى تزيد المتانة، وفيها نظام مزاريب متطور لتصريف مياه الأمطار، وشيدت زقورة أور بشكل مستطيل. هذا بخلاف بقية الزقورات الموجودة بالعراق، وقد أجريت عملية صيانة وترميم زقورة أور من قبل دائرة الآثار العامة خلال أعوام 1961-1963 وهذه العمليات أعطت جمالية مناسبة للزقورات بداية الأمر، لكن بعد مرور الزمن عاد إليها الضرر مرة أخرى بسبب الإهمال.

ويؤكد أستاذ تاريخ الفن القديم أن زيارة بابا الفاتيكان مطلع مارس/آذار الماضي أعطت "أور" أهمية، ولها وقع كبير مع وجود ما يسمى "بيت نبي الله إبراهيم" في حارة سكنية داخل المدينة.

اخبار ذات الصلة