المختصر المفيد.. في الاخبار الهامة تجده في قناة الفرات نيوز على التلكرام .. للاشتراك اضغط هنا
50 درجة مئوية وربما تزيد، باتت سمة غالبة لصيف العراقيين في السنوات الأخيرة، أقعدتهم في البيوت وجعلتهم بسبات إجباري في ساعات الذروة خشية ضربة الشمس ليكونوا في تحدٍ جديد لم يألفوه سابقاً على الأقل خلال العقود القليلة الماضية نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري في العالم.
ويعد العراق واحداً من البلدان الخمسة الأكثر تأثراً في التغيير المناخي وفق تقارير للأمم المتحدة، ما جعله من بلد السواد يوماً الى متصحر وبشكل مخيف.
ويعزز ذلك رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان فاضل الغراوي، في بيان في 17 حزيران الماضي، وهو يوم عالمي تحتفي به الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والجفاف، ان "مساحة الاراضي المتصحرة في العراق تبلغ نحو 27 مليون دونم أي ما يعادل تقريبا 15% من مساحة البلاد، فيما نحو 55% من مساحة العراق تعد أراضي مهددة بالتصحر، وذي قار أكثر المحافظات تضرراً بنسبة بلغت 53%، أما باقي المحافظات فالنسب فيها تتراوح من 1-14 %".
ويعزو الغراوي ذلك الى "عوامل طبيعية وبشرية تسببت التصحر في العراق، مثل المناخ الجاف والحار، وانخفاض نسبة تساقط الأمطار، والرياح السائدة، والتغير المناخي، والتلوث النفطي".
بل وتعدت هذه الأضرار على العوامل الجغرافية وحدوث نزوح وهجرة قد تغير من ديموغرافية سكان العراق في المستقبل القريب وفي مقدمتها المناطق الريفية والأهوار.
ويشير هنا الغراوي أيضاً في الأول من ايار الماضي الى، ان "التغييرات المناخية ساهمت بنزوح أكثر من 100 ألف شخص خلال ثمان سنوات في العراق بدءاً من عام 2016 أي بمقدار 15% من السكان الذين كانوا يقيمون في هذه الاماكن أي بنسبة 1 الى 10 أشخاص".
ويلفت الى ان "أعلى المحافظات التي شهدت نزوحا مناخيا للسكان هي ميسان والبصرة وذي قار وواسط ومع اشتداد التغييرات البيئية والمناخية فان كافة المؤشرات تؤكد ان نسبة النزوح المناخي في هذه المحافظات سيزداد".
وبعيداً عن ذلك يتناول تقريرنا جانب آخر من التأثيرات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والنشاطات الحياتية وغيرها.
حرارة الأجواء.. انكفاء للمتبضعين ونكسة للمتاجرين
وتشهد الأسواق المحلية في أشهر الصيف الحارقة في العراق، حركة تجارية ضعيفة وتراجع للقوة الشرائية لقلة المتبضعين ما ينعكس سلباً على النشاط التجاري وخسارة جديدة للتجار وتكدس بضائعهم لاسيما الغذائية منها وخاصة ذات الاحتياج اليومي كالخضر والفواكه سريعة التلف.
ويقول الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني للفرات نيوز ان "ارتفاع درجات الحرارة ليس له تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي او اسعار صرف الدولار، لكنه بالتأكيد يؤثر على الحركة التجارية وتبضع المواطنين حيث باتت تقتصر حاجاتهم على المتطلبات الضرورية لمنع درجات الحرارة من حرية تنقلهم أو الخروج بسهولة في الأسواق، وهذا يدفع الى تقنين أوجه الصرف واقتصارها على الضروريات فقط".
ويضيف "من الملاحظ ان أغلبية المواطنين يلجأوون الى التبضع بساعات الليل وهذا الامر لايشكل طلبا كثيرا ويذهب نحو انخفاض الطلب بصورة عامة على الاسواق وهو يقلل من الطلب على الدولار وبالتالي تراجع سعر الصرف وان كان طفيفاً".
ضربة شمس.. قاتلة في دقائق واستنفار صحي
ومع ارتفاع درجات الحرارة في العراق ودول عدة الى 50 مْ، حذر خبراء من مخاطر ضربة الشمس القاتلة، التي يمكن أن تبدأ في التطور بعد 10 دقائق فقط من الجلوس في الهواء الطلق، بحسب ما نشرته "ديلي ميل" البريطانية.
وتسبب الشمس الحارقة بوفاة أكثر من 1300 حاج بينهم عراقيون في موسم الحج المنصرم.
وكررت وزارة الصحة العراقية نصائحها للمواطنين من الأضرار الخطيرة للتعرض المباشر للشمس.
ويقول سيف البدر المتحدث باسم وزارة الصحة للفرات نيوز، ان "من ناحية المبدأ نوصي بعدم التعرض المباشر لأشعة الشمس خصوصا في أوقات الذروة بين الساعة 10 صباحا حتى 4 عصراً، خاصة لكبار السن والأطفال والمشاكل الصحية واصحاب الأمراض المزمنة وداء السكري، حيث يكون حساستهم لارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر".
وأوصى البدر "بشرب كميات كبيرة من المياه وارتداء الملابس المناسبة من ناحية نوع الاقمشة والالوان الفاتحة مع مراعاة ارتداء غطاء الرأس او القبعة والنظارات الشمسية لمن يضطر الى الخروج في هذه الاجواء".
وأضاف "نوصي أيضا في حالة التعرض الى أشعة الشمس الشديدة وحدوث مضاعفات واضطراب في الوعي فيجب الذهاب الى ردهات الطوارئ" مؤكدا ان "جميع ردهات الطوارئ وسيارات الاسعاف تعمل على مدار الساعة".
ولفت الى، ان "الغالبية العظمى للاصابات تتطلب راحة الا ان هنالك حالات مضاعفات تؤدي الى حالات وفاة في حالات نادرة سجلها العراق".
ضغط نفسي وعنف أسري".
ويمكن أن تؤدي الحرارة العالية إلى خسارة المحاصيل الزراعية، وتعطيل البنية التحتية، وتآكل الاقتصادات، واحتجاز الناس في منازلهم وجعلهم غير قادرين على العمل، وهذه كلها عوامل يمكن أن تضع الأسر تحت ضغط شديد وتؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف.
ويقول الباحث الاجتماعي، ولي جليل الخفاجي، للفرات نيوز، ان "ارتفاع درجات الحرارة يؤثر بصورة مباشرة بعمل {الغدة الكظرية} التي تتأثر بالجو فهنالك قضايا اسرية ونفسية تؤثر فيها ارتفاع درجات الحرارة وتنعكس على العمل والتعامل الاجتماعي بصورة عامة".
وبين، ان "الانفعال يسبب مشاكل واحياناً حالة هيستيرية يفقد الانسان ملكته واعصابه ونتائجها قد تكون وخيمة وتصل الى مراحل متطورة كالعنف الجسدي".
ويضيف الخفاجي، "هنالك زيادة بنسب حالات القتل والانتحار في سجون الأحداث في فصل الصيف وبصورة عامة جرائم العنف الأسري تتناسب طرديا مع ارتفاع درجات الحرارة لان الطقس والجو له علاقة مباشرة في الجرائم كما يؤثر على الفعاليات الاجتماعية والرياضية" منوها الى ان "سلوك الفرد خلال فصل الصيف يختلف تماما عنه في فصل الشتاء فيكون الضغط أقل عليه".
الحرارة.. شرارة الحرائق والخسائر مؤلمة
ومن البديهي ان درجات الحرارة القياسية التي تراوحت بين 48.6 و51 درجة مئوية والظروف البيئية القاسية ساهمت في تفاقم مشكلة الحرائق في العراق، مع تعدد الأسباب من التماسات كهربائية إلى أعمال تخريب، أما الأثر الاقتصادي للحرائق كبير، مع خسائر تقدر بملايين الدولارات.
ويقول نؤاس صباح مدير قسم الاعلام في الدفاع المدني، للفرات نيوز "ترتبط نسب اندلاع حوادث الحريق طرديا مع ارتفاع درجات الحرارة، أي كلما زادت درجات الحرارة كلما كانت فرص إندلاع الحرائق اكبر، فمثلا تزداد نسب الحوادث الحريق في العجلات بفعل ازدياد درجات الحرارة وما تؤثر على ارتفاع سخونة المحرك وبقية اجزاء العجلة".
وأضاف "اما في الدور السكنية فازدياد نسب الحرائق نتيجة للحمل الزائد على التسليك والنقاط الكهربائية بتشغيل اجهزة التكييف التي تزيد معدلات استهلاكها للجهد الكهربائي مع ارتفاع درجات الحرارة".
ولفت الى "تأثر الاسلاك الكهربائية الناقلة للطاقة الكهربائية من المولدات الكهربائية الأهلية في المناطق السكنية وغيرها تحت ضغط التاثير الخارجي والتأثير الداخلي، اي نقصد بالخارجي بفعل أشعة الشمس وارتفاع درجات الحرارة اما الداخلي بفعل سخونة السلك الناقل نتيجة الأحمال الكهربائية الزائدة، وهذا يؤدي الى تمدد الاسلاك وتدليها وقلة كفاءاتها بنقل الطاقة الكهربائية وكذلك حصول التماس الكهربائي".
وتابع صباح "كذلك تسجل مديرية الدفاع المدني العديد من حوادث الحريق في المولدات والمحولات الكهربائية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بسبب الأحمال الزائدة، فضلا عن تسجيل الحرائق في المناطق الزراعية والمساحات التي تحتوي على أعشاب متيبسة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة" مشيرا الى، ان "كل تلك الحوادث تسجلها مديرية الدفاع المدني بشكل يومي مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف".
ساعات الدوام.. تقليص هرباً من الخطر
وفي مثال صارخ للتغير المناخي في العراق خلال العقد الأخير - على الأقل- تشرع الحكومة في كل صيف والأشهر الحارة جداً {حزيران وتموز وآب} بتقليص ساعات الدوام الرسمي في وزاراتها ومؤسساته الحكومية كافة لتخفيف الأعباء على المواطنين والموظفين على حد سواء خلال موجات الحر الصيفية القاسية.
وأصدرت الحكومة قبل أيام، توجيهًا جديدًا بخصوص ساعات الدوام الرسمي، حيث منحت المحافظين صلاحية تعديل وقت بداية ونهاية الدوام، بناءً على تغييرات مرتفعات درجات الحرارة.
ووفقًا للتوجيه الجديد، بدأ الدوام الرسمي في جميع المحافظات، الساعة السابعة صباحًا، باستثناء العاصمة بغداد، وينتهي الدوام في الساعة الواحدة ظهرًا، كما خولت الحكومة المحافظين الصلاحية في تعطيل الدوام عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية أو أكثر.
التوجيه أيضًا يشمل تقديم وقت بدء الدوام بمدة ساعة وتقليص عدد ساعات الدوام بساعة واحدة في نهاية اليوم الرسمي، مما يجعل وقت انتهاء الدوام قبل ساعتين من المعتاد.
ودخل ذلك فعلياً اعتبارًا من يوم الأحد الماضي 23 حزيران الجاري، وحتى نهاية يوم الخميس 29 آب 2024، على أن يعود العمل بالتوقيتات السابقة بعد هذا التاريخ.
وفي إلتفاتة أمنية، من استغلال، "ضعاف النفوس" موجات الحر وقلة حركة التجوال في الطرقات والشوارع، شددت الأجهزة الأمنية من مراقبتها للمناطق لاسيما التجارية.
وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، للفرات نيوز"، ان "توجيه الحكومة بتقليص ساعات الدوام الرسمي لا يخص القوات الامنية حيث الاجهزة الامنية والصحية مستمرة بعملها وحسب الخطط الموضوعة".
وبين، ان "الأجهزة الأمنية ترصد وتراقب اي محاولات من ضعاف النفوس لاستغلال ساعات الظهيرة او الفراغات في تنفيذ ممارسات خارجة عن القانون" مبينا ان "ضعف الحركة يعود بالامر الايجابي على القوات الامنية من خلال منحها مساحة ومرونة عالية وكبيرة في تحركاتها الحركة ونقل القطعات العسكرية والمناورة من دون اي ارباك للمواطنين او تأثير عليهم".
قصة تتكرر في كل موسم... الحر خصم آخر في الدوري العراقي
ووصلت منافسات دوري نجوم العراق إلى النهاية وسط منافسة كبيرة بين أندية المقدمة وكذلك أندية القاع، قبل 3 جولات من ختام موسم 2023 -2024، والذي تُلعب أغلب مبارياته عصراً أو ليلاً وفي طقس حار تصل درجة الحرارة أحياناً إلى 45 مئوية، وسط مطالبات جماهيرية ومن الأندية لاتحاد الكرة بتعديل انطلاقة الدوري ومنافساته.
ويقول مصدر باتحاد الكرة، للفرات نيوز، ان "رابطة الدوري الإسباني {لا ليغا} ولجنة المسابقات في اتحاد الكرة العراقي، ستأخذنان بنظر الاعتبار ارتفاع درجات الحرارة حماية للاعبين وضمان حضور جماهيري أكبر" مستدركا بالقول، ان "ذلك يصطدم بعقبة عدم جاهزية الملاعب".
وأضاف "الموسم المقبل سيتم تلافي كل هذه الامور والدوري سوف ينتهي قبل هذه الفترة الحالية التي تقام بها منافسات المسابقة".
عاشوراء والأربعين.. مراسيم التحدي
وستمر زيارة العاشر من محرم الحرام {عاشوراء} ذكرى استشهاد الإمام الحسين {ع} هذا العام وتليها زيارة الأربعين في صفر، في ذروة صيف العراق {تموز وآب}، وسط عزيمة لا تلين من الزائرين الذين شهدوا وعاشوا الزيارة بعد 2003 في ظروف جوية مختلفة.
وتستعد العتبة الحسينية المقدسة في كربلاء المقدسة، مبكراً في كل عام للحدث المليوني بأحسن ما يكون من استعداد.
ويقول علاء ضياء الدين نائب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة، للفرات نيوز "العتبة الحسينية تجري استعدادات كبيرة للزيارات المليونية ومنها الزيارة الأربعينية".
وبين، ان "العتبة الحسينية على استعداد مستمر على مدار العام لتوفير الخدمات والانشاءات والبناء لان محافظة مربلاء دائما تشهد زيارات مليونية حتى في أيام الجمع والاعياد، الا ان الزيارة المركزية الاكبر والاعظم هي زيارة الاربعين".
ولفت ضياء الدين الى ان "التوجيهات تشدد على توفير الماء الذي يعتبر من ابرز القضايا لذلك تم استحداث معامل الثلج ومعامل المياه فضلا عن محطات ماء {الارو} فضلا عن دخول خدمات جديدة للخدمة تتمثل بمراوح الرذاذ التي تخفف من وطأة حرارة الشمس وتساعد في ترطيب الاجواء ولها عامل معنوي للزائر في استشعار الزائر بتوفير الخدمات والاهتمام بها".
وأكد "توفير المفارز الصحية المنتشرة التي تدخل بحالة انذار لفترة الزيارة كما توفر قاعات خاصة بالزائرين الذين يتعرضون الى ضربة الشمس او الوعكات الصحية او اي شي من هذا القبيل".
وتابع "كما ان الكوادر في العتبة تدخل مرحلة الانذار ويكون الدوام لمدة 12 ساعة بدلا من 8 ساعات يوميا كما يستعد مضيف الامام عليه السلام بتوفير وجبات الطعام والخدمات المجانية الى جانب استعداد مدن الزائرين للخدمات والخيم".
يرتبط واقع الأحداث في العراق بشكل كبير بدرجات الحرارة وتراجع الخدمات التي تدفع الناس إلى الضجر ومحاولة التعبير عن غضبهم في الشوارع والأماكن العامة والمؤسسات الحكومية.
وشدد باحثون على ضرورة مراجعة تأثيرات فصل الصيف في الدول الأخرى، وإذا ما كانت تشهد عنفا متصاعدا في أثناء الصيف، وتحدث عن الحاجة إلى مؤسسات لاستطلاع الرأي والإحصاءات، لتقديم أرقام دقيقة في ما يتعلق بالعنف وعلاقته الدقيقة مع التغير المناخي وطبيعة أجواء العراق.