• Friday 22 November 2024
  • 2024/11/22 04:36:18
د. صلاح الخرسان/ ملاحظات على ما جاء في قناة (وتلك الأيام) تحت عنوان رسائل متبادلة بين السيد مهدي الحكيم والرئيس صدام حسين... أين ومتى؟

مما لا شكّ فيه أن كتابة التاريخ أو رواية التاريخ أمانة ومسؤولية ملقاة على عاتق من يتحمّلها، وقد حفل تاريخنا العربي والإسلامي بمن دسّ وزوّر أحداثه ووقائعه، حتى إنّ يد التحريف والوضع قد امتدّت إلى الحديث النبوي الشريف لذلك قام علم الجرح والتعديل ليوثق رجاله ويثبت الصحيح من رواياتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولولا العناية الإلهية لوصلت اليد المحرّفة إلى كتاب الله المجيد لكن المولى جلَّت قدرته تكفّل بحفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *}، ولم يقتصر تحريف وتزوير التاريخ على عصر دون آخر وإنّما امتدّ على مرّ العصور حتّى وصل إلى زماننا هذا ونحن في القرن الحادي والعشرين الميلادي وهو زمن تكنولوجيا الاتصالات الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي والانتقال السريع للمعلومة ولعلَّ عدم اطّلاع الأغلبية من جيل الشباب وقطاعات واسعة من الرأي العام على خفايا الأحداث وخاصة السياسية منها سواء القريبة أو تلك التي حدثت في القرن الماضي وحتى اليوم (هذا بالنسبة إلى التاريخ الحديث) كان عاملاً مشجعاً للبعض في التلاعب بالحدث التاريخي وتسخيره لأجندات معيّنة خلافاً للحق والحقيقة... وقد يكون سوء النيّة غير موجود عند البعض الآخر لكن عدم بذل الوسع والتسرع وعدم الإحاطة ربّما يشكّل سبباً في عرض وقائع التاريخ بشكل خاطئ أو مبتور ناهيك عن الجهل الذي يلازم بعض مدّعي العلم وأحياناً يكون جهلاً مركّباً فإنّه أحد الأسباب في تقديم صورة مشوّهة عن الواقع التاريخي لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يُقال... وبغضّ النظر عن الدوافع والأسباب فإنّ الخطأ مهما كان ولو كان غير مقصود في تدوين التاريخ وروايته يحاسب عليه صاحبه لأنّه كما أسلفنا مسؤولية وقد تترتّب عليه تبعات اجتماعية ودينية وقانونية أما المتعمّد فله حساب آخر قد يصل إلى مستوى (الفضيحة الأدبية) فيما لو انكشف زيفه لا سيّما ونحن في زمن التحقيقات العلمية المكثّفة ووفرة المعلومات المتداولة...

ولابدّ من الإشارة إلى أنّ كلّ ما تناولناه لا يعني بالضرورة بحثاً بعينه إنّما هو ينطبق على كلّ بحث تاريخي بشكل عام.

وفيما يخصّ ما أورده الدكتور حميد عبد الله في مقدمته عن السيد مهدي فإنّ هناك معلومات سنوردها لتصحيح ما جاء في حديثه:

1 ـ ذكر الدكتور حميد أنّ السيد مهدي هو الأخ غير الشقيق للسيد محمد باقر الحكيم والسيد عبد العزيز الحكيم والحقيقة أنّ السيد مهدي هو الأخ الشقيق للسيدين محمد باقر وعبد العزيز من الزوجة الثانية للإمام السيد محسن الحكيم وهي من آل بزّي من جنوب لبنان وترتيب السيد مهدي هو الأوّل بين أشقائه والسيد محمد باقر هو الثالث والسيد عبد العزيز الثامن والأخير. أما أبناء المرجع الحكيم من زوجته الأولى وهي من آل الحكيم فهما نجله الأكبر آية الله السيد يوسف الحكيم والثاني آية الله السيد محمد رضا الحكيم.

2 ـ إنّ إقامة الإمام الحكيم إثر وصوله إلى بغداد قادماً من الكوفة في 30/5/1969 كان في دار الحاج عباس الفيلي وهو من شخصيات الفيلية في بغداد وتقع في شارع الأكراد في الكاظمية قرب ساحة عبد المحسن الكاظمي وليس في العطيفية.

3 ـ لم تكن علاقة السيد مهدي الحكيم منحصرة بالشخصيات الإسلامية السنيّة وإنّما كانت له علاقات سابقة مع الأحزاب والحركات الإسلامية السنيّة وفي وقت مبكر من حياته وذلك من خلال وجوده في قيادة حزب الدعوة الإسلامية وكان ذلك قبل قيام ثورة 14 تموز 1958 فكانت هناك علاقات واتصالات مع حزب التحرير الإسلامي وحركة الإخوان المسلمين في العراق وكانت تلك الاتصالات تتمّ عن طريق العلاّمة السيد مرتضى العسكري والسيد طالب الرفاعي، وبعد استقراره في بغداد ممثلاً للمرجعية وإماماً لجامع التميمي في الكرّادة الشرقية في تشرين الثاني 1963 اتسعت علاقاته مع الشخصيات والقوى السنيّة وكانت باطّلاع ومعرفة والده المرجع الأعلى وبعضها بتوجيه مباشر منه والذي سبق له وأن استقبل وفداً من الحزب الإسلامي بعد رفض وزارة الداخلية منحه إجازة رسمية للعمل إثر صدور قانون الجمعيات في شباط 1960 يقول السيد مهدي حول هذه النقطة بالذات (العلاقة مع القوى السنيّة) بأنّ والده [كان يؤيّد الحركات الإسلامية غير الشيعية، ليس نتيجة ظروف العراق وكمناورة سياسية كما يخطر في ذهن البعض لأجل سحبه البساط أو لكي يقول أنا ليس بطائفي... كلاّ.. ليس هذا الغرض، بل من ناحية شرعية لابدّ أن يكون هذا الأمر هو التأييد، لا يوجد إشكال شرعي ولا أظنّ أنّ هناك مجتهداً يقول لو دارت معركة بين قوى كفر وقوى مسلمين غير شيعية يجوز لنا أن نسكت... كلاّ.] .

 

زيارة المرجع السيد الحكيم إلى بغداد

واتهام السيد مهدي

ـ تطرّق الدكتور حميد عبد الله إلى مجيء الإمام الحكيم إلى بغداد لكنه مرّ عليه مرور الكرام في حين أنّه يمثّل جوهر القضيّة والسبب وراء اتهام السيد مهدي من قبل نظام البعث، فالمرجع الحكيم قرّر التوجّه إلى العاصمة بغداد بعد أن بلغ إرهاب النظام أوجه وعمّ الخوف الناس بشكل لم يسبق له مثيل إثر المحاكمات العرفية التي كان يجريها النظام من خلال ما أطلق عليه اسم محكمة الثورة برئاسة العقيد علي هادي وتوت والتي كانت تنقل وقائعها بتقصّد من على شاشة تلفزيون بغداد وكانت التهمة الجاهزة هي التجسس يعقبها صدور الأحكام وغالباً ما تكون (الإعدام) ويتمّ التنفيذ وتعليق الجثث في ساحة التحرير في بغداد وفي ساحة أم البِروم في البصرة وتمّ الزجّ بشخصيات سياسية واجتماعية معروفة في وجبات الإعدام بتلك التهمة الشائنة مثل المحسن الكبير الحاج عبد الحسين جيته وهو من كبار تجار البصرة ومعروف بشدّة التديّن والمحامي عبد الهادي البجاري العضو السابق في مجلس النواب في العهد المَلكي ولم يسلم من تلك التهمة حتى رفاقهم مثل المهندس فؤاد الركابي أول وزير للإعمار في العهد الجمهوري وأول أمين قطري لحزب البعث الذي اتهم [بإقامة علاقة عن حسن نيّة مع جاسوس أمريكي وحكم بالسجن لخمس سنوات، ولكنهم قتلوه طعناً بالسكاكين قبل انتهاء فترة الحبس] .. والقائمة تطول... أما خلف الشاشة فكان المشهد يتجسّد في قصر النهاية (قصر الرحاب سابقاً) والذي أصبح معتقلاً خاصاً بإشراف مكتب العلاقات العامة التابع لمجلس قيادة الثورة المنحلّ ويتشكّل من هيئتين تحقيقيتين الأولى برئاسة سعدون شاكر والثانية برئاسة ناظم كزار (قبل أن يتولى منصب مدير الأمن العام) ويمثل باستيل قصر النهاية ذروة الإرهاب البعثي فالداخل فيه مفقود والخارج منه مولود... وقد أودع في أتونه خيرة شخصيات العراق السياسية والأكاديميّة والدينية عدا عن قادة وكوادر الأحزاب والتنظيمات السياسية ومن مختلف الاتجاهات مدنيين وعسكريين ويكفي أن نذكر عيّنات من بين هؤلاء كالدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء الأسبق والفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء الأسبق واللواء عبد العزيز العقيلي وزير الدفاع الأسبق وغيرهم الكثير... وبعد فشل محاولة ناظم كزار الانقلابية آخر حزيران وأوائل تموز 1973 والذي حمّل مسؤولية كلّ الجرائم التي ارتكبت في قصر النهاية وفي دوائر الأمن العامة مع أنّها كانت بإشراف وبعلم أحمد حسن البكر وصدام حسين التكريتي نشرت صحف النظام تحقيقات عن المحاولة ذكرت فيها أنّ ضحايا ناظم كزار في قصر النهاية وحده بلغ (2009) أشخاص أما الذين قدّر لهم أن يخرجوا من ذاك المسلخ البشري فكانوا عبارة عن حطام وقد توفي معظمهم بعد فترة قصيرة من إطلاق سراحهم، كلّ ذلك كان معروفاً ومشاعاً بين المواطنين وهو ما كان يتقصّد حكّام البعث إشاعته لإحكام قبضتهم على المجتمع بالتخويف والترهيب... وفي أجواء كهذه قرّر الإمام الحكيم انطلاقاً من مسؤوليته الشرعية التصدّي للحكام الجدد ولمخططاتهم التي ألحقت كما ثبت لاحقاً وعلى مدى (35) عاماً من حكمهم الأسود أفدح الأضرار والخسائر بالعراق وشعبه وبدول الجوار وبالأمّة العربية والإسلامية خدمةً لمصالح الغرب وللمشروع الصهيوني في المنطقة... فاستدعى نجله السيد مهدي وطلب منه عقد اجتماع علني لعلماء بغداد في حسينية التميمي في الكرّادة الشرقية، فعقد الاجتماع الذي حضره (70) عالماً وتمّ انتخاب (10) منهم توجّهوا للقاء المرجع الأعلى في داره في الكوفة لتلقّي التوجيهات منه وجرى استعراض الأوضاع من جوانبها المختلفة وتقرّر في ختام اللقاء أن يتوجّه المرجع السيد الحكيم إلى بغداد لإعلان الاحتجاج ضد السلطة، ومن بين ما قاله المرجع الحكيم وهو يهمّ بمغادرة الكوفة إلى بغداد [أشعر أن سفري إلى بغداد كسفر الإمام الحسين (ع) إلى كربلاء، ومن هنا فإنّي أشعر بمسؤولية شرعية لابدّ أن أتحمّلها في هذا الموضوع] .

وبعد وصوله إلى بغداد في 30/5/1969 استُقبل الإمام الحكيم استقبالاً جماهيرياً منقطع النظير رغم أنّ الزيارة كانت مفاجئة ولم يعلن عنها في وقت سابق وبدأت الوفود الشعبيّة تتقاطر على مقرّ إقامته في دار الحاج عباس الفيلي وكان من بين من زاره أيضاً وفود ضمّت شخصيات حكومية لم يكن من بينها صدام حسين وهو ما سنأتي عليه... وإنّما زاره وفد ضمّ خير الله طلفاح محافظ بغداد واللواء حامد العاني مدير الأمن العام وقد طرح الإمام الحكيم معهم موضوع المعتقلين والتهم التي وجّهت لهم ومن بين ما قاله في هذا الصدد [أنتم على أي أساس تتهمون الناس وبكل سهولة بأنّ هذا جاسوس وذاك كذا، ثم إنّ هذا العمل شيء غير جيّد وهو هتك لسمعتنا نحن كعراقيين، فالعالم يرى أنّه نحن شخصياتنا وأساتذتنا وأطبائنا كلنا جواسيس، إذن فكيف يكون حال الإنسان العادي] . وأثار الإمام الحكيم كذلك في اللقاء موضوع العلاّمة السيد حسن الشيرازي الذي تمّ اعتقاله واقتيد إلى قصر النهاية حيث تعرّض إلى تعذيب شديد وذلك انتقاماً منه لمواقفه من حزب البعث منذ مجيئه إلى الحكم أوّل مرّة عام 1963 وكان يتّهم البعثيين علناً بأنّهم صنائع لبريطانيا وله قصيدة مشهورة في الاحتفال السنوي الذي كان يقام في كربلاء بمناسبة ميلاد الإمام علي (ع) جاء فيها:

دستورنا القرآن نهتف باسمه

وشعارنا في العالم الإسلام

وزعيمنا الكرّار لا ميشيل

لا ماركس لا القسيس لا الحاخام

وله قصيدة أخرى يهجو فيها عفلق يقول فيها:

أوليس قد سماه يعرب عفلقاً

ولديه أحقاد الصليب دماء

أباه جاء لسوريا مستعمراً

والأمّ باريسية عجماء

عند ذاك [علق خير الله طلفاح على موضوع سيد حسن فقال: إنّ المتهم ليس فقط سيد حسن، والواقع أنّ هناك شخصين متهمين، أحدهما اعتقل والآخر ترك لاعتبارات..] وعند خروج طلفاح والعاني قال السيد مهدي للإمام الحكيم: [إنّ الآخر الذي تُرك لاعتبارات هو أنا. فقال السيد: وأنا أتصوّر كذلك.] .

أمّا أهمّ وأخطر اللقاءات التي جرت مع مسؤول حكومي فكانت مع الفريق حماد شهاب رئيس أركان الجيش والذي صادفت زيارته للإمام الحكيم مع ذكرى المولد النبوي الشريف وكان هناك عرف في الدولة العراقية في مختلف العهود يتمثّل بإقامة احتفال رسمي بالمناسبة ينقل من الإذاعة والتلفزيون إلاّ أنّ تلك المناسبة مرّت مرور الكرام في تلك السنة من دون أي اهتمام من السلطة سوى مقال لمؤسس البعث ميشيل عفلق نشر في صحيفة الثورة بعنوان (ميلاد الرسول العربي) فتوجّه الإمام الحكيم إلى الفريق حماد شهاب قائلاً: [إنّ هذا غير ممكن ولا يُطاق مثل هذا الوضع، ففي بلد إسلامي، وفي مولد الرسول (ص) تمرّ هذه المناسبة ولا يوجد أي مظهر من مظاهر الاحتفال، إلاّ ميشيل عفلق المسيحي يقيّم رسول الله ويتكلّم عنه...] . والخطير في اللقاء هو تعقيب الفريق حماد على كلام الإمام الحكيم حينما بدأ [يتحدّث عن البعثيين وقال لسماحة السيد: إنّ هؤلاء مجرمين كفرة... ملحدين لا يؤمنون بالله ورسوله، وهم مجموعة أطفال، ونحن الآن نعمل على إفساح المجال لهم لكي يجتمعوا ونتعرّف عليهم، ثمّ نجهز عليهم مرّة واحدة ونقضي عليهم جميعاً...] .

وقد لقي حماد شهاب حتفه بعد حين على يد الرفاق في محاولة ناظم كزار الانقلابية عام 1973.

وفي تلك الأجواء التي خيّم عليها الترقّب والحذر تقرّر القيام بالتحرّك الحاسم الذي جاء المرجع الحكيم من أجله إلى بغداد وهو كما يبيّنه السيد مرتضى العسكري وكيله في بغداد بالقول: [أن نستقدم مواكب تزور السيد الحكيم (قدس) ثم يتحدّث من كل موكب متحدّث ويصرّح بما تتحمّله الأمّة وما يعمله البعث ثمّ نتدرّج ويُصعّد العمل على أن يتلو ذلك كتابة مطاليب الأمة ومؤاخذاتها على البعث من قبل علماء بغداد ويوقّع بالنيابة عنهم السيد محمد مهدي الحكيم ويقدّمها للحكومة.] . وقبل تسيير المواكب قدم السيد مهدي المذكرة إلى القصر الجمهوري فكان ردّ فعل النظام سريعاً بعد تقديم المذكّرة وبعد أن وصلته معلومات عن التحرّك المزمع القيام به فأرسل يوم 6/6/1969 الدكتور عبد الحسين ودّاي العطية وزير الزراعة وهو يحمل رسالة تحذير من أحمد حسن البكر إلى المرجع الأعلى السيد الحكيم وكان ذلك بحضور نجله السيد مهدي وفي عصر اليوم التالي 7/6/1969 قامت مفرزة من الأمن العام بدخول مقرّ إقامة الإمام الحكيم وسألوا عن السيد مهدي وكان غير موجود في الدار وعند خروجهم أبلغ بذلك وكان في مكان آخر فتوارى عن الأنظار وبعد بضع ساعات وفي مساء نفس اليوم ظهر العميد مدحت الحاج سري أمين العاصمة وأخ العقيد رفعت الحاج سري مؤسس حركة الضباط الأحرار ومدير الاستخبارات العسكرية في عهد عبد الكريم قاسم على شاشة التلفزيون ليدلي باعترافات تفيد بعلاقته بالمخابرات المركزية الأمريكية وأنّ السيد مهدي الحكيم شارك بعدة اجتماعات للتآمر على نظام الحكم بدعم وإسناد من المخابرات الأمريكية وقد نشرت الصحف في بيروت أخباراً عن ما يجري في العراق استناداً إلى ما نقلته وكالة الأسوشيتد برس التي جاء فيها:

السلطات تطارد نجل الإمام الأكبر لطائفة الشيعة أ ش أ: 11/6

بغداد في 11/6 ـ خصصت الجهات العراقية المختصة مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال مهدي نجل السيد محسن الحكيم الإمام الأكبر لطائفة الشيعة في العراق.

وكان قد ورد اسم مهدي السيد محسن الحكيم خلال مقابلة تلفزيونية مساء السبت الماضي أُذيعت فيها اعترافات مدحت الحاج سري المتهم بالتعامل مع المخابرات المركزية الأمريكية والتي ذكر فيها أنّ الحكيم كان يحضر بعض الاجتماعات التي كانت تتمّ بأوامر من المخابرات المركزية.

وظهر كذلك اللواء رشيد مصلح الحاكم العسكري العام السابق ووزير الداخلية الأسبق ليدلي باعترافات مماثلة عن علاقته بالمخابرات الأمريكية وقد أعدم مصلح وسري في وقت لاحق بتهمة التجسس.

وفي منتصف ليلة 7 ـ 8/6/1969 اقتحمت قوّة كبيرة من الأمن والشرطة مقرّ إقامة الإمام الحكيم بعد تطويق المنطقة وجرى تفتيش الدار بما فيها غرفة منام الإمام الحكيم بذريعة البحث عن السيد مهدي إمعاناً في التنكيل والإهانة لينتقل بعدها الإمام الحكيم في اليوم التالي بسيارته مخفوراً إلى داره في الكوفة التي قطع عنها الماء والكهرباء والتلفون وفرضت عليها حراسة مشددة من قوى الأمن.

بعد ذلك أعلنت السلطة عبر وسائل الإعلام عن تخصيص مكافأة نقدية قدرها (5) آلاف دينار عراقي لمن يدلي بمعلومات عن مكان اختفاء السيد مهدي وصدر قرار من مجلس قيادة الثورة المنحلّ في 23/6/1969 بحجز أمواله.

وكانت صحف بيروت قد نقلت قرار سلطة البعث بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة للسيد مهدي الحكيم:

قرار بحجز أموال نجل محسن الحكيم

«النهار» لبنان 24/6 ـ 10274

بغداد ـ 23 حزيران ـ أ ش أ ـ قرّر مجلس قيادة الثورة في العراق حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة إلى السيد مهدي الحكيم نجل المرجع الأعلى للطائفة الشيعية السيد محسن الحكيم.

وكان السيد مهدي قد انتقل سراً إلى دار القاضي السيد ضياء الدين بحر العلوم عضو محكمة التمييز الجعفري في حي العدل، وبعد مضي شهر انتقل إلى مدينة النجف الأشرف ومنها عبر الصحراء عن طريق عرعر ـ شبّجة بواسطة أحد المهرّبين الذي رفض تقاضي أي مبلغ لقاء عمله بعد أن عرف شخصية السيد مهدي... وفي الأراضي السعودية عرّف نفسه لسلطات الحدود التي أرسلت برقية إلى الجهات المسؤولة في الرياض فكان الردّ هو السماح له بالدخول وكان للمعرفة السابقة التي نشأت بينه وبين الملك فيصل في حينها أثرها في حسن استقباله والترحيب به حيث عرضت عليه السلطات السعودية الإقامة في المملكة لكنه اعتذر شاكراً.

وبعد عدة أيام غادر السعودية جوّاً إلى العاصمة الأردنية عمّان بجواز سفره العراقي ليلتقي بخاله علي حسن بزّي سفير لبنان في الأردن وكان السيد مهدي على علاقة مسبقة مع الملك حسين نتيجة زياراته السابقة لعمّان لحضور المؤتمرات الإسلامية التي كانت تُقام حول القضية الفلسطينية وقد لقي كلّ الترحاب من قبل السلطات الأردنية وخلال وجوده في الأردن عرض عليه السفير المغربي دعوة خاصة من ملك المغرب الحسن الثاني للإقامة الدائمة في المغرب لكنه اعتذر شاكراً وغادر الأردن.

ومنذ افتراقه عنه لم يعلم الإمام الحكيم عن حال ولده السيد مهدي شيئاً. يقول السيد محمد باقر الحكيم: [كنا نظن في البداية بأن الإمام الحكيم على علم بخبر ولده، حيث كان حفظه الله وأنجاه من بين أيديهم بأعجوبة وعناية ربّانية خاصة، حتى تهيّأت للشهيد محمد مهدي فرصة للخروج من العراق، فأُخبر الإمام الحكيم بذلك طلباً للدعاء له بالنجاة، وعندئذٍ تبيّن لنا أنّ الإمام الحكيم لم يكن يعلم عن مصير ولده الحبيب شيئاً، ومع ذلك كان قد احتسب الأمر عند الله تعالى، وسكت على البلاء احتساباً] .

وأثناء مرض الإمام الحكيم وسفره إلى لندن يوم 2/3/1970 توجّه السيد مهدي من الباكستان إلى لندن لرؤية والده الذي أدخل إلى مستشفى (سانت بل) وفي أحد الليالي سأله: [بويه الآن أنت رأيت ما جرى يعني نتائج تحرّكك رأيتها أنت بنفسك هل تشعر أنّك أخطأت في تحرّكك هذا أم لا] وكان السيد مهدي قد سأل والده هذا السؤال بعد أن أخبره الأطباء أنّ حياته لن تستمرّ لأكثر من شهرين فكان جوابه: [(صحيح أنّي لم أنتصر عليهم سياسياً بمعنى أنّه أنا أستلم الحكم ولكنّه أنا أعلم أنّ الشعب العراقي يحبّني وهذه مظلومية شعر بها الشعب العراقي، وهذه على الأقلّ عشر سنوات الشعب العراقي سوف لا ينسى موقف البعثيين منّي وعشر سنوات هذا الشعور بالمظلومية سيكون حاجزاً بين الشعب وبين القبول بحزب البعث كفكر) وقال: أنا لا أستطيع أن أعمّر عشر سنوات، على الأقلّ أستطيع الوقوف عشر سنوات كحاجز، ثمّ ضرب مثل بالإمام الحسين (ع) قال: إنّ الإمام الحسين (ع) لم ينتصر عسكرياً في يوم العاشر ولكنه استطاع أن يُظهر ظلم الحاكمين ويفصل الناس عن الحكم، ونجاح ثورة الحسين (ع) يرجع لهذا الموضوع (وأنا أعتبر عملي صحيح)] .

وبعد أقلّ من شهر على ذلك اللقاء توفي الإمام الحكيم في بغداد يوم 1/5/1970 وشيّع جثمانه من الكاظمية مروراً بـ الأعظمية فشارع الرشيد ليعبر بعدها إلى الكرخ وعند وصوله إلى ساحة جمال عبد الناصر في الصالحية قرب دار الإذاعة العراقية التحق أحمد حسن البكر رئيس النظام يرافقه الوزير الدكتور أحمد عبد الستار الجواري ومسؤولون كبار في الدولة بموكب التشييع الذي بلغ اوجه فتعالت أصوالت الجماهير (سيد مهدي مو جاسوس اسمع يالريّس، سيد مهدي مو جاسوس اسمع يالخاين) فاضطرّ البكر ومن معه إلى الانسحاب وترك التشييع وتكرّر ترديد تلك الشعارات خلال التشييع في النجف الأشرف وخاصة بعد وصول الجثمان إلى الصحن الشريف.

 

الحقيقة في محاولة عبد الغني الراوي الانقلابية

يقول الدكتور حميد عبد الله في روايته التي انفرد بها [بأنّ توقيت وصول الإمام الحكيم إلى بغداد كان متزامناً مع إمساك البكر بخيوط المحاولة الانقلابية التي كان يديرها العميد عبد الغني الراوي والمصدر الذي كشف المحاولة للبكر هو مكرم الطالباني القيادي في الحزب الشيوعي الذي استدعي مع أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي إلى السفارة السوفيتية في بغداد وتمَّ تسليمهما المخطط الكامل للمحاولة الانقلابية وأبلغاهما بأن يعطوا المخطط للرئيس البكر وبحسب عزيز محمد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في حينها بأن ذلك محاولة لترطيب العلاقة مع حزب البعث ورسالة له مفادها بأنّ الشيوعيين حريصون على بقاء النظام السياسي في العراق ويتعاملون بثقة ومصداقية وحسن نيّة مع البعثيين...].

ويقول حميد عبد الله أيضاً كان المخطط موجود وكانت الاعترافات عند أجهزة الأمن كاملة حول الشخصيات المشتركة في هذه المحاولة الانقلابية...

سنناقش المعلومات التي حاول الدكتور حميد عبد الله تمريرها في روايته الواحدة تلو الأخرى ولندع الأرقام والتواريخ تتكلّم:

ـ إنّ وصول الإمام الحكيم إلى بغداد كان في 30/5/1969 وظهور العميد مدحت الحاج سرّي يوم 7/6/1969 في حين يذكر العميد الراوي في مذكراته التي نشرت في صحيفة الحياة اللندنية في 7/7/2003 في العدد (14714) والعدد الذي يليه في 8/7/2003 والذي يليه في 9/7/2003 والتي يستشهد بها الدكتور حميد عبد الله ولكنه لم يكلّف نفسه بقراءتها حتى يكون حديثه منسجماً مع بعضه أنّه غادر بغداد بمساعدة السفارة الإيرانية يوم 2/6/1969 ووصل طهران يوم 12/6/1969 أي أنّ الراوي كان في بغداد عند وصول الإمام الحكيم إليها. فعن أية محاولة إنقلابية يتحدّث عنها حميد عبد الله وهي لم تولد بعد ولو بالفكرة لأنّ كل ما يتعلق بها من المبتدأ إلى المنتهى قد جرى في العاصمة الإيرانية طهران بعد وصول الراوي إليها في وقت لاحق...

ـ يتحدّث العميد عبد الغني الراوي في مذكراته أو مقابلاته مع صحيفة الحياة عن بدايات المحاولة الانقلابية فيقول بأنّه وصل طهران يوم 12/6/1969 وكان أوّل اجتماع يعقده مع مسؤولين من جهاز السافاك هما اللواء معتضد والعميد فرازيان في يوم 13/6/1969 وفي ذلك الاجتماع بدأت أولى خيوط المحاولة الانقلابية تنسج وكانت هناك أسئلة من الجانب الإيراني وأفكار طُرحت للمناقشة وفي اليوم التالي 14/6/1969 عقد اجتماع موسع ضمّ العميد الراوي والجنرال نعمة الله نصيري رئيس جهاز السافاك وعدداً من كبار ضباط الجهاز وتقرّر فيه توسيع الاتصالات بشأن المحاولة وبناء أركانها من القوى والشخصيات المعارضة للنظام في بغداد وإلى ذلك يشير نائب رئيس جهاز البارستن (استخبارات الثورة الكردية) والمسؤول التنفيذي الأول فيه شكيب عقراوي بالقول: [وفي شهر أغسطس 1969 أرسل محمد رضا بهلوي شاه إيران دعوة للبارزاني لزيارة طهران وقد اصطحبه الدكتور محمود عثمان واشتركوا في المداولات والاجتماعات التي اشترك فيها المسؤولون الإيرانيون مع كل من عبد الغني الراوي وعبد الرزاق النايف، وقد جرى وضع خطة للانقلاب العسكري في هذه الاجتماعات وكتب عبد الرزاق النايف تفاصيل الخطة على الورق وجرى طبعها باللغة العربية] . وحتى في ذلك الاجتماع التأسيسي المعقود في شهر آب 1969 لم يكن السيد مهدي حاضراً لأنه وبكل بساطة كان لا يزال في الأراضي السعودية وهو ما تدلّ عليه موافقة أمير الحدود على سفره والمؤرّخة بتاريخ 28/5/1389 هجرية ويقابلها بالميلادي 18/آب/1969 وهناك صورة طبق الأصل من الموافقة مختومة على جواز السيد مهدي الحكيم ومن السعودية غادر جوّاً إلى الأردن ثم انتقل إلى الكويت ومنها إلى إيران وبشأن التحاق السيد مهدي بالحركة الانقلابية يقول عبد الغني الراوي: [وتدور الأيام ويعود سعد صالح جبر من أميركا ويحضر السيد مهدي الحكيم والسيد حسين الصدر ويلتحق سعد صالح جبر للسكن معهما.] والسيد حسين الصدر هو نجل السيد محمد الصدر رئيس الوزراء الأسبق... فأيّ مخطط كامل للمحاولة الانقلابية أصبح بيد البكر منذ الشهر الخامس من عام 1969 والسيد مهدي مشارك فيه والذي لم يكن دوره كما يذكر الراوي في كل مقابلاته تأسيسياً أو أساسياً في المحاولة لأنّ الريادة والقيادة كانت بيد الراوي والنايف قبل أن ينسحب الأخير منها ويعود إلى لندن أواخر عام 1969 .

وأنّ مشاركة السيد مهدي في المحاولة كان الهدف الرئيسي منها تخليص الشعب العراقي من حكم حزب البعث قبل أي هدف آخر.

ـ يقول حميد عبد الله أنّ السوفييت واستخباراتهم الـ (K.g.B) هي من كشف المحاولة وأنّ سفارتهم في بغداد أبلغت قيادة النظام عن طريق الحزب الشيوعي العراقي، وقد فاته أنّ عبد الغني الراوي قائد المحاولة ورأسها المدبّر قد كشف في مقابلاته مع صحيفة الحياة التي مرّ ذكرها الكثير من الملابسات التي اكتنفت العملية وكيف أنّ السافاك الإيراني فرض عليهم وألزمهم باعتماد العميد الركن محمد علي سعيد مدير الحركات العسكرية في وزارة الدفاع وسكرتير المكتب العسكري القطري لحزب البعث الحاكم وأحد المحيطين والمقرّبين من أحمد حسن البكر، كأداة رئيسية لتنفيذ الانقلاب في بغداد وإسقاط نظام الحكم.

[وقد سافر العميد الركن محمد علي سعيد إلى لندن واستلم مائة ألف دولار من حصته من المبالغ المخصصة للحركة الانقلابية وكافأه ـ صدام حسين ـ بعد ذلك بتعيينه قائداً للفرقة الثانية.] .

وبمعنى أدقّ أنّ المحاولة داخل العراق كانت تُدار من القصر الجمهوري في بغداد ومن الدوائر الحسّاسة في القيادة القطرية للبعث الحاكم، وكانت هناك شخصيات عسكرية أخرى تابعة للنظام ضالعة أيضاً في المحاولة وتعمل كخطّ مائل داخلها منها الفريق نافع سليمان مدير الشرطة العام وضابط آخر هو أحد معاوني رئيس أركان الجيش الذي عيّن فيما بعد سفيراً في وزارة الخارجية وضبّاط آخرون ذكر النظام لاحقاً اسم أحدهم وهو المقدّم فاضل الناهي وقيل أنّ النقيب فاضل البراك الذي تولى لاحقاً منصب مدير الأمن العام كان أيضاً من المندسّين في المحاولة والأهم والأخطر وجود ضباط آخرين لم تذكر أسماؤهم ومنهم الرائد أحمد عبد الله مسؤول شبكة المخابرات البريطانية في معسكر الوشاش قد أسدل الستار على دورهم في كشف المحاولة لأسباب تتعلّق بصراع المخابرات الدولية على العراق.. وفي ضوء ذلك المشهد ما حاجة النظام ورئيسه البكر إلى معلومات الاستخبارات السوفيتية أو غيرها للدلالة على محاولة الراوي الانقلابية إذا كان التنفيذ موكلاً إلى أركان النظام وبعلم منه... نعم أنّ السوفييت أوصلوا المعلومة عن المحاولة إلى النظام عن طريق مكرم الطالباني ورفيقه الآخر ولكن في وقت لاحق وليس بالتوقيت الذي ذكره الدكتور حميد عبد الله وذلك حتى تكون لهم دالة على النظام مع أنهم لم يكونوا يوماً ما من حماته ولا حلفاء حقيقيين له...

ومن المفارقات الجديرة بالملاحظة أنّ السوفييت تعمّدوا على ما يبدو في أن يكون إيصال المعلومة إلى النظام عن طريق الحزب الشيوعي العراقي وليس عن طريق السفير أو الملحق العسكري أو أي دبلوماسي آخر في وقت لم تجفّ فيه دماء رفاقهم عام 1963 كما يقول الشيوعيون أنفسهم، فإذا استثنينا الضربات المتلاحقة التي وجهها البعث في تلك الفترة من عام 1969 إلى الحزب الشيوعي العراقي ـ القيادة المركزية وهو أمرٌ قد لا يهمّ السوفييت لأنّ ذلك التنظيم المنشقّ يمثّل الخط الصيني المعادي لهم، فإنّ ما تعرّض له رفاق اللجنة المركزية حليف السوفييت وامتدادهم في العراق على يد البعث من تصفية وتنكيل ليس قليلاً ولا يدلّ على حسن نيّة ولا عن وجود ثقة أو مصداقية بين الحزبين وللاطلاع على صورة أو مقطع من ممارسات سلطة البعث حيال الحزب الشيوعي العراقي ومن وثائقه المعتمدة والتي تقول: [بادرت السلطة إلى شنّ حملات واسعة في (1969 و1970 و1971) ضد الحزب الشيوعي العراقي، كبّدت الحزب خسائر فادحة، واستشهد العديد من رفاق وكوادر الحزب وفي مقدمتهم الرفاق ستّار خضير وعلي البرزنجي وشاكر محمود أعضاء اللجنة المركزية ومحمد الخضري وعزيز حميد وكاظم الجاسم وعبد الأمير سعيد ومحمد الدجيلي وجواد عطية، وتمّت تصفية العديد من المنظمات الحزبية] .

ـ يتحدّث الدكتور حميد عثمان عن وجود (اعترافات) لدى أجهزة الأمن كاملة حول الشخصيات المشتركة في هذه المحاولة الانقلابية ونقول له هل كان هناك معتقلون في الشهر الخامس أو السادس من عام 1969 من المشاركين في محاولة الراوي الانقلابية حتى تكون هناك اعترافات، وهو يعلم وكل الناس تعلم أنّ الاعتقالات تمّت عشيّة إعلان النظام كشف المحاولة في 20/1/1970 وإعدام المتهمين فيها في قصر النهاية فانظر رعاك الله...

 

الصفقة المزعومة

يقول الدكتور حميد عبد الله في حديثه الموصوف بالتاريخي بالنصّ:

[بالعطيفية جاء صدام حسين عندما كان نائب وزار السيد محسن الحكيم وكان اجتماعاً ساخناً، في هذا الاجتماع عقدت صفقة، مفاد هذه الصفقة، مضامينها أنه اسم السيد مهدي موجود ضمن الذين وردت أسماؤهم بالمحاولة الانقلابية، وإحنا لا نريد أن نلقي القبض عليه لأنه ابن المرجع... الخ].

ولتوضيح صحة ما جاء في رواية حميد عبد الله نورد الآتي:

1 ـ لم يرد ذكر لصفقة من هذا القبيل منذ (51) عاماً وحتى الآن سوى من جانب الدكتور حميد عبد الله فهو مصدرها الوحيد وهي بذمته وهو مسؤول عنها وبما أنه لم يشهدها فهل يستطيع إثباتها ولو بمصدر تاريخي واحد مهما كان.

2 ـ أنّ صدّام التكريتي لم يكن في الفترة المذكورة نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة وأنّ تعيينه بهذا المنصب كان في 9/11/1969.

3 ـ إنّ مثل هذه الزيارة لم تتم ولم يكن لها واقع على الإطلاق حتى تكون من نتائجها صفقة أو شيء من هذا القبيل والسبب بسيط وهو أنّ السيد المرجع كان قد وضع فيتو على أي لقاء خاص أو اجتماع مغلق مع شخص صدام حسين سواء كان اللقاء معه أو مع من يمثّله وهذا أمر يعرفه صدام تماماً والرئيس البكر وبعض المسؤولين في الدائرة الأمنية أو الجهاز الأمني للحزب وللموضوع خلفية لا بأس من تناولها، والبداية تعود إلى أيام الانقلاب الأولى في تموز 1968، ففي اليوم الثاني أو الثالث للانقلاب قام اللواء فاضل العساف مدير الشرطة العام الجديد بزيارة السيد مهدي الحكيم وأبلغه أنّ [أخاك أبو هيثم (أحمد حسن البكر) يسلّم عليك ويقول لم نرَ السيد مهدي وأنّه لم يأتِ إلينا] ، وكان ردّ السيد مهدي مرناً ولطيفاً ويتناسب مع العلاقة التي سبق وأن نشأت بين رموز التحرّك الإسلامي ممثلاً بالسيد مهدي والسيد مرتضى العسكري وبين أحمد حسن البكر وحردان عبد الغفار التكريتي أيام حكم الرئيس الأسبق عبد الرحمن عارف وقبل استيلاء البعث على السلطة في 17/ تموز/1968 اتصل البكر وحردان برموز التحرّك الإسلامي الذي قادته المرجعية وهذا ما يشير إليه السيد مهدي الحكيم بالقول: [أحمد حسن البكر نفسه اتصل بي وكذلك حردان التكريتي وفاضل حسن اتصلوا بي مباشرة، وقالوا ماذا تريدون؟ قلنا لهم لا نريد شيئاً سوى قيام حكومة بحيث يشعر الناس وأبناء العراق وكل فرد، أنّ هذه الحكومة حكومته، ويدافع عنها بكل قلبه لأنّ الحكومة تضمن مصالحه... فقالوا: أي البكر وحردان وفاضل (نحن استفدنا من دروس 1963)] .

وكان الفريق حردان التكريتي وزير الدفاع الجديد قد اتصل أيضاً بالسيد مهدي قائلاً: [ماذا جرى... لم نركم.. أين أنتم..] وازدادت الاتصالات بعد ذلك من كبار المسؤولين وهي تطالبه بزيارة قيادة الحكم الجديد للتهنئة والتبريك وكان الهدف من ذلك واضحاً وهو الإعلان أمام الرأي العام بأنّ ابن المرجع الأعلى وممثّله في بغداد قد هنّأ وبارك لقادة النظام الجديد تسلّمهم للسلطة وهذا يعني بالمؤدّى أنّ المرجع الأعلى للشيعة قد بارك للنظام الجديد... لذلك قرّر السيد مهدي وبمشورة من والده السفر خارج العراق تلافياً لأي إحرج فسافر لمدة شهر إلى سوريا ولبنان ومصر ثمّ عاد إلى بغداد وكانت الأمور قد عادت إلى طبيعتها ولم يتصل به بعدها أحد من المسؤولين. بعدها أخذ أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية بزمام المبادرة وقام بمعيّة صالح مهدي عماش وزير الداخلية بزيارة الإمام الحكيم في داره في الكوفة لتبدأ بعدها فترة المفاوضات المباشرة بين رئيس الجمهورية والمرجعية وكان حلقة الوصل بين الطرفين الدكتور عبد الحسين ودّاي العطية وزير الزراعة والتي تمّ التمهيد لها بزيارة قام بها مع الفريق حردان التكريتي وزير الدفاع إلى الإمام الحكيم في النجف الأشرف ثم رافق بعدها البكر في زيارة خاصة إلى الإمام الحكيم لتبدأ بعدها سلسلة من جولات التفاوض بين المرجع الحكيم والرئيس البكر والتي بلغت (أحد عشرة جولة) كانت تعقد في دار الإمام الحكيم في الكوفة وكانت مطالب البكر تتمحور حول الثورة الكردية في شمال العراق ودعم إيران لها وكان مصرّاً على ضرورة قيام المرجعية بإصدار فتوى تدين تلك الثورة بقيادة الملاّ مصطفى البرزاني وكذلك شاه إيران داعمها الأساسي إلاّ أنّ الإمام الحكيم كان يرى أن المشكلة الكردية مشكلة سياسية وعلى الدولة حلّها بطريقة سلميّة وبما يضمن عدم الصدام مع الجارة إيران، وفي آخر الاجتماعات التي جرت بين البكر والإمام الحكيم والتي انتهت إلى ما يشبه الطريق المسدود اقترح البكر إشراك شخص من قيادات الحزب الحاكم هو صدام حسين التكريتي في اللقاءات الجارية وهو ما يتناوله الدكتور عبد الحسين ودّاي العطية بالقول: [حلاًّ لكثير من المشاكل طلب أحمد حسن البكر لقاء مشتركاً بين السيد مهدي الحكيم رحمه الله وبين صدّام حسين قبل أن يتمّ إعلانه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وهنا رفض السيد الحكيم هذا الاقتراح بقوله إنّ السيد مهدي يمثّل المرجعيّة الشيعيّة ويحقّ له الكلام باسمها وباسم السيد محسن الحكيم برأيه أما صدام حسين لا يمثل أي جهة وليس مخولاً من جهة رسمية حكومية فهو لا يعني شيئاً بالنسبة للمرجعية الشيعية، إنّ هذا الرفض أغاظ أحمد حسن البكر وأحرج موقفه في مجلس قيادة الثورة وهذا بان ـ لاحقاً ـ من تصرّفات جلاوزة النظام مع السيد الحكيم وإصرارهم على تركه بغداد والعودة إلى النجف الأشرف] .

بعد ذلك جرت محاولات للاتصال مع السيد مهدي في شهر شباط 1969 وهو ما يشير إليه بالقول: [قدمت إلى النجف فقال لي السيد الحكيم بأنّه قدم (محمود الصافي) وقال إنّ (صدام) يريد زيارتك، وصدام في ذلك الوقت ليس له أي وجود وليس له صفة رسمية أو أي شيء آخر، وإنّما يقولون أنّ هناك شخصاً اسمه صدام يعمل بالخفاء ويرتّب أموره، وإلاّ نحن لم نكن نعرف مَن هو صدام، وأنا بدوري والكلام للسيد الحكيم أجبت (محمود) بأنّ السيد مهدي هناك في بغداد وإذا كان لديه شيء ـ أي صدّام ـ فهو يستطيع أن يراه.] . ويبدو أن السيد محمود الصافي وكان رئيس بلدية النجف وهو أخو المحامي السيد حسين الصافي الذي تولى لفترة منصب وزير العدل في عهد أحمد حسن البكر قد أدرك طبيعة الإشكالات القائمة لذلك إثر الانسحاب فتمّ تكليف شخص آخر بالمهمة يدعى خالد الدوحية ويعمل في جهاز الحزب الأمني وربما المقصود هو جهاز (حنين).. وينقل السيد مهدي ما دار بينه وبين خالد بالقول:

[قال خالد: إنّ أبو عُدي يريد رؤيتك.

قلت: أهلاً وسهلاً متى يحب القدوم فأهلاً به.

قال: هل بإمكانك أن تذهب أنت إلى بيته.

قلت: بلى، ولكن نحن هنا ـ ولو أننا كالدراويش ـ إلاّ أنّه نستقبل أشكالاً من الناس وهو واحد من الأخوة، ثم دار الحديث عن موضوع الحماية والأمن وادّعى بأنّه مسؤول استخبارات الحزب وأخذ ينقل لي عن المشاكل الأمنية والتعذيب الذي يحصل في الأمن واتهام الناس بدون دليل وإثبات] وانتهى اللقاء عند هذا الحدّ وفي اليوم التالي اتصل خالد بالسيد مهدي وقال له: [إنّ أبا عدي يقول لو يأتي عندي في البيت أفضل، باعتبار من ناحية أمنية لا نستطيع أن نذهب إليكم.] .

وكان ردّ السيد مهدي هو: [كيف تقول هذا؟ فهذه دولة ونحن نعيش في رعايتها وننام آمنين على اعتبار أنها تحرسنا، فكيف لا تستطيع حماية شخص يأتي ليزور شخصاً آخر، فهذا غير مقبول، على كل حال فإنّ ذهابي إليه صعب، وإذا كان يحبّ الحضور فأهلاً وسهلاً، وإنّ الأمر يتعلّق به] .

ولم يكن امتناع السيد مهدي عن الذهاب لمقابلة صدام حسين يعبّر عن قناعة شخصية بالضرورة بقدر ما هو التزام بتعليمات المرجع الأعلى الإمام الحكيم وهو ما يتحدّث عنه بالقول: [إنّ السيد الوالد أصرّ بأن لا أذهب أنا إليه... وجهة نظره كانت هي أنّ أحمد حسن البكر كان رئيس دولة والناس لديها أشغال معه فنذهب إليه، أمّا صدام فكل صفة رسمية لم تكن لديه، إلاّ الصفة الحزبية، فلما تذهب إليه فكأنّما صارت مفاوضات بين المرجعية وبين الحزب، وهذا ما ليس له تفسير، فهو عندما يأتي إليك يكون حاله حال الكثير من الناس الذين يأتون إليك، وهذا غير أن تذهب أنت له، فعلى هذا الأساس لا يمكن الذهاب إليه، لأنّ التعليمات صادرة من (المرجعية) وهي أن يأتي أهلاً وسهلاً، وأن لا يأتي في أمان الله ولن أذهب إليه، طبيعي أنا لم أقل لخالد هكذا إنّما تذرّعت بمسألة عدم قدرة الدولة على حماية شخص والمحافظة عليه] .

ومن الجدير بالذكر أنّ السيد مهدي الحكيم قام بزيارة أحمد حسن البكر في القصر الجمهوري على رأس وفد يمثّل المرجعية احتجاجاً على قيام النظام بإلغاء مشروع جامعة الكوفة ومصادرة أموالها.

وعن طبيعة ما دار في ذلك اللقاء مع البكر يقول السيد مهدي: [قام لنا واستقبلنا وعانقني... وأخذ يسأل عن صحتي إلى غير ذلك فبادرته وقلت له أنّني لم آتِ لكم زائراً، إنّما جئت لأسجّل احتجاجاً نيابة عن السيد الوالد فيما يتعلّق بجامعة الكوفة، ولماذا حدث هذا؟ الجمعية حلّت.. والأموال حُجزت. فحلف يمين وقال: والله لا الحزب لديه علم ولا الحكومة، وإنّما هذا (حردان) وحده فعل ذلك] .

وكان خالد دوحية قد اتصل للمرة الثالثة بالسيد مهدي قائلاً له: [حسناً لماذا أنت ذهبت إلى أحمد حسن البكر ولم تأتِ إلى صدّام؟

فردّ السيد مهدي بالقول: [أحمد حسن البكر رئيس دولة، فإذا أصبح هو غداً رئيس دولة فسأذهب إليه، إن حصل مقتضى لذهابي، فلا توجد له صفة فعلى أي أساس أذهب إليه، لا هي صداقة شخصية بيني وبينه حتى أقول ذاهب إلى صديقي ولا له صفة رسمية حتى أقول إنني جزء من هذا العالم الموجود في هذه الدولة فأبرّر ذهابي.] .

بعد ذلك اتصل دوحية للمرة الرابعة قائلاً: [إنّ صدام يقول: لنعقد اجتماعاً ثلاثياً معكم بحضور أحمد حسن البكر في القصر الجمهوري، قلت له: أنا لست مستعداً لذلك يأتي إلينا أهلاً وسهلاً... لا يأتي في أمان الله...] .

وعندما عرف الإمام الحكيم بذلك قال للسيد مهدي: [نعمَ ما صنعت وسوف تدفع الثمن غالياً] ... ويعقّب السيد مهدي على ذلك بالقول: [قلت في نفسي سواء غالياً أم رخيصاً فهذا وضع الإنسان ويجب أن يهيّئ نفسه...] .

ويضيف السيد مهدي: [سمعت أن صداماً قال: إنّ هذا العطاس في نفسه يجب أن أخرجه] والعطاس هو كناية عن التكبّر، ويستطرد السيد مهدي فيقول تعقيباً على ما بلغه عن صدام: [على كل حال أخرجه أم لم يخرجه إن شاء الله يطلع العطاس من أنفه هو قبل أن يخرجه من أنفي.] .

 

اغتيال السيد مهدي الحكيم في السودان

الآثار والدلائل

 

أولاً: يقول الدكتور حميد عبد الله بشأن سفر السيد مهدي وحادثة اغتياله في الخرطوم: [وجّهت دعوة للسيد مهدي الحكيم من السودان كان هناك مؤتمر للجبهة القومية الإسلامية التي يقودها حسن الترابي. هناك شخص اسمه محمد سعيد رئيس تحرير جريدة العالم هو الذي أوصل الدعوة إلى السيد مهدي الحكيم في لندن وأخذ جوازه إلى القنصلية السودانية في لندن على أمل أن يصدروا له فيزة، وبعد أن راجع عبد الوهاب الحكيم القنصلية قالوا له الجواز مفقود فانزعج السيد وبعدين وجدوا الجواز وهو غير مختوم بعدين أخرجوا فيزا عاجلة ويوم 15/1/1988 راح إلى السودان وما لحق جلسات المؤتمر، راح متأخّر...].

هناك بعض النقاط تتعلّق باغتيال السيد مهدي وملابسات سفره إلى السودان وكذلك بالنصّ أعلاه وهي على النحو الآتي:

ـ أنّ عملية الاغتيال برمّتها قد حيكت خيوطها ابتداءً من لندن فقد كان هناك دفع خفي وآخر علني للسيد مهدي للتوجه إلى السودان والدفع العلني وكان من أكثر من جهة الغرض منه هو الاعتقاد بأهمية مشاركته كشخصية إسلامية عراقية معارضة بارزة في مؤتمر الجبهة القومية الإسلامية السودانية في الخرطوم والذي دعي له (2000) شخصية من خارج السودان لا سيما وأنّ الحضور الشيعي المدعو للمؤتمر كان عموماً ضعيفاً والدفع الخفي كان القصد منه جرّ السيد مهدي إلى كمين محكم أعدّ لقتله في السودان وبتدبير مسبق.

ـ إنّ ما أورده الدكتور حميد عبد الله من أنّ محمد سعيد رئيس تحرير جريدة العالم قد أوصل الدعوة إلى السيد مهدي فيه أخطاء واضحة فالاسم هو سعيد محمد الشهابي رئيس تحرير مجلة العالم الأسبوعية التي تصدر في لندن وليست جريدة وهو من شخصيات المعارضة البحرانية وقيادي في حزب الدعوة المنحلّ في البحرين وهو أحد المدعوّين إلى المؤتمر وقد طلب من مسؤولي الجبهة في لندن أن يوضع اسم السيد مهدي محل اسمه فووجه طلبه في البداية بالرفض ثم انتهى الأمر وبعد لأّي بمنح السيد مهدي ومرافقيه الفيزا السودانية وهو ما اعتبره دعوة رسمية لحضور المؤتمر.

ـ في الفترة التي سبقت عقد المؤتمر أرسل الدكتور أياد علاّوي رئيس وزراء العراق الأسبق ورئيس حركة الوفاق الوطني رسالة إلى الصادق المهدي رئيس وزراء السودان آنذاك يطلب فيها زيارة وفد من المعارضة العراقية إلى الخرطوم يضمّ بالإضافة إليه السيد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم واللواء حسن النقيب ومحسن دزئي والدكتور تحسين معلة وستّار الدوري وكانت إجابة [السيد الصادق المهدي بأن الوضع في السودان غير آمن وأنه سيلتقينا في لندن أو أوروبا.] .

ويواصل الدكتور علاّوي نقل ما جرى فيقول: [كنّا في اجتماع مع السيد مهدي الحكيم، أنا وتحسين معلّة وأديب الجادر، وعندما خرجنا إلى الباب كنا نحاول الاتفاق على عقد اجتماع موسع بعد أسبوع، لكن السيد مهدي قال أنّه مسافر إلى السودان، فصعقت وقلت له: ألم تزرك شرطة مكافحة الإرهاب؟ قال: نعم وحذّروني، فقلتُ: وها أنا أخبرتك بإجابة الصادق المهدي بأنّ السودان غير آمن، أجابني السيد مهدي ـ رحمه الله ـ بأنّ حسن الترابي دعاه إلى زيارة السودان وأعطاه ضماناً أمنياً، أجبته: منذ متى تأمن للترابي] .

ـ كان هناك تأخير متعمّد من جانب القنصلية السودانية في لندن في منح تأشيرة الفيزا للسيد مهدي الحكيم ومدير مكتبه الدكتور عبد الوهاب الحكيم الذي رافقه في الرحلة بحيث فوّت عليهم فرصة المشاركة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر والتفاصيل كثيرة ومنشورة ولا مجال لذكرها، وحتى بعد وصوله الخرطوم ليلة 14 ـ 15/1/1988 فإنّ الجبهة لم تخصّص شخصاً لاستقباله في المطار كما جرت العادة عند استقبال الضيوف وإنّما استقبله شخص عراقي يعمل مدير بنك في السودان اتّصل به السيد مهدي قبل مغادرة لندن تحسّباً من عدم وجود أحد في استقباله من طرف الجبهة بعد ذلك انتقل مع مرافقه إلى فندق الهيلتون حيث يقيم الضيوف وبقي السيد يومين في الفندق 15 و16/1/1988 دون أن يدعى إلى حضور أي من جلسات المؤتمر فيما كان مسؤولو الجبهة يقدمون له أعذاراً شتى وكان الهدف واضحاً وهو الحيلولة بينه وبين حضور جلسات مؤتمرهم.

وقد أعرب السيد مهدي خلال لقائه مع أحمد الإمام الذي زاره بعد انتهاء أعمال المؤتمر وهو من مسؤولي الجبهة وكما ينقل الدكتور عبد الوهاب الحكيم عن [امتعاضه الشديد من إضاعة الفرصة في حضور المؤتمر وأنّ المعاملة التي عوملنا بها كانت سيئة.] .

وفي يوم 17/1/1988 التقى السيد مهدي ومرافقه مع عدد من قادة الجبهة خارج الفندق وفي مساء نفس اليوم التقى حسن الترابي في بيته وكان مقرراً أن يلتقي الصادق المهدي رئيس الوزراء في يوم 19/1/1988.

ثانياً: أورد حميد عبد الله في حديثه عن الدكتور حسن الترابي ما يلي: [حسن الترابي وبحكم علاقته مع صدام حسين هو شخصية إسلامية عربية مهمة جداً من دعاة تجديد الفكر الإسلامي وله (16) مؤلف عن الفقه وعلاقة الدين بالفن وعن تجديد الفكر الإسلامي وصار وزير خارجية في اللحظة التي زار فيها السيد مهدي الحكيم السودان (السرّ المهمّ) في هذه القضية أنّ السيد مهدي كان يرسل رسائل إلى صدام حسين عن طريق حسن الترابي وحسن الترابي كان كثير التردد على العراق والرسائل تأتي من السفارة العراقية في الخرطوم إلى جهاز المخابرات العراقي والجهاز يحولها إلى الرئاسة والمقصود رئاسة الجمهورية، وهناك شخص مطلع على هذه الرسائل...]..

وسنتناول بعض ما جاء في النص أعلاه على النحو التالي:

ـ كان حسن الترابي ضمن سلسلة طويلة من قادة الإخوان المسلمين (التنظيم الدولي) على اختلاف مسمياتهم ممن كانت له علاقة بعضها مباشر بصدام حسين وبعضها الآخر برموز النظام وبالقيادة القومية لحزب البعث الحاكم ولأولئك الإسلاميين مواقف علنيّة في الدفاع عن نظام البعث في العراق منذ مطلع التسعينات وكانت لهم دالة على النظام وقيادته ولبعضهم زيارات متواصلة إلى بغداد كما كان لهم أثر وتأثير في حملة البعث الإيمانية في التسعينات.

ـ أنّ الحديث عن حجم شخصية الترابي وتأثيرها في الساحتين العربية والإسلامية ينبئ عنها التجربة البائسة للحركة الإسلامية السودانية في حكم السودان طيلة (30) عاماً بقيادة عمر حسن البشير وشريكه حسن الترابي قبل أن يختلفا ويصبحا خصمين لدودين وانتهت تلك الحقبة من تاريخ السودان الشقيق بسقوط تلك التجربة الفاشلة بثورة شعبية عاضدها الجيش بضربة استباقية في 10 ـ 11 نيسان 2019 قضت على حكم الحركة الإسلامية وواجهتها المؤتمر الوطني.

ـ يبدو أنّ الدكتور حميد عبد الله منبهر بفكر وشخصية الدكتور الترابي وبمؤلفاته الـ(16) عن الفقه وعلاقة الدين بالفن وتجديد الفكر الإسلامي، ويكفي أن نعرف عن فقه الترابي أنّه يجوز إمامة المرأة للرجال في الصلاة وزواج المسلمة من الكتابي اليهودي والمسيحي وغيرها من الأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان... فهل يندرج هذا في باب تجديد الفقه والاجتهاد أم أنّه الإفتاء بغير علم والرسول (ص) يقول: [من أفتى بغير علم أكبّه الله يوم القيامة على منخريه في النار].

ـ لم يكن حسن الترابي كما ورد في النصّ وزيراً لخارجية السودان عندما توجه السيد مهدي الحكيم إلى الخرطوم في زيارته الأخيرة وإنّما كان وزير خارجية السودان آنذاك السيد (مأمون محجوب سناده) الذي تولى منصبه من 1/10/1987 لغاية 15/5/1988 في حين أن حسن الترابي تولى المنصب لفترة قصيرة من 1/2/1989 لغاية 25/3/1989.

ـ فيما يتعلّق (بالسرّ المهم) الذي يميط حميد عبد الله اللثام عنه بعد كل السنين التي مضت فهو ادّعاؤه الذي تفرّد به ولم يسبقه إليه أحد بأنّ السيد مهدي كان يرسل رسائل إلى صدام حسين عن طريق حسن الترابي وهي رسائل لم يبرز لمشاهديه واحدة منها على الأقل ولم يخبرهم بمضامينها.

وكما يقول المثل العربي فإنّ العقل شريف وحدّث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له... وإلاّ هل يمكن للسيد مهدي أن يتغاضى عن كل ما ألحقه نظام البعث بمرجعية والده الإمام الحكيم وبه شخصياً من مطاردة وتشهير واتهام بالعمالة والجاسوسية في وسائل الإعلام الرسمية ثم يقيم بعد كل ذلك قناة اتصال سرية مع النظام وهل يمكن للسيد مهدي أن يتغاضى عن كل ما فعله صدام حسين من جرائم بحق العراق وشعبه بعد هجرته القسرية وحتى تاريخ اغتياله فيرسل له الرسائل كما يدّعي حميد عبد الله في وقت لم تجفّ فيه دماء أشقّائه وأبنائهم في مجزرتين منفصلتين والذين أعدموا بلا ذنب أو جريرة والنظام يعلم علم اليقين أنهم بعيدون عن السياسة والعمل السياسي بعد السماء عن الأرض كما يقال... ففي يوم 10/5/1983 تمّ اعتقال (72) فرداً من أسرة آل الحكيم وعلى رأسهم العالم الجليل آية الله السيد يوسف الحكيم وشقيقه آية الله محمد رضا الحكيم وآية الله السيد محمد علي الحكيم ونجله آية الله السيد محمد سعيد الحكيم (المرجع لاحقاً). وآية الله السيد محمد تقي الحكيم العميد الأسبق لكلية الفقه وبعد عدة أيام أطلق سراح السيد يوسف والسيد محمد رضا والسيد محمد علي والسيد محمد تقي وبقي الآخرون رهن الاعتقال وفي يوم 20/5/1983 أقدم النظام على إعدام كل من أنجال الإمام الحكيم وهم:

1 ـ آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم.

2 ـ السيد علاء الدين الحكيم.

3 ـ السيد محمد حسين الحكيم.

وأعدم معهم ثلاثة من أحفاد الإمام الحكيم وهم:

1 ـ السيد كمال الدين نجل السيد يوسف الحكيم.

2 ـ السيد عبد الوهاب السيد يوسف الحكيم.

3 ـ السيد أحمد نجل السيد محمد رضا الحكيم.

وجرى إعدام الوجبة الثانية يوم 2/3/1985 والتي ضمّت:

1 ـ الدكتور السيد عبد الهادي نجل الإمام الحكيم.

2 ـ السيد عبد المجيد الحكيم ابن أخ الإمام الحكيم.

وأعدم من أحفاد الإمام الحكيم:

1 ـ السيد ضياء الدين كمال الدين الحكيم.

2 ـ السيد بهاء الدين كمال الدين الحكيم.

وأعدم من الأسرة في تلك الوجبة أيضاً من أنجال آية الله السيد محمد حسين الحكيم وهم:

1 ـ السيد محمد رضا.

2 ـ السيد محمد.

3 ـ السيد عبد الصاحب.

وأمام هذا المشهد الدامي يريد حميد عبد الله أن ينسج علاقة للسيد مهدي الحكيم رائد الحركة الإسلامية في العراق ـ علاقة حفية ـ مع النظام الصدامي الذي قتل أهله وقتل شعبه ثم قتله ولم يكتفِ بذلك وإنّما أضاف إليها ما شاء من الرتوش لكي يحكم حبكته فهو يدّعي كما ورد في أحد نصوصه والتي ينسبها إلى معلومات المخابرات وهي غير منشورة بالطبع: [أنّ أحد المقرّبين للسيد مهدي كان يرسل معلومات إلى السفارة العراقية في الخرطوم عن تحرّكاته عند وصوله وعن كل التوقيتات المتعلقة بالزيارة].

لقد حاول حميد عبد الله من خلال هذه المعلومة أن يحرف البوصلة التي تشير إلى هذا المصدر الموجود قطعاً في لندن ولم يرافق السيد مهدي إلى الخرطوم كما حاول أن يوحي إلى المتلقي باللاشعور بأنّ المقصود هو الدكتور عبد الوهاب الحكيم الذي كاد أن يُقتل في الحادث بطلقات نارية من مسدّس القاتل وقد أصيب على أثرها بجروح.

ثالثاً:

ـ يقول حميد عبد الله بشأن اغتيال السيد مهدي الحكيم: [(هسه) الآن تسألون سؤال هو إذا كانت (هيج) هكذا علاقته بصدام حسين فلماذا يغتاله، وهنا المفاجأة الأكبر... اغتيال مهدي الحكيم تمّ دون علم صدام حسين (هسه) الآن راح تقولون شخصية معقولة بهذه الأهمية صدام حسين لا يدري بها، هذه حقيقة صادمة.. نعم صدام حسين لم يكن يعلم باغتيال مهدي الحكيم، الذي خطط ونفذ هذه العملية هو فاضل البراك رئيس المخابرات بدون علم صدام حسين ظناً منه أنّ هذه الشخصية المحورية التي تشكّل حراكاً سياسياً معارضاً ضدّ النظام، اغتيالها راح يكون موضع ارتياح عند صدام ربما يكافأ عليها رئيس المخابرات (بس) ولكن لا يدري (أنه أكو علاقة ممتازة) وأنّ صدام حسين لا يريد اغتيال مهدي الحكيم لذلك عاقبه لفاضل البراك و(كعده) شهر بالبيت وصدر قرار لا تتمّ عملية اغتيال أي معارض عراقي إلاّ بموافقة الرئيس شخصياً طبعاً أجهزة الأمن العراقية تتابع المعارضين ومن بين المعارضين السيد مهدي الحكيم لذلك هم (الدولة) موقفهم من السيد مهدي موقف معتدل [الدولة العراقية] إذا ترجع إلى بيانات الأجهزة الأمنية إلى موقف الدولة، خطاب الدولة لم يتطرقوا إلى موقف السيد مهدي الحكيم في يوم من الأيام، صدام حسين (جاب) اسم السيد محمد باقر الحكيم في أحد الخطب الرسمية قال: محمد باقر الحكيم أننا لا نمثّل الشعب (جاب) اسمه لكنه لم (يجيب) اسم السيد مهدي أيضاً السيد مهدي ما عنده خطابات جداً حادة من النظام حتى أنّ أجهزة الأمن عندهم معلومات تشير إلى أن هناك خلافات عميقة بين الشقيقين محمد باقر الحكيم والسيد عبد العزيز الحكيم مع السيد مهدي الحكيم وأنا حقيقة لفت نظري شيء في كل مناسبة ذكرى اغتيال السيد محمد باقر الحكيم في آب 2003 هم (يسووها) يقيموها بالتاريخ الهجري يعملون تأبين كبير وأنا لم أرى تأبين لاغتيال السيد مهدي الحكيم.].

ولتبيان حقيقة ما أورده حميد عبد الله في النصّ أعلاه نشير إلى الآتي:

ـ يواصل حميد عبد الله حديثه بحوارية يطرح فيها إشكالات ويجيب عليها بالشكل الذي يحلو له مستخدماً أسلوب الإيحاء النفسي في غرز معلومته في ذهن المتلقّي من خلال عبارات معيّنة مثل (المفاجأة الأكبر) و(الحقيقة الصادمة) وكأنه يتحدّث عن حقائق ومسلّمات مفروغ منها لا عن روايات هو قائلها...

ـ تبرئة صدام من دم السيد مهدي الحكيم وإلقاء المسؤولية على عاتق الجلاوزة من قادة ومسؤولي الأجهزة الأمنية والاستخبارية من خلال الادعاء بأنّ صدام لا يعلم بعملية الاغتيال وأنّ المسؤول عنها فاضل البراك مدير المخابرات العامة وهذا هو ما تسعى إليه عائلة المقبور صدام المقيمة في عمان وبقايا البعث المنحلّ والأجهزة الأمنية الموجودين في الأردن ولا ندري وهذا في علم الدكتور حميد عبد الله أنّ صدام لا يدري أيضاً بإعدام الوجبتين من أبناء وأحفاد المرجع الحكيم الذين سبق إعدامهم وأن مدير الأمن العام فاجأه بذلك فعاقبه بالحجز شهرين في بيته... ولعل الهدف من عرض الحلقة عن السيد مهدي هو هذا المقصد وهذا ليس بمستغرب فبعد مرور كل تلك السنين على انقضاء حكم صدام وحزبه هناك محاولات جارية لتبرئته من كل الجرائم التي اقترفها بحق الشعب العراقي بأسره وتحميل الأجهزة الأمنية المنحلّة المسؤولية كاملة عن كل ما جرى، وقد سبق للبعث أن حمّل ناظم كزار وزبانيته مسؤولية الجرائم التي ارتكبها منذ وصوله للسلطة في تموز 1968 وحتى إعدام كزار في تموز 1973... وهذه عادة أو قاعدة درجت عليها الأنظمة المجرمة بحق شعوبها فقد سبق للقادة الشيوعيين السوفييت أن ألقوا بمسؤولية الجرائم التي ارتكبها ستالين وراح ضحيتها الملايين من شعوب الدولة السوفييتية (في غير زمن الحرب) على عاتق رئيس استخباراته (بيريا) الذي اتهم بالعمالة والعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كما اتّهم فاضل البراك بالعمل لصالح مخابرات ألمانيا الديمقراطية (الستازي) وأعدم على أثرها.

ـ يقول حميد عبد الله في نصّه أنّ موقف [الدولة] من سيد مهدي معتدل وهو يرجع في ذلك ويستند إلى بيانات الأجهزة الأمنية (التي لا يعرف عنها أحد شيئاً سوى حميد عبد الله على ما يبدو) فإذا كان الأمر كذلك وهو معلوم للأجهزة الأمنية وقياداتها على اختلاف مستوياتهم الإدارية والوظيفية فكيف يكون مجهولاً لمن يتربّع على قمّة أخطر جهاز فيها وهو فاضل البراك فيقدم على اغتيال تلك الشخصية التي ترتبط برئيس الدولة من جهة وموقف أجهزة الأمن منها معتدل من جهة أخرى فهل يكون البراك آخر من يعلم وهو من بين أهم إن لم يكن الأهم ممن تولوا قيادة الجهاز.

ـ سعى حميد عبد الله جاهداً مستخدماً خبراته ومعارفه في علم التاريخ الذي سبق وأن درسه في الجامعة إلى إثبات وجود علاقة ممتازة بين السيد مهدي الحكيم وصدام (في السرّ طبعاً) فهل من نتائج العلاقة الممتازة تلك الحملة من التصفيات والاعتقالات الواسعة التي طالت أسرته والتي لم يكتفِ النظام بها وإنّما عدىاً عليه وقتله واستمرّت تلك المقتلة بعده لتطال آخرين من آل الحكيم حتى بلغ شهداؤهم حين السقوط (63) فرداً.. ولا ندري لو كانت العلاقة غير ممتازة وموقف الأجهزة الأمنية متصلّب فهل يبقون على آل الحكيم من باقية... والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل توجد قدرة على قلب الحقيقة والتعدّي عليها والتلاعب بها أكثر من هذا وأعتقد أنّ أستاذ التاريخ قد فاق في قدرته (حسب تقديري) دهاء عمر بن العاص في زمانه حينما جاء خبر استشهاد الصحابي الجليل عمّار بن ياسر أثناء المعركة في صفين على يد جيش معاوية وقد ذهل الجميع لأن للرسول (ص) حديث شهير يعرفه كل المسلمين يقول فيه لعمّار [يا عمّار تقتلك الفئة الباغية]. فطلب منه سيّده معاوية إنقاذ الموقف لأنّ جيشه بدأ يتخلخل فقال ابن العاص قولته المشهورة [قتله الذي جاء به]..

ـ هناك محاولة واضحة من حميد عبد الله لخلط الأوراق عند حديثه عن العلاقة المزعومة بين السيد مهدي وصدام وذلك وفق المعلومات التي قدمت له وكأن صاحبها يريد أن يقرن علاقة من هذا النوع مع المساعي الحثيثة التي كان يبذلها السيد خلال تلك الفترة لوقف الحرب العراقية الإيرانية.. إنقاذاً للشعبين العراقي والإيراني ولنظام الجمهورية الإسلامية نفسه وكان الهدف الرئيسي والأساسي من زيارته للسودان هو لتفعيل جهود وساطة يقوم بها الصادق المهدي رئيس الوزراء وليس حسن الترابي في هذا الاتجاه كما كان مقرراً أن يقوم بعد انتهاء زيارته للسودان بزيارة باكستان بمعية السفير سالم عزام رئيس المجلس الإسلام الأوروبي لطرح مبادرة توقف الحرب يقوم بها الرئيس الباكستاني الجنرال محمد ضياء الحق والذي سبق له وأن شارك بمبادرة سابقة مع عدد من رؤساء الدول الإسلامية عام 1981 لكنها لم تفلح وكان الجنرال ضياء الحق على ما يبدو مسبقاً بالفكرة ومهيّأً لقبولها والتحرّك على ضوئها. أعتقد أنها مبادرة الساعي الحميدة.

ـ يستشهد حميد عبد الله بمعلومة ينقلها عن أجهزة النظام البائد تقول أنّ هناك خلافات عميقة بين الشقيقين السيد محمد باقر الحكيم والسيد عبد العزيز الحكيم مع السيد مهدي الحكيم الذي يدّعي أنّه الأخ غير الشقيق لهما كما سبق... في حين وللحقيقة والتاريخ وكما يعرف العالمون ببواطن الأمور في المجلس الأعلى أنّ هناك خلافاً بشأن تفاصيل العمل بين السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس وشقيقه السيد عبد العزيز الحكيم مسؤول عمل الداخل وكان من الطبيعي أن يحدث ذلك التباين في الرؤى بينهما باعتبارهما يعملان في ساحة واحدة... وهذا الخلاف سوّي قبل دخول السيد محمد باقر الحكيم إلى العراق وتولّى السيد عبد العزيز رئاسة المجلس بدلاً عنه... أمّا العلاقة بين السيد محمد باقر الحكيم وشقيقه الأكبر السيد مهدي الموجود في لندن فكانت على درجة عالية من التنسيق وعندما أسس السيد مهدي حركة الأفواج المسلمة حرص على أن يتضمن بيانها التأسيسي إشادة بخط الإمام الخميني دعماً لموقف السيد محمد باقر الحكيم المقيم في إيران والذي شكّل محور التحرّك الذي أفضى إلى تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في 17/10/1982.

لذلك فإنّ الادّعاء بوجود خلاف بين الشقيقين ليس مجرّد توصيف أو نقل لمعلومة إنّما يهدف وبلحاظ كل ما تقدّم إلى الإيحاء بوجود خطين داخل الأسرة:

الأول: ويتمثّل بالسيد محمد باقر والسيد عبد العزيز المقيمين في إيران ويحظيان بالدعم الرسمي الإيراني.

الثاني: ويمثله السيد مهدي المرتبط بنظام البعث في العراق.

ـ يدّعي حميد عبد الله بأنّ السيد مهدي ليس عنده خطابات حادة ضد نظام البعث في حين أن السيد كان في كل تحرّكه أقرب ما يكون إلى سفير للمعارضة العراقية من كثرة تنقلاته بين دول العالم وحضوره المكثف للمؤتمرات والندوات الإسلامية وكان يلقي فيها في أغلب الأحيان الخطب والمحاضرات في شتّى المواضيع التي تعنى بقضايا الإسلام والمسلمين. أما تلك التي تخصّ القضية العراقية فكان له القدح المعلى في تبيان حقيقة نظام البعث والكشف عن جرائمه ضد الشعب العراقي ويكفي أن يكون السيد مهدي الحكيم أوّل رجل دين يقف أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف ليدلي بشهادته عن المختفين قسرياً في العراق حيث قدّم قوائم وتحدّث بلغة الأرقام عنهم وكان حديثه مؤثراً للغاية وباللغة الإنكليزية مما دفع بأعضاء اللجنة كافة بعد انتهائه من بيان شهادته إلى السلام عليه ومصافحته وهي ظاهرة غير مسبوقة في الأمم المتحدة ويكفي من خطبه العصماء بشأن العراق ومستقبله تلك التي ألقاها في تجمّع أو مؤتمر مصغّر للمعارضة العراقية في العاصمة النمساوية فيينا بتاريخ 19/12/1987 وكانت تحت عنوان [المستقبل القريب للقضية العراقية والمسؤوليات] وذلك قبل اغتياله بأسابيع...

ـ لم تعد أسماء الذين شاركوا في عملية اغتيال السيد مهدي الحكيم في السودان مخفيّة بعد كل هذه السنين التي مرّت ابتداءً بالعقيد محمد عواد والمنفذ عمر جاوشن ومروراً بسفير النظام في الخرطوم طارق يحيى محمد الذي لعب دوراً رئيسياً في الإشراف على عملية الاغتيال ومعه مدير مكتب الخطوط الجويّة العراقية في العاصمة السودانية الذي سهّل بدوره انتقال المنفذين إلى الطائرة العراقية التي كانت مستعدة للإقلاع من بابها الخلفي وانتهاءً بمثنى الحارثي الذي أخفى الدكتور حميد اسمه وكان المسؤول عن تنسيق العملية برمّتها.

ـ يتحمّل حميد عبد الله المسؤولية الأدبية والقانونية عن كل ما قدّمه للجمهور في قناته (وتلك الأيام) على اليوتيوب فيما يخصّ السيد مهدي الحكيم وهو مطالب بأن يعرض على الرأي العام ـ وهذا الطلب ليس من باب التحدّي وإنّما إحقاقاً للحق وإكراماً للحقيقة ـ القرائن والأدلّة والمصادر التي تثبت ما طرحه والذي تعرّض فيه للمرجعية الدينية العليا للشيعة في العالم ولشخصية محورية لعبت أدواراً رئيسية في تاريخ العراق السياسي الحديث وهو مُطالَب بالمنطق القرآني {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *}. 

الهوامش

حديث مسجّل للسيد مهدي الحكيم حول بدايات الحركة الإسلامية في العراق وتحرّك الإمام الحكيم حتى العام 1969، أجراه معه كل من محمد هادي الأسدي وهمام حمودي وعباس الجنابي يومي 24 ـ 25 تموز 1984 أثناء زيارة قام بها إلى طهران، وقد طبعت خلاصة له بعنوان: مذكرات العلاّمة الشهيد السيد مهدي الحكيم حول التحرّك الإسلامي في العراق. وما ورد هنا هو من النصّ الأصلي المسيّل على الورق، رقم الصفحة (8).

الحسيني، جعفر: على حافة الهاوية ـ العراق 1968 ـ 2002، ط1، ص138، دار الحكمة ـ لندن، 2003م/1424هـ.

سعيد الكرعاوي، د. وسن: السيد محسن الحكيم (قدس سرّه) دراسة في دوره السياسي والفكري في العراق (1946 ـ 1970م)، ص304 ـ 305، أطروحة دكتوراه، مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية.

حديث مسجّل للسيد مهدي الحكيم، ص91.

المصدر السابق ص91 ـ 92.

المصدر السابق، ص92.

المصدر السابق، ص93 ـ 94.

المصدر السابق، ص94.

الخرسان، صلاح: الإمام السيد محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق، أضواء على تحرّك المرجعية الدينية والحوزة العلمية في النجف الأشرف 1958 ـ 1992م، ط1، ص379، مطبعة الوسام ـ بغداد، 1425هـ  2004م.

الحكيم، السيد محمد باقر: الإمام الحكيم، السيرة الذاتية، الجانب العلمي، المرجعية الدينية، الحوزة العلمية، ص25.

حديث مسجّل للسيد مهدي الحكيم، ص39.

نفس المصدر السابق.

عقراوي، شكيب: سنوات المحنة في كردستان [أهم الحوادث السياسية والعسكرية في كردستان والعراق من 1958 إلى 1980]، ط1، ص275، مطبعة منارة ـ أربيل.

الخرسان، صلاح: السيد مهدي الحكيم [رائد الحركة الإسلامية في العراق 1935م ـ 1988م]، ط1، ص412، دار الكوكب، 1441هـ  2020م، بيروت ـ لبنان.

صحيفة الحياة اللندنية، ع (14715) في 8/8/2003.

نفس المصدر السابق.

سنوات المحنة في كردستان، ص277.

كرّاس [تقييم تجربة حزبنا النضالية للسنوات 1968 ـ 1979]، ص21.

حديث مسجّل للسيد مهدي الحكيم، ص85.

المصدر السابق، ص84.

المصدر السابق، ص85.

الإمام محمد باقر الصدر في ذاكرة العراق، ط1، ص365.

المصدر السابق، ص367 ـ 368.

حديث مسجل للسيد مهدي الحكيم، ص86.

المصدر السابق، ص88.

المصدر السابق، ص89.

نفس المصدر السابق.

نفس المصدر السابق.

المصدر السابق، ص87.

المصدر السابق، ص89.

المصدر السابق، ص89 ـ 90.

المصدر السابق، ص90.

نفس المصدر السابق.

نفس المصدر السابق.

نفس المصدر السابق.

علاوي، أياد: بين النيران [محطات في مسيرة أياد علاوي]، ج1، ص162، ط1، دار المدى، 2018م، بغداد ـ العراق.

نفس المصدر السابق.

السيد مهدي الحكيم [رائد الحركة الإسلامية في العراق]، ص479.

اخبار ذات الصلة