• Sunday 29 December 2024
  • 2024/12/29 16:30:34
{دولية:الفرات نيوز} يتعرض موقع "فيسبوك" في السنتين الأخيرتين للكثير من الانتقادات، بسبب المحتوى الذي ينشره بعض المستخدمين، كتصوير الجرائم ولحظات الانتحار، والمواضيع الإباحية والترويج لفكر التمييز والتطرف والكراهية وغيرها.
وكانت واقعة سفاح نيوزلندا آخر ما عرض الموقع للهجوم، بعدما بث الإرهابي الأسترالي بروتون تارانت، في آذار/ مارس الماضي، جريمته الشنعاء مباشرة على صفحته في ”فيسبوك“ لمدة 17 دقيقة كاملة.
لكن وجود مثل هذه المحتويات على موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارًا عبر العالم، لا يعني أن إدارته غافلة تمامًا عن المشكلة ولا تتعامل معها، فهي تكلف جيشًا من الشباب بالتصدي للظاهرة، ينتشرون في العديد من المراكز عبر العالم، ومهمتهم الأساسية تنظيف الموقع من المحتويات الممنوعة، حيث يحملون اسم ”معدل“.
ويقرأ المتصفحون بين الفينة والأخرى، عن قيام ”فيسبوك“ بحذف موضوع ما، أو أن أحد مستخدمي الموقع احتج بسبب حذف منشوره، لكن أغلبهم لا يعرفون من قام بالأمر تحديدًا، ويجهلون تمامًا وجود وظيفة ”المعدل“ {moderateur/moderator}، لأن الشركة العملاقة تحيطها بالكثير من السرية لـ ”حمايتهم“ حسب تعبيرها، كما ترفض الإفصاح عن عددهم وأماكن تواجدهم.
وتمكنت صحيفة ”لوموند“ الفرنسية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 من دخول أحد تلك المراكز في مدينة برشلونة الإسبانية.
ويعمل في المركز أكثر من 800 شخص، حيث سمح ”فيسبوك“ للصحيفة باكتشاف ذلك العالم، لكن ”لوموند“ لاحظت التكتم الشديد للعاملين به، ورغم ذلك استقت شهادات من خارجه، من أشخاص سبق أن شغلوا وظيفة ”منظف فيسبوك“.

والمهمة الأساسية التي يضطلع بها هؤلاء، هي ”تقييم“ التدوينات أو الصفحات التي بلغ عنها المتصفحون، ومدى مخالفتها للمعايير الموضوعة من الإدارة، وبالتالي اتخاذ القرار بحذفها أو تركها.

وحسب شهادة ”ليا“ التي عملت في مركز برلين بين 2015 و2016، تحيط شركة ”فيسبوك“ هذا العمل بالكتمان الشديد، وتقول ”ليا“: ”نوقع في اليوم الأول عقدًا حول السرية، كنت أشعر وكأنني أعمل في ”ناسا“، هناك نوع من الهوس“.

ومقتضى العقد المذكور يمنع على هذه الفئة الإفصاح عن طبيعة عملها في ”فيسبوك“ حتى لأقرب المقربين، كعائلتها وأصدقائها، وطبعًا الابتعاد تمامًا عن الصحافة.
وفي مركز برشلونة، يترك المعدلون كل أمتعتهم عند البوابة، وكذلك هواتفهم وكل متعلقاتهم، وهم مراقبون طيلة مدة قيامهم بعملهم في فضاء مفتوح.
ويستمر عمل المعدلين 8 ساعات في اليوم، ينكبون فيها على رؤية كل المحتوى الذي بلغ عنه المتصفحون، حيث يقول الفرنسي ”ارتور“ الذي كان يعمل السنة الماضية في مركز برشلونة: ”تقضي يومك في مشاهدة أسوأ ما في الإنترنت، ترى صور حيوانات تأكل بعضها، ثم لقطات جنسية، وأشخاصًا يشنقون أنفسهم.. تكون مجبرًا على مشاهدة الخطايا السبع طيلة اليوم“.
وعن أسوأ ما شاهد يقول: ”فيديو لسيدة ممددة على الأرض وهي تتألم، وتشعر فيما يبدو بتشنجات توضح أنها تعرضت للتعذيب، وحولها 4 رجال بدؤوا يضربونها بخنجر على ساقها وهي تصرخ، ثم قطعوا رأسها وعرضوه أمام الكاميرا“.
كما تحدث عن مشاهد تحرش وانتحار، وصراخ رجل تلقى رصاصة في رأسه عن طريق الخطأ، ومقتل أطفال رضع رميًا بالرصاص.
وأوضح ”ارتور“، الذي كان مكلفًا بالمنشورات الفرنسية، أو ”السوق الفرنسي“ كما تسميه الشركة، أن المنشورات بالإسبانية أسوأ بكثير، خصوصًا القادمة من أمريكا اللاتينية، حيث شاهد البعض منها عندما كان يخرج لتدخين سيجارة بالقرب من زميله المكلف بهذا ”السوق“.
كل تلك المحتويات تعرض العاملين في هذه الوظيفة للكثير من التعذيب النفسي، وقال أحدهم في تصريحه لـ ”لوموند“: ”عمومًا لدينا القدرة على ترك مسافة مع العمل، وعدم السماح لمشاعرنا بالتغلب علينا، كما نتحدث عن الأمر كثيرًا بيننا“.
إلا أن هذه القدرة غير متوفرة للجميع، وتقول ”ليا“ بهذا الخصوص: ”البعض استقال بعد بضعة أسابيع لأنه لم يقدر على تحمل ما يرى، الأمر قاسٍ لأنك تنتقل طيلة اليوم من شعور لآخر، يكون الوضع في البداية مقدورًا عليه، لكنك بعدها تشعر وكأنك مجنون، وفي نهاية اليوم لا تفهم أي شعور ينتابك“.
وأضافت ”ليا“: ”المركز الذي كنت أعمل به في برلين كان يشغل الكثير من السوريين الهاربين من الحرب، كانوا مكلفين بـ ”السوق العربي“، وكان عليهم أن يشاهدوا رؤوسًا تقطع طيلة اليوم، وقد تضررت نفسية الكثيرين منهم“.
أما ”ارتور“، فيقول إنه وزملاءه ”كانوا يحاولون التغلب على تلك الصعوبة، بدعوة بعضهم إلى مشاهدة بعض المنشورات المسلية كالفيديوهات الإباحية المجنونة.. كان ذلك يعطي انطباعًا بأن كل شيء على ما يرام وأنه بإمكاننا المزاح، لكن لا شيء على ما يرام“.
وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي، قامت سيلينا سكولا التي عملت كمعدلة في مركز ”فيسبوك“ بكاليفورنيا، بين يوليو/تموز 2017 ومارس/آذار 2018، بوضع شكوى ضد الشركة لأنها صارت تعاني من ”الإجهاد الذي يلي الصدمة“.
ولتعويض المعدلين والتخفيف عنهم، يوفر ”فيسبوك“ في كل مركز أخصائيين نفسيين وقاعة للألعاب، كما يمكنهم من فترة استراحة مدتها 45 دقيقة في الأسبوع، تؤخذ على شكل دقائق متفرقة أو مجتمعة وسط فترة العمل، إلا أن شهادات الوسطاء السابقين تفيد بأن كل تلك الإجراءات غير قادرة على التغلب على الصعوبة النفسية لعملهم.
إضافة إلى ذلك، يوفر ”فيسبوك“ فضاء عمل مريحًا ومعدات حديثة جدًا، كما يدفع لهذه الفئة من موظفيه بسخاء، حيث يقدر راتب الواحد منهم بـ 25 ألف يورو سنويًا، مع اختلاف في المبلغ حسب الجنسيات، وترفض شركة ”فيسبوك“ الإفصاح عن معلومات أكثر بهذا الخصوص.
ومع ذلك، فالكثير ممن يتولون هذه المهمة يتخلون عنها، أو يتم إعفاؤهم من طرف الإدارة لـ ”ضعف المردود“ أو ”لتعدد الأخطاء“، وحتى من يترقون منهم يغادرون، مثل ”ليا“، التي تمت ترقيتها لمنصب يجعلها تراقب وتقيم عمل زملائها، وتقول ”ليا“: ”كان المعدلون يشعرون أحيانًا بالتعب، فيقومون بالضغط على الزر الخطأ، الكثير ممن تم تعيينهم ببساطة يغادرون بعد بضعة أشهر“.
وعند القيام بخطأين أو ثلاثة خلال الأسبوع، يمكن أن تنزل درجات المعدل بسرعة، في البداية تطالب الشركة بـ 95 % من الدقة، وبعدها تطالب بـ 98 %، وهي نسبة يصعب الوصول إليها حسب الشهادات.
لكن المشكلة في تقييم عمل هؤلاء المعدلين، تتمثل في الغموض والارتباك الذي يشوب المعايير التي عليهم اتباعها.
فالمعدل ملزم أمام رؤسائه بتوضيح السبب الذي دفعه إلى حذف أي منشور، على أن يكون سببًا واحدًا لا غير، كالإباحية أو العنصرية أو الإرهاب مثلًا، وعليه أن يشاهد الفيديوهات كاملة مهما كانت قاسية، وأحيانًا تجمع المنشورات بين كل تلك ”الممنوعات“، لكن عليه تحديد واحد منها.
وتقول ”سارا كاتز“ الوحيدة التي قبلت الإدلاء بشهادتها باسم ووجه مكشوف: ”القواعد على ”فيسبوك“ معقدة، فلم أتمكن أبدًا من فهم خطاب الكراهية“.
وتضيف الوسيطة السابقة: ”ليس مارك زوكيربرغ من يتخذ القرار بخصوص كل تدوينة، إنهم أشخاص مختلفون جدًا، بتجارب وآراء مختلفة، ويفسرون مفهوم خطاب الكراهية بشكل متباين“.
وبالنسبة للمعدل السابق ”الفارو“: ”الكثير من المحتويات تبقى غامضة ولا تنطبق عليها أية قاعدة، وهنا نرتكب الخطأ“.
وأضاف: ”ثم إن القواعد تتغير باستمرار، فكل يوم عند فتح البرنامج الذي يعملون عليه، يجد المعدلون قواعد جديدة وضعها المقر الرئيسي لفيسبوك“.
ثم أوضح: ”فتمر أشياء خطيرة بسبب القواعد المنافقة، كتلك التي تمنع عبارة ”المسلمون تافهون“ فيما تسمح بعبارة ”الإسلام تافه“، وعندما تكون لنا شكوك نتحدث إلى الفريق الأمريكي عبر سكايب، لكن الأجوبة تكون في الغالب غير مقنعة، كان لدي شعور دائم بالإحباط و السباحة في الهواء“.
وتختلف نظرة منظفي ”فيسبوك“ لعملهم، فأحد المستجوبين بإذن من الشركة يرى: ”إننا نقدم خدمة لأننا نحمي الناس، نتولى التنظيف وأرى هذا مهم جدًا، نشعر أننا مهمون وعملنا مؤثر فعلًا“.
وعلى عكسه قال زميله السابق ”ارتور“: ”جيد أن يكون لك القدرة على الفعل في بعض الأمور، ثم على شخص ما أن يقوم بهذا العمل، لكن عددنا غير كافٍ، لا أعتقد أن لنا تأثيرًا حقيقيًا، هناك أكثر من ملياري شخص على ”فيسبوك“، لذا لا سلطة لدينا كمعدلين، نحن مجرد بيادق“.انتهى

اخبار ذات الصلة