وأشار السيد محمد رضا السيستاني وهو النجل الأكبر للمرجع الديني الأعلى آية الله العظمى الإمام السيد علي السيستاني إلى أن "الشيخ الأنصاري يمثل نموذجًا فريدًا في العصور المتأخرة، حيث كاد أن يبلغ القمة في ثلاثة جوانب رئيسية: العلم، العقل، والتقوى.
الشيخ الأنصاري: قمة العلم الحوزوي
وأكد السيد محمد رضا السيستاني على عمق علم الشيخ الأنصاري في حقلي الفقه وأصوله، مستدلاً بكتبه القيمة، ولا سيما "الرسائل" و"المكاسب"، التي أصبحت عمادًا في المنهج الدراسي الحوزوي لمرحلة السطح العالي منذ ما يقرب من 150 عامًا. ورغم المحاولات لاستبدالهما، إلا أن من أراد التخصص العالي في الأصول والفقه لا غنى له عنهما.
ولفت إلى أن الشيخ الأنصاري لم يصل إلى هذه المرتبة العلمية إلا بجهد متواصل طيلة حياته المباركة التي لم تتجاوز السبعين عامًا، حيث لم يكن يصرف وقته إلا في العلم والعبادة وما تقتضيه ضرورات الحياة. وحتى في زيارته لكربلاء المقدسة، كان يصحبه جمع من الفضلاء لمذاكرة العلم، حرصًا منه على عدم التعطل عن التحصيل ولو لأيام قليلة.
العقل والحكمة في تدبير الشأن العام
فيما يخص عقل الشيخ الأنصاري وحكمته وبعد نظره في الأمور الاجتماعية، أشاد السيد محمد رضا السيستاني بقدرته على توحيد الحوزة العلمية التي كانت تعاني من انقسامات أسرية حادة، وذلك بعد أن أرجع إليه بالتقليد الشيخ صاحب الجواهر (قدس سره)، في خطوة عظيمة الأهمية بتاريخ المرجعية الدينية.
كما أشار إلى تعامل الشيخ الأنصاري بحكمة بالغة مع الفتن والقضايا التي أثيرت في عصره، ومنها فتنة البابية. وبجانب ذلك، تعامله بعزة نفس عالية مع البلاط الإيراني والحكم العثماني في بغداد، رافضًا الهدايا والأموال، ولا يقبل استقبال المسؤولين الحكوميين إلا لدقائق معدودة وبعد تمنع شديد، مما فرض احترامه البالغ على الجميع. ورفض كذلك قبول "خيرية (أودة) الهندية" التي كانت بيد البريطانيين.
الزهد والتقوى: حياة الفقراء رغم الثروة
وعن زهد وتقوى الشيخ الأنصاري، ذكر السيد محمد رضا السيستاني أنه كان يعيش عيشة الفقراء بالرغم من الأموال الكثيرة التي كانت تأتيه من الحقوق الشرعية. وحكى سماحته قصة رفضه لعرض بعض تجار بغداد بمدّه بماله الخاص، قائلاً: "لقد قضيتُ معظم عمري مع الفقر والفاقة ويعزّ عليّ أن يُمحى اسمي من قائمة الفقراء ويُسجَّل في قائمة الأغنياء في الأيّام الباقية من حياتي."
كما رفض تحمل تكاليف زواج كريمته من ابن أخيه من مال أحد تجار بغداد، وزفها بجهاز يسير جدًا. ومن المواقف التي تدل على زهده، قيامه ببناء المسجد المعروف باسمه في سوق الحويش بمال وهبه له أحد أثرياء إيران لشراء منزل لنفسه، حيث أشار إليه قائلاً: "هذا هو المنزل الذي اشتريته!" وقد توفي الشيخ الأنصاري ولم يملك منزلًا، ولم تتجاوز قيمة تركته 17 تومانًا إيرانيًا، وكان مدينًا بهذا المبلغ، مما استدعى تكفل بعض الوجهاء بمصاريف مجلس فاتحته.
شواهد على الورع والتقوى
وسرد السيد محمد رضا السيستاني من جميل ما يحكى من ورعه، قصة رؤيا أحد الأشخاص للشيطان وبيده حبال ملونة لإضلال الناس، حيث ذكر الشيطان أنه حاول في الليلة الماضية جر الشيخ الأنصاري بها ولكنه حرر نفسه. ولما قص الرجل رؤياه على الشيخ، صدّقه الشيخ الأنصاري وأوضح أنه في تلك الليلة طلب منه أهله حاجة ضرورية ولم يجد إلا بعض سهم الإمام، فأخذ منه ثم تراجع وندم وأعاد المال إلى مكانه.
ومن القصص التي تدل على ورعه واحترامه لوالدته، عندما سألته أمه عن سبب تضييقه على أخيه الشيخ منصور رغم كثرة الأموال، فأعطاها مفتاح صندوق الأموال وطلب منها أن تأخذ لأخيها ما تشاء ولكن عليها حساب ذلك يوم القيامة، فتراجعت عن كلامها.
كما ذكر السيد محمد رضا السيستاني موقفًا آخر عندما سمع طفلته تقول لأمها إن بنات الناس يأتين إلى مكتب القرآن بأنواع المأكولات وأنت تعطين لنا لفة خبز مع قليل من الكراث، فأشار على أم الطفلة أن تعطيها غدًا لفة الخبز خالية من الكراث لكي تستذوق الخبز مع الكراث ولا تطالب بأكثر من ذلك.
وفي ختام كلمته، أكد السيد محمد رضا السيستاني أن هذه النماذج من زهد وورع الشيخ الأنصاري، هي نظير للعديد من علمائنا الأبرار، داعيًا الله تعالى أن يوفقنا للاقتداء بهم والاستضاءة بسيرتهم.