• Friday 22 November 2024
  • 2024/11/22 04:25:18
{تقارير: الفرات نيوز} تقرير: عمار المسعودي

ما أن اندلعت الحرب في أوكرانيا ظهرت أرقاماً مخيفة حول مدى اعتماد معظم الدول العربية بينها على القمح الأوكراني والروسي في توفير رغيف الخبز لشعوبها لاسيما مع استمرار الجفاف ونقص مصادر المياه والأمطار في زراعة الحنطة.

وتمثل روسيا وأوكرانيا نحو 30% من صادرات القمح العالمية مجتمعة، والبلدين هما موردان مهمان بشكل خاص للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا، ولكن الصراع المستمر أثار مخاوف من النقص العالمي وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وعلى الرغم من قلة اعتماد العراق على الحنطة الاوكرانية لكنها بقيت تشكل هاجساً في زيادة الطلب العالمي على المصادر الأخرى وارتفاع أسعارها.

وبالفعل واصلت أسعار القمح الارتفاع هذا الأسبوع إلى أعلى مستوى لها، والذي لم يحدث منذ 14 عامًا، وسط مخاوف من تداعيات استمرار الصراع المتصاعد بين روسيا وأوكرانيا على أسعار المواد الغذائية وسط موجة التضخم العالمية.

وقفزت أسعار القمح بنسبة 37٪ فيما ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 21٪ حتى الآن في عام 2022 بعد ارتفاعها بأكثر من 20٪ طوال عام 2021 بالكامل، وفقًا لمجلة فوربس الاقتصادية.

وأفادت وزارة التجارة العراقية، بحاجة البلاد الى مليوني طن من القمح، لتأمين سلته الغذائية وخزينه الستراتيجي، مشيرة الى توفر 40 مليون دولار حالياً لاستيراد 50 ألف طن فقط.

وقال المتحدث باسم الوزارة محمد حنون :"وزارة التجارة قلقة من استمرار الازمة في اوكرانيا، وان لا يحقق الموسم التسويقي اهدافه، وبالتالي تبقى الحاجة الى تسويق كميات من القمح للبطاقة التموينية".

أما بخصوص الدول التي يستورد العراق منها القمح، غالباً، فقال حنون، أن "العراق، غالباً يستورد القمح من دول استراليا والولايات المتحدة الأميركية وكندا".
وألحق الجفاف هذا الصيف أضرارا بمحصول القمح العراقي، كما قال رئيس مجلس الحبوب في 11 كانون الأول الماضي، إن "العراق يعتزم استيراد مليوني طن من القمح العام المقبل".

ومع تداعيات أستمرار الحرب شرق أوروبا بدأ العراق بالفعل في البحث عن أسواق جديدة نتيجة عدم اليقين والاستقرار بالنسبة لمصدري الحبوب للبحر الأسود نتيجة التوترات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا حسب منصة {S&P Global Platts}.

وذكرت المنصة في تقرير لها ؛ انه "بسبب حالة عدم اليقين، فإن بعض دول الشرق الأوسط مثل العراق تبحث في مواقع أخرى غير البحر الأسود للحصول على قمحها".

واضافت أن "العراق اشترى مؤخراً حوالي 150 ألف طن متري من القمح الأسترالي عالي الجودة"، مبينة ان "الأرجنتين اصبحت أيضًا منافسًا رئيسيًا لقمح البحر الأسود فيما يتعلق بأسواق الشرق الأوسط".

وبالعودة لوزارة التجارة، فأنها طمأنت العراقيين على رغيف خبزهم والقوت الذي لا يمكن الاستغناء عنه في موائدهم.

وقال وزير التجارة الجبوري في مؤتمر صحفي مع الكادر المتقدم في الوزارة عقده في بغداد اليوم الأحد:"لدينا خطة لمواجهة ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً التي انعكست مباشر وغير مباشر على الأسعار محليا".

وأضاف "نطمئن المواطنين بان وزارة التجارة ستوزع الطحين والسلة الغذائية بشكل مستمر" مؤكداً  انها "جاهزة وجادة في التعامل مع ارتفاع الأسعار". 

وبين انه "ومنذ العامين الماضيين لم نستورد مادة الحنطة ولكن خلال الأسبوعين المقبلين ستصل الحنطة الاسترالية الى مخازننا ولا يوجد تأثير مباشر على عملية الاستيراد لكن هناك ارتفاع بتكلفة النقل" مبينا ان "ارتفاع الاسعار وانخفاضها يتعلق بجملة عوامل ومتغيرات العرض والطلب والكلف وتعامل التجار لكن لم نسجل ارتفاعا كبيراً في الأسعار".

وحذر خبير اقتصادي من تداعيات الحرب الروسية – الاوركانية على سلة الغذاء العالمية وكذلك العراقية.

وتساهم روسيا وأوكرانيا سنوياً بأكثر من ربع الصادرات العالمية من القمح، أي بنحو 55 مليون طن، وحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية "الفاو" فإن القسم الأكبر منها يتم شحنه عبر البحر الأسود إلى مختلف الوجهات وعلى رأسها الدول العربية التي أضحت في مقدمة دول العالم استيراداً للقمح الروسي والأوكراني.

ويقول الخبير رشيد السعدي لوكالة {الفرات نيوز} :"ستكون هناك تبعات كبيرة جدا على الاقتصاد العراقي كون البلدين تشاركان بقوة في تامين سلة الغذاء العالمي في مجال القمح كذلك البقوليات التي يصدر منها بكميات كبيرة الى الشرق الاوسط والعراق".

ولفت الى ان "أوكرانيا في أزمة وحصار ما يؤثر على تصدير الكميات المنتجة لديهم وكذلك الانتاج ما سيؤثر على ارتفاع الأسعار". 

وبين السعدي ان "أغلب المنتجات من {المواد الأولية} هي ذات مناشئ أجنبية وارتفعت أسعارها ما ستنعكس على السعر المنتج" داعياً الى "تعزيز موارد الدولة من قطاعات أخرى كالسياحة الدينية وغيرها".

وعلى الصعيد السياسي يتفاعل معظم العراقيين مع الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، لكن تفاعلهم لا يشبه ربما الاهتمام الذي تبديه شعوب أخرى بالحرب الدائرة هناك إذ إن العراقيين، وعلى امتداد أكثر من أربعة عقود، اختبروا معظم فظائع الحروب، ويدركون تماماً مآسيها وما تخلفه من موت وخسائر وفرار للسكان من منازلهم بعيداً عن جحيمها وويلاتها.

أما على المستوى الرسمي، فلا تبدو السلطات العراقية مؤيدة للحرب، لكنها وبحكم ظروف البلاد والتعقيدات المرتبطة بمسارها السياسي، تمارس قدراً من "الحياد"، ومحاولة تجنب أي أضرار محتملة تسببها المواقف السياسية.

وفي هذا الإطار، امتنع العراق، على المستوى الدبلوماسي، الأربعاء الماضي، عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي "يطالب روسيا بالتوقف الفوري عن استخدام القوة ضد أوكرانيا".

وكان العراق من بين الدول الـ35 التي امتنعت عن التصويت، وهو ما أثار تساؤلات حول موقف بغداد من الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وفي مطلع شباط الماضي، أكدت وزارة الخارجية العراقية على التزامها "الحياد" في جميع النزاعات ومنها الأزمة الروسية الأوكرانية.

وأكدت الوزارة، في بيان، على ضرورة التمسك بالطرق الدبلوماسية لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، فيما أشارت إلى أهميّة مواصلة عقد الاجتماعات الخاصة بالمشاورات السياسية.

كما حذّر وزير الخارجية ، فؤاد حسين، في حوار صحفي أمس، من تأثر المنطقة العربية بنيران الحرب الأوكرانية - الروسية، متوقعاً أن تواجه دول العالم مجدداً المعادلة الخانقة: "إما أن تكون معي أو ضدي" وطالب بتغليب لغة الحوار.

غير أنه وعلى المستوى الاقتصادي، أظهر البنك المركزي العراقي قدراً أكثر جرأة حين اقترح على الحكومة عدم إبرام أي عقود جديدة، وتعليق التعاملات المالية مع روسيا عقب فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على موسكو.

وقال البنك في وثيقة رسمية صادرة عنه وموجهة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، :"نود إعلامكم أنه بسبب الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، قامت وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على مؤسسات مالية واقتصادية روسية، لغرض الحد من قدرات روسيا في الحرب".

وأضاف أنه وبهدف "حماية النظام المالي العراقي، فإننا نقترح التريث في الوقت الحاضر في إبرام أي عقود حكومية مع الجانب الروسي، والتريث في تحويل أي مدفوعات مالية من خلال النظام المالي في روسيا".

وعلى الرغم من الغموض الذي يحيط بموقف الحكومة من مقترح البنك المركزي، إلا أن المرجح التزامها بذلك، لخشيتها من العقوبات الأميركية.

وسبق أن التزمت بغداد بعدم التعامل المالي مع طهران في القضايا التي لم تحصل فيها استثناءات أميركية، مثل شراء الطاقة والكهرباء والغاز من الجانب الإيراني.

وتمتلك روسيا استثمارات كبيرة في مجال الطاقة في العراق، بلغت حوالي 14 مليار دولار، بحسب تصريحات السفير الروسي في العراق قبل أيام.

ولدى روسيا أيضاً اتفاقات وتعاملات تتعلق بالتجهيزات والمعدات العسكرية مع بغداد.

ويرى المحلل السياسي باسم القزويني ان العراق يحاول ان "ينأى بنفسه" عن المواقف الدولية المتجاذبة.

وقال القزويني لوكالة {الفرات نيوز} :"العراق في الأعوام الاخيرة استطاع ان يغير من مرحلة نقل رسائل المعقدة واستطاع ان يفضي برؤية مشتركة على المستوى الاقليمي".

وبين ان "الاستقرار الاقليمي هو البوابة الرئيسة للاستقرار الدولي وهذا ما أعتمد عليه العراق بعدة قضايا عبر ألتزاماته المالية وتسديد تعويضات الكويت عن الغزو وبالتالي هو ينأى بنفسه عن المشكلات التي تدور في أوروبا التي تقع في اقطاب صراعات بين الدول العظمى".

وشدد القزويني :"بالتاكيد هذا ينعكس على مدى استمرار الحكومة الجديدة على النهج الحالي بمعنى كلما ذهب العراق باتجاه سياسة الحكمة والقوى الهادئة بالتاكيد سينفعه على المستوى الدولي وسيدعمه على ملفات حماية ملف الطاقة وملف الأمن الغذائي".

بينما توقع المحلل السياسي إحسان الشمري ان يتغير الموقف الحكومي من الازمو الوكرانية نظراً لتطورات الوضع على الأرض.

وقال الشمري في تصريح صحفي إلى أن الشارع العراقي "لا يتفق مع موقف الحكومة ويريدها أن تدين الحرب، لأن العراقيين يكرهون الحرب واستخدام السلاح لحل النزاعات".

ويعتقد أن "الموقف العراقي سيتغير مستقبلا مع تطور مجريات الحرب على الأرض".

يجري ذلك كله على الرغم من الارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الغذائية في العراق، الذي شكا منه أغلب المواطنين، الذين أكدوا أن الأسعار ارتفعت خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير.

وأكد عضو غرفة تجارة بغداد علي الفتلاوي أن "الحديث عن عدم تأثر السوق العراقية بالحرب في أوكرانيا مجاف للواقع".

وبين، أن "التأثيرات قد لا تكون مباشرة على السوق العراقية، إلا أنها ستلامسها بالصميم، إذ إن أوكرانيا وروسيا من أكبر الدول المنتجة للحبوب وغيرها من المواد، والعراق وإن كان لا يستورد منهما بشكل كبير أو مؤثر، إلا أن التأثيرات العالمية بارتفاع الأسعار ستظهر عليه".

ويعد العراق من البلدان التي تعتمد بشكل شبه كلي على المواد الغذائية المستوردة، لا سيما مع عدم وجود دعم للزراعة والمصانع، فضلا عن أزمة المياه التي تعاني منها البلاد.

اخبار ذات الصلة