في زمن الغيبة الكبرى لصاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، يتحمل المؤمنون واجباتٍ عظيمة تمهيدًا لظهوره المبارك، وإدخالًا للسرور على قلبه الشريف. ومن بين هذه الواجبات التي ينبغي أن تكون نصب أعيننا دائمًا، يمكن التركيز على النقاط التالية:
. التقوى: أساس العلاقة مع الله والإمام
التقوى هي الركيزة الأساسية التي يجب أن يتحلى بها كل مؤمن منتظر. العمل بالواجبات الدينية والابتعاد عن المحرمات ليس مجرد واجب شرعي، بل هو رسالة حب وولاء لإمام زماننا (عج). كل ذنب أو معصية يرتكبها المؤمن تُدمي قلب الإمام الحجة (عجل الله فرجه)، خاصة إذا كان المتوقع من "الجماعة الصالحة" أن يكونوا قدوة للمجتمع.
القرآن الكريم أكد على أهمية التقوى في أكثر من آية، منها قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" . كما قال سبحانه: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" .
لتحقيق التقوى، يجب على المؤمنين الابتعاد عن البيئة غير الصالحة التي قد تولد الأفكار والأفعال المحرمة، والسعي لتأسيس بيئة مهدوية صالحة تعكس رضا الله والإمام المنتظر، وتكون جاهزة لدعمه وإسناده عند الظهور.
2. الاستعداد للظهور: التدريب الروحي والعملي
على المنتظِر أن يجعل الاستعداد لظهور الإمام (عج) همًّا وغمًّا له، وأن يروض نفسه على الطاعة الكاملة للإمام عند ظهوره. هذا الأمر لا يجب أن يكون مجرد فكرة عابرة، بل يجب أن يتصور المؤمن دائمًا: ماذا سيكون دوري إذا كان الظهور غدًا؟
المؤمن مطالب بأن يشرك الإمام في كل عمل ومهمة يقوم بها خلال يومه، ليتعود على وجود الإمام في تفاصيل حياته اليومية. هذا التمرين الروحي يساعد في التحضير النفسي والعملي لعملية الظهور.
بالإضافة إلى الجانب الروحي، يحتاج الإمام (عج) إلى جنود نشطين وفاعلين في المجتمع. لذلك، على المؤمنين تعويد أنفسهم على العمل الدؤوب والابتعاد عن الكسل والملل، حتى يكونوا قادرين على مواكبة متطلبات المرحلة المقبلة. يقول الإمام علي (ع): "المؤمن قليلٌ كسله، دائمٌ نشاطه" . ويقول الله تعالى: "وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ" .
3. اتباع المرجعية الرشيدة: ولاية مستمدة من الإمام
في زمن الغيبة، تمثل المرجعية الدينية الرشيدة النائب الشرعي للإمام الحجة (عج). على المؤمن أن يلتزم بتعاليم وإرشادات وفتاوى المرجعية، معتبرًا إياها الطريق الصحيح الذي يقوده إلى رضا الله والإمام.
قال الإمام المهدي (عج): "وأمَّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجَّتي عليكم، وأنا حجَّة الله" .
تتكوّن الحلقة هنا من أربعة عناصر: (الله، ثم الإمام الحجة، ثم المراجع العظام، وثم العوام). ولاية المرجع في الأمور الشرعية مستمدَّة من ولاية الإمام على الأمة، حيث قال الإمام الحسن العسكري (ع): "فأما من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مخالفًا لهواه، مطيعًا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه" . ويكون تشخيص هذه الخصال تجاه المرجع من قِبَل أهل الخبرة في الحوزة العلمية الشريفة.
4. الدعاء بتعجيل الفرج: رسالة اشتياق وحب
قال الإمام الحجة المنتظر (عج): "أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ في ذلك فرجكم" . دورنا هو أن نكثر من الدعاء بالفرج، وألا نملَّ من ذلك مهما طال الانتظار والاشتياق، وأن نلتزم بالتقوى عمليًّا وفعليًّا. وقد دعانا الله لذلك في كتابه المبين: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" .
نسأل الله أن يجعلنا من الثائرين لدم الحسين (ع)، في ركب الإمام المهدي المنتظر (عج).