وفي لفتة تضامنية مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لإبادة جماعية في قطاع غزّة منذ أكثر من أربعة أشهر، أطلق القائمون على الدورة اسم فلسطين؛ التي تحضر في المعرض على أكثر من مستوىً؛ بدءاً من الملصق الذي تَظهر فيه شابّةٌ تتوشّح الكوفية الفلسطينية وتحمل كتاباً عنوانه "فلسطين"، وتقف أمام طاولةٍ تضمّ كُتباً أُخرى عن فلسطين، وصولاً إلى الفعاليات والأنشطة التي تُخصَّص للقضية الفلسطينية في أبعادها المختلفة.
وقُبَيل أيّام من موعده، أطلق منظّمو المعرض، الذي يُقام في أرض "معرض بغداد الدولي" بالتعاون مع "الاتحاد العامّ للأدباء والكتّاب" وبالتنسيق مع "جمعية الناشرين والكتبيّين"، حملةً تتضمّن نصب لوحات كبيرة في شوارع بغداد الرئيسية للإعلان عنه، إلى جانب حملة عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط للترويج للدورة الجديدة؛ وإنّما للتعريف، أيضاً، بجوانب من تاريخ فلسطين وثقافتها، ولتبيان معنى تخصيص هذا الحدث الثقافي لفلسطين.
ونشرَت صفحة المعرض على فيسبوك تصريحات لمثقّفين عراقيّين تحدّثوا فيها عن أهمّية الحضور الاستثنائي لفلسطين في التظاهرة؛ فهذا الكاتبُ والشاعر علي الفوّاز يَعتبر أنّ "اختيار فلسطين ضيفَ شرف في المعرض تأكيدٌ على ضرورة اختيار الموقف المسؤول الذي يتغذّى بالمعرفة وبالتنوّع الثقافي"، وهذا القاصّ والروائيّ محمّد خضيّر يتحدّث عن أهمّية الكتاب الورقي في "التعبير عن قضايا الواقع وآفاق الكفاح والقضية الفلسطينية التي تكتسب اليوم اهتماماً إضافياً يتجلّى في روح التضامن العالمي مع أهل غزّة"، وهذه الباحثة والأكاديمية لاهاي عبد الحسين تُؤكّد أنّ القضية الفلسطينية هي "قضيةُ إنسان وأرض واحتلال وتجاوز. ولا شكّ أن الكتاب وسيلةٌ مهمّة لكشف الحقائق وإسقاط التزييف". ونقرأ على لسان الشاعر عمر السراي أنّ اختيار ثيمة فلسطين يجعل من المعرض "منبراً للدفاع عن حقّ الشعب الفلسطيني ونصرة كلّ الشعوب التي عانت ولا تزال من القسوة المشهودة من العالَم".
وكان لافتاً، هنا، تحوُّل الصفحة إلى مساحة تفاعُلية حول فلسطين، من خلال وقفات عند ملامح من تاريخ فلسطين وثقافتها، وبعض تقاطعاتهما مع العراق؛ ومن ذلك منشورٌ عن الكوفية الفلسطينية يُشير إلى أنّ اسمها مشتقٌّ من مدينة الكوفة العراقية حيث كانت تُصنع، و"توفّرت في العقود الأُولى من القرن الماضي بكثرة في الأسواق الفلسطينية، ثم صارت مقترنةً بالفدائيّ وسلاحه؛ حيث استخدمها المقاتلون ضدّ الانتداب البريطاني آنذاك لإخفاء ملامحهم"، وآخر عن محمّد مهدي الجواهري الذي كان "من أوائل الشعراء العرب الذين أَولوا اهتماماً بالقضية الفلسطينية و كتبوا عنها"، مع بيتٍ من قصيدته "فلسطين الدامية"، التي كتبها عام 1929، يقول فيه: "لو استطعت نشرتُ الحزن والألما/ على فلسطين مسودّاً لها علما".
وإلى جانب ذلك، تنشر الصفحة معلوماتٍ عن عناصر من رموز الهوية الثقافية الفلسطينية؛ مثل شجرة الزيتون، وأُكلات المسخّن والسُماقية والمقلوبة والمفتول والجريشة، ومعلومات مرتبطة بالحضور الفلسطيني في العراق، مثل "حي فلسطين" في بغداد، وأكبر مجمع سكني للفلسطينيّين فيها، إضافةً إلى تعريفات بمفكّرين وشعراء وكتّاب فلسطينيّين؛ مثل فدوى وإبراهيم طوقان، وغسّان كنفاني، وناجي العلي، وإدوارد سعيد، واقتباسات من نصوصهم.
وبالتزامن مع الدورة الرابعة من المعرض، خصَّصت مؤسّسة "المدى" حلقاتٍ من البرنامج التراثي "فرد حجاية"، الذي تبثّه عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي ويُقدّمه رفعت عبد الرزاق، للقضية الفلسطينية؛ حيث تناول في حلقةٍ بُثّت قبل أيّام مناصرة العراقيّين للحقّ الفلسطيني ومظاهره الثقافية والشعبية والرسمية منذ البداية وإلى اليوم.
وقال ياسر السالم، المدير الإعلامي للمعرض في تصريح صحفي، إنّ من "المنطقي أن تحمل الدورة الرابعة اسم فلسطين. من المعروف أنّ العراق، سواء على الصعيد الشعبي أو السياسي، من أكثر البلدان تضامناً مع قضية الشعب الفلسطيني، ليس منذ بدء العدوان الإسرائيلي الحاليّ على غّزة، بل هو تضامنٌ يمتدّ عبر تاريخ القضية. ومن جهة أُخرى، فإنّ 'مؤسَّسة المدى' تُولي اهتماماً خاصاً للقضية الفلسطينية، وقد أسهمت في عدد من المبادرات المحلّية من أجل التضامُن مع الشعب الفلسطيني خلال هذه الفترة".
يذكُر السالم أنّ الدورة تستضيف أسماء من فلسطين وبلدان عربية وأجنبية مختلفة للمشاركة في برنامج ثقافي يُكرَّس في معظمه لمناقشة القضية الفلسطينية؛ حيث "ستُقام ندوت وجلسات نقاشية حول القضية، والأدب الفلسطيني، وأدب المقاومة، إلى جانب إبراز الثقافة والهوية الفلسطينية من خلال مرسم ومعارض صور ومنحوتات ومعرض للتراث الشعبي الفلسطيني وعروض موسيقية ومسرحية".
وعن أهمّية التضامن الثقافي مع فلسطين في ظلّ ما تشهده غزّة من حرب إبادية مستمرّة منذ أكثر من أربعة أشهر، يوضّح المتحدّث: "ليس التضامن بالقضية الهيّنة أو البسيطة، لما له من تأثير معنوي كبير في الشعب الفلسطيني المُناضِل، وفي تعزيز التضامن الدولي من أجل القضية الفلسطينية"، مُضيفاً: "لا شكّ أنّ رفْع اسم فلسطين والحديث عن قضيتها في معرض تزوره حشود من القرّاء ويُشارك فيه كتّاب وناشرون من بلدان مختلفة من شأنه أن يؤثّر في وعي الكثيرين حول القضية ويدفعهم إلى التفاعل معها".
ويلفت السالم إلى أنّ القائمين على "معرض العراق الدولي للكتاب" حاولوا الاستفادة من نقائص الدورات الثلاث السابقة، وعملوا على أن يكون هناك تنوّعٌ أكبر في المشاركين في الدورة الجديدة. ومن بين الأسماء العربية التي تحضر في هذه الدورة: الكاتب والمؤرّخ اللبناني فواز طرابلسي، والروائي العراقي علي بدر، والروائي الفلسطيني ربعي المدهون، والروائي الكويتي سعود السنعوسي، والكاتبة والصحافية بدرية البشر، والكاتبة والشاعرة العُمانية بشرى خلفان.