ويرجع مختصون انتشارها إلى أسباب اقتصادية وثقافية واسرية ونفسية محيطة بالأطفال الذين يتخذون الاماكن العامة كالحدائق أو أماكن مهجورة مأوى لهم ما يشكل خطرا كبيرا على المجتمع كونهم يخالطون المشبوهين والمنحرفين.
وتقول قاضي محكمة تحقيق الاحداث في محكمة استئناف بغداد - الكرخ هناء عباس إن "المشرع العراقي عالج ظاهرة التشرد في قانون رعاية الاحداث رقم 76 لسنة 1983 في المواد (24و 25 و 26 و 27 و 28) منه حيث يعتبر الصغير أو الحدث مشردا اذا وجد متسولا في الاماكن العامة أو تصنع الاصابة بجروح أو عاهات أو استعمل الغش كوسيلة لكسب عواطف الجمهور بقصد التسول، واذا مارس متجولا صبغ الاحذية أو بيع السكائر أو اية مهنة اخرى تعرضه للجنوح وكان عمره اقل من خمس عشرة سنة".
وتضيف عباس في مقابلة مع "القضاء" أن "كل شخص لم يكن له محل إقامة معين أو اتخذ الأماكن العامة مأوى له، ولم تكن له وسيلة مشروعة للتعيش وليس له ولي امر أو مرب، وترك منزل وليه أو المكان الذي وضع فيه بدون عذر مشروع، كما يعتبر الصغير مشردا اذا مارس أية مهنة أو عمل مع غير ذويه".
وبينت أن "المادة (25) اعتبرت الصغير أو الحدث منحرف السلوك إذا قام بأعمال في اماكن الدعارة أو القمار أو شرب الخمور ومخالطة المشردين أو الذين اشتهر عنهم سوء السلوك"، مبينة أن "المادة (26) اشارت إلى أنه اذا وجد الصغير أو الحدث في الحالات المبينة للمادتين (24و25) من هذا القانون فان قاضي التحقيق يحيله لمحكمة الأحداث التي تصدر قرارها النهائي بعد تسلم تقرير مكتب دراسة الشخصية والذي نص على تسليم الصغير أو الحدث الى وليه ليقوم بتنفيذ ما تقرره المحكمة من توصيات في ضوء تقرير مكتب دراسة الشخصية لضمان حسن تربيته وسلوكه بموجب تعهد مالي مناسب، وكذلك تسليم الصغير او الحدث عند عدم وجود ولي له الى قريب صالح بناء على طلبه، إضافة إلى انه يجوز للمحكمة ان تقرر متابعة تنفيذ التعهد من قبل مراقب السلوك".
ولفتت قاضي محكمة تحقيق الأحداث إلى أنه "في حال أخل الولي أو القريب بشروط التعهد الذي تم بموجبه تسليم الحدث أو الصغير اليه فعلى المحكمة الزام المتعهد بدفع مبلغ الضمان كلا او جزءاً، وايداع الصغير أو الحدث في دور الدولة المخصصة لكل منهما المنصوص عليها في قانون الرعاية الاجتماعية أو اية دار اجتماعية اخرى حددت لهذا الغرض، مؤكدة أنه "اذا كان الصغير أو الحدث المشرد مصابا بتخلف عقلي فعلى محكمة الاحداث أن تقرر إيداعه في أحد المعاهد الصحية أو الاجتماعية المعدة لهذا الغرض".
وتابعت القاضي هناء عباس أن "المادة (27) أشارت إلى أنه اذا ظهر للصغير او للحدث المودع وفقا لاحكام المادة (26) من هذا القانون قريب له وطلب تسليمه اليه فعلى محكمة الاحداث بعد مراعاة مصلحة الحدث ان تسلمه اليه لضمان حسن تربيته وسلوكه بموجب تعهد مالي مناسب، كما يجوز للمحكمة أن تراقب تنفيذ التعهد بواسطة مراقب سلوك أو باحث اجتماعي لمدة تنسبها، واذا لم يظهر للصغير او الحدث قريب وطلب شخص مليء (غني مقتدر) متحد في الجنسية والدين مع الصغير أو الحدث تسليمه اليه لتربيته وتهذيبه، فلمحكمة الاحداث ان تسلمه اليه لضمان حسن تربيته وسلوكه بموجب تعهد مالي مناسب وعلى المحكمة ان تراقب تنفيذ التعهد بواسطة مراقب سلوك او باحث اجتماعي لمدة تنسبها".
فيما يقول القاضي كاظم الزيدي إن "الأطفال هم الضحية الاكبر للتشرد بعدما ازدادت هذه الظاهرة في الكثير من المدن مستغلين ذلك (الطفل) لعوامل اجتماعية ونفسية، الامر الذي يؤدي الى انحراف السلوك، فيما يعتبر الصغير أو الحدث منحرف السلوك عند قيامه بالعمل في اماكن الدعارة أو القمار أو شرب الخمور ومخالطة المشردين أو الذين اشتهر عنهم سوء السلوك وكان مارقا على سلطة وليه والاخطر من ذلك استغلال هؤلاء الأطفال جنسيا وهذا ما يدفع إلى القلق ويتوجب على الجهات المختصة للبحث عن الحلول المناسبة للقضاء أو الحد من هذه الظاهرة ".
وأضاف الزيدي أنه "من اجل اتخاذ التدابير التأديبية والجزائية لاعادة تكييف الحدث مع مجتمعه ومن اجل اصدار قرار سليم و ملائم لخطورة المتهم المنحرف فيحتاج ذلك الى دراسة شخصيته الشاملة منها الاجتماعية والنفسية والطبية والبدنية كي تسهل مهمة القاضي"، مبينا أن "شرطة الأحداث تتولى البحث عن الصغار الضالين والهاربين من أسرهم في اماكن جذب الاحداث كالمقاهي ودور السينما وتقوم بإبعادهم عن المناطق الخطرة وإيصال الحدث إلى ذويه ويتم فور القبض عليهم إحضارهم أمام قاضي تحقيق الأحداث وتسليمهم الى ذويهم كونها ظاهرة مؤسفة وتمثل خطورة اجتماعية تنذر بوقوع الجريمة".
وتابع أن "هناك وسائل وقائية يجب القيام بها لحماية الحدث من التشرد وهذه الوسائل لابد من اتباعها جهات ذات علاقة تبدأ من الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية وإتباع أساليب وقائية حديثة للحفاظ على الحدث والمتشرد من خلال الرعاية الصحية والرعاية التربوية والاقتصادية وتوفير العيش السليم بعيدا عن التفكك والتصدع العائلي واستقرار الوضع الاقتصادي للاسرة وحسن سيرة وسلوك الوالدين وترسيخ هذه الخلق في ابنائهم كون الاسرة الخالية من الانحرافات هي الوسيلة الوقائية لحماية الحدث من التشرد، كما يجب الاهتمام بالمؤسسات التي تعنى بالاحداث والتمييز بين الانحراف والجريمة".
كما يؤكد القاضي كاظم الزيدي أن "للبحث الاجتماعي دورا كبيرا من خلال التقرير المفصل لمعرفة ظروف معيشة الحدث والتي ادت الى تشرده، كما يجب الاهتمام بالبحث الاجتماعي المتواجد في المدارس وتفعيل دوره وزيادة اعداد الباحثين الاجتماعيين والاهتمام بالكوادر العاملة بالمؤسسات الاجتماعية والمؤسسات الاصلاحية الخاصة بالاحداث خاصة ان الحالات التي اوردها قانون رعاية الاحداث العراقي بشان الحدث المشرد ومنحرف السلوك لم يكن طرح تلك الحالات جزافا وانما هي وليدة البيئة بحيث اوجد معالجة لتلك الحالات وفقا للقانون ولم يقتصر على المعالجة وانما سعى الى الوقاية وحماية الحدث من الجنوح".
بدورها تتحدث الباحثة الاجتماعية في محكمة الاحوال الشخصية في الكرخ السيدة وئام حاتم عن ان "بعض الجهات الحكومية تتحمل مسؤولية زيادة حالات المشردين في البلد لعدم احتضانهم وتقديم كل ماهو مطلوب لهم من خدمات ومأوى وغيرها من التفاصيل ليتماشى مع الحياة اليومية ، الامر الذي يؤدي الى استغلالهم من قبل الجماعات الارهابية والمتطرفة والعصابات المنظمة ما يؤثر بشكل واضح على شرائح كبيرة من المجتمع لوجود قسم كبير منهم دون راتب وعدم شمولهم باجراءات شبكة الحماية الاجتماعية فضلا عن انتشار الجهل والتخلف كون اغلب المشردين تاركين للدراسة ولا يجيدون القراءة والكتابة ، فضلا عن هناك اسباب اخرى تتمثل بفقدان الاب نتيجة الوفاة أو الحروب أو الحوادث الارهابية"، مبينة أن " للحد منها أو التخفيف يتطلب تضافر الجهود من خلال الخطط المعدة والكفيلة من الجهات المسؤولة لانتشال هؤلاء وتوفير بيئة مناسبة لهم".
عمار المسعودي