تعرّضت صناعة الطباعة في العراق لضربة قوية إثر جائحة فيروس كورونا، وهي المثقلة أصلا بالمتاعب منذ اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي الساحة وزاد الاعتماد على الشبكة العنكبوتية في الحصول على المعلومات والأخبار.
ويقول المحررون والناشرون إن مؤشرات الإيرادات هوت بشدة بفعل تراجع الإعلانات، مما اضطرهم لتقليل صفحات منشوراتهم.
ويقول مدير دار المدى للطباعة والنشر بهاء عبد الستار إن حجم التوزيع لصحيفة المدى ومعظم المؤسسات الإعلامية التي تطبع الصحف والمجلات والكتب، هوى إلى الربع مقارنة بمبيعات ما قبل فيروس كورونا.
وبالإضافة إلى الصحيفة الورقية، تدير دار المدى للنشر إصدارات خاصة أخرى، إضافة إلى محطة إذاعية. وبعد تفشي الفيروس، يقول المديرون إنه تم تسريح عدد كبير من الموظفين، بينما تعرّض آخرون لاقتطاع أجزاء من رواتبهم.
ويقول المحرر بالصحيفة رفعت عبد الرزاق إن الصحافة العراقية واجهت موجات من الأزمات على مر السنين، لكن جائحة كورونا هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وهي التي أدخلت الصحافة في مرحلة الرمق الأخير، وأكّد أن العد التنازلي الحقيقي للصحافة قد بدأ.
وفي أعقاب إجراءات العزل العام بسبب كورونا في العراق في مارس/آذار الماضي، أُغلقت الصحيفة بشكل مؤقت حسبما يقول عبد الرزاق، واضطرت لنشر نسختها المطبوعة على موقعها الإلكتروني.
ويقول موقع الصحيفة على الإنترنت إن عشرات الآلاف من العراقيين يزورون منصة الجريدة يوميا، لكن المحررين يقولون إن هذه الأرقام تصعب ترجمتها إلى مكاسب وأرباح، وذلك لأن الإنترنت شحيح الإعلانات.
وعندما اندلعت الاحتجاجات في أنحاء البلاد في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تسلم الصحافة العراقية من التوابع، فقد داهم مسلحون مجهولون مكاتب وسائل الإعلام المحلية والإقليمية بسبب تغطيتها لتلك الاحتجاجات، وندد قادة العراق بالهجمات على وسائل الإعلام، لكن لم يتم التعرف على مرتكبيها.
وقالت لجنة حماية الصحفيين التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها -في نوفمبر/تشرين الثاني 2019- إن هيئة الاعلام والاتصالات في العراق أمرت بإغلاق 12 منفذا إخباريا إذاعيا.
واحتل العراق المرتبة 162 في المؤشر العالمي لحرية الصحافة عام 2020، الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود".
ويشعر حتى المواطن العادي في العراق بمعاناة الصحافة الورقية والكتب وصناعة الطباعة بشكل عام، ويقول المواطن علاء خضير "بدلا من شراء جريدة قمت بتصفح الإنترنت… وهكذا فإن حظر التجول وفيروس كورونا ووسائل التواصل الاجتماعي أبعدت المواطن العراقي والعائلة العراقية عن المكتبات".
لكن مواطنا آخر قال إن للصحيفة مذاقها الفريد ومكانتها الخاصة، مهما تمدد الفضاء الإلكتروني بتغطيته الإخبارية.
ورغم التاريخ الطويل للصحافة العراقية مقارنة بنظيراتها العربية، فإنها، شأن شواهد العراق التاريخية الأخرى، لم تلقَ الرعاية والاهتمام اللازمين، حتى تواصل تطورها الطبيعي، فالتاريخ يشير إلى أن الصحيفة العراقية الأولى "الزوراء" أغلقت بعد دخول القوات البريطانية الغازية إلى العراق عام 1914، ولم تعاود الصدور إلا بعد 2003، عبر نافذة نقابة الصحافيين العراقيين.
الأزمة الاقتصادية، ومخلفات داعش وكورونا، ليست الأسباب الوحيدة لتعثر الصحافة الورقية والإعلام بشكل عام، فأموال الريع السياسي التي أصدرت كثيراً من الصحف، ثم أغلقتها بعد تراجع الأهداف التي أسست من أجلها، أو تراجع الأموال التي حصلت عليها من جهات داعمة، سبب آخر من أسباب تراجع الصحف الورقية.
وهناك قضية أخرى تتعلق بسوق الإعلان التجارية، حيث يفتقر القطاع الخاص العراقي للإيمان بحاجته إلى الإعلان عن سلعه، الأمر الذي انعكس سلباً على الأموال التي يمكن أن تحصل عليها الصحف من مداخيل الإعلان، ولم تحصل الصحف، وخصوصاً المشهورة منها، إلا بحدود ضيقة، على إعلانات شركات الهاتف الجوال، وذلك بمجمله أثر تأثيراً كبيراً على نمو سوق الصحف وتطورها.
وإلى جانب إعلانات الشركات المشار إليها، تحصل الصحف على إعلانات المؤسسات الحكومية، لكنها تعاني أيضاً من ضعف العدالة في التوزيع، وتشتكي صحف كثيرة، من "مافيات الإعلان الحكومي" التي تتحكم بتوزيع الإعلان، وتقوم بمحاباة صحف مغمورة أحياناً على بقية الصحف المعروفة، كما تشتكي من عدم التزام تلك المافيات بضوابط وزارة التخطيط، التي تشترط في نشر الإعلان الحكومي، أن يكون على 3 مرات في 3 صحف واسعة الانتشار.
ويرى البعض أن غياب الخبرة والاحترافية الصحافية، أثر بدرجة كبيرة على طبيعة المضمون الصحافي، الذي أدى بدوره إلى عدم قدرة الصحف على جذب جمهور القراء، وتالياً تحقيق مداخيل مالية معقولة عبر عملية بيع السلعة - الجريدة.
تراجع الصحف الورقية والخطر الذي يتهددها بالإغلاق، دفع ما تبقى من ناشرين وأصحاب صحف إلى محاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه وتفادي الإغلاق والخسارة الوشيكة.
حيث اجتمع الأسبوع الماضي رؤساء 15 صحيفة عراقية ما زالت مستمرة بالصدور رغم الظروف القاهرة التي تمر بها وقرروا أولاً، البدء بتأليف اتحاد أصحاب الصحف العراقية، هدفه "اتخاذ الخطوات والتدابير الضرورية الكفيلة بإيقاف مسلسل الانهيار المستمر لصحفنا"، كما ورد في بيان التأسيس.
وأشاد البيان بـ"الدور الريادي الذي تمثله الصحافة العراقية في إرساء قيم الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات".
ويؤكد كتاب وضحفيون ان ما تمر به الصحافة العراقية، جزء من مشكلة عربية وعالمية تواجهها الصحافة الورقية، لكنهم يعتقدون أن بالإمكان تجاوز المشكلة، فالقارئ العراقي والعربي يرتبط بـ"علاقة عاطفية مع المنشور الورقي حتى الآن، رغم ما أنتجته الأجهزة الحديثة ووسائل إعلامها من تأثير كبير للصحافة".
ونجاح الصحيفة يعتمد اليوم برأيهم على "تقديم مضمون جيد والعمل على الصحافة الاستقصائية وتدعيم الصحيفة بكتاب أعمدة من طراز جيد إلى جانب الاستفادة من القدرات الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل المتنوعة".
واتجهت جميع الصحف العراقية المطبوعة إلى النشر على مواقع إلكترونية.
ووفقا لنقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي، فإن أزمة كورونا "أثرت بشكل كبير على الصحافة المقروءة وخصوصا في الجانب الاقتصادي".
ويقول اللامي في تصريح صحفي "منذ بداية أزمة كورونا لجأ بعض الصحف إلى النشر على المواقع الإلكترونية، بعد ذلك عاد بعضها إلى الطباعة الاعتيادية، لكن خلال فترة الحظر كانت جميعها تنشر إلكترونيا".
وتعمل في العراق نحو 100 صحيفة بنشر منتظم وغير منتظم، بينها 20 صحيفة يومية جميعها مستمرة بالصدور حاليا، بحسب اللامي.
ويشير نقيب الصحفيين العراقيين، إلى أن الجانب الاقتصادي للصحافة المطبوعة "تأثر بشكل كبير. بعض الصحف أفلست واكتفت بالنشر الإلكتروني، لأنها لا تستطيع تأمين مرتبات مئات الصحفيين وكذلك تكاليف الطباعة".
ويتابع "فضلا عن توقف سوق الإعلان الذي كان بالأصل ضعيفا قبل فترة أزمة كورونا".
عمار المسعودي