• Friday 22 November 2024
  • 2024/11/22 16:38:58
{منوعات: الفرات نيوز} منذ ستين عاما، قررت أيين تجوا، المتخصصة في بيولوجيا التربة والمحاضرة في جامعة تادولاكو في سولاويسي الوسطى في إندونيسيا، أن تستكشف بلدة سورواكو في قلب جزيرة سولاويسي، التي كانت سابقا تحتضن تنوعا نباتيا غنيا وفريدا.

لكن هذه البلدة الصغيرة أصبحت مركزا لأنشطة التعدين في جزيرة سولاويسي التي تعد واحدة من أكبر مناطق تعدين النيكل في العالم، إذ تستخرج شركة واحدة في هذه المنطقة خمسة في المئة من إجمالي الإمدادات العالمية من خام النيكل.
وفي عام 2004، لاحظت تجوا أن معظم الغطاء النباتي الكثيف في البلدة قد أزيل وظهرت مكانه تربة قاحلة، وطرق ترابية بسبب انخراط البلدة في أنشطة التعدين. ولم يتبق سوى بعض الشجيرات والأشجار الفتية التي تحملت هذه الظروف البيئية واستطاعت أن تنمو وتتأقلم مع نسب التركيز العالية من النيكل.
وافترضت تجوا أن هذه النباتات الفريدة قد تمتلك قدرة فائقة على امتصاص كميات كبيرة من النيكل من التربة وتخزينها في أنسجتها بشكل مدهش. ورأت أن هذه النباتات قد يستفاد منها كثيرا، لا في تنظيف التربة من المعادن فحسب، بل أيضا قد يستخلص المعدن منها بحيث تصبح مصدرا بديلا للنيكل لا يؤذي النظم البيئية.
وتتميز هذه النباتات النادرة التي عكفت تجوا على دراستها، بقدرتها الفائقة على تركيز 1,000 ميكروغرام من النيكل على الأقل لكل غرام من الأوراق المجففة.
ومن المعروف أن معظم النباتات تمتص كميات ضئيلة من المعادن الثقيلة لتنشيط بعض الإنزيمات المهمة، وتحتاج النباتات للنيكل لتنشيط إنزيم مسؤول عن عملية الإزهار. لكن إذا زادت نسبة النيكل في التربة بنسبة طفيفة قد تتسبب في تسميم معظم النباتات وقتلها.
غير أن هذه النباتات ذات القدرة الفائقة على مراكمة النيكل قد تكيفت مع الوقت واكتسبت قدرة على تحمل هذه النسب العالية من المعدن عن طريق تخزينه في جدران خلاياها أو الفجوة العصارية داخل الخلية. وتختزن هذه النباتات النيكل بشكل عام في سيقانها أو أوراقها أو جذورها أو عصارتها.

وقد سُجل حتى الآن نحو 450 نوعا من النباتات المحبة للنيكل حول العالم، معظمها ينمو في بلدان أقل تنوعا نباتيا وتتضمن تربتها نسبا أقل من النيكل مقارنة بإندونيسيا، مثل كوبا وجنوب أوروبا وكاليدونيا الجديدة وماليزيا.
والعجيب أنه لم يكتشف إلا القليل من هذه النباتات في إندونيسيا، رغم أنها من أكثر المناطق ثراء بالتنوع الحيوي وتمتلك أكبر احتياطي من خام النيكل في العالم. وتعزو تجوا ذلك إلى قلة الاهتمام بالبحث عن هذه النباتات.
البحث الطويل
وبمجرد أن حصلت تجوا على ترخيص من الشركة صاحبة امتياز التعدين عن النيكل في بلدة سورواكو، توجهت إلى المنطقة، ومولت أبحاثها بنفسها. لكن محاولاتها للعثور على هذه النباتات في السنوات الأربع الأولى باءت بالفشل.
وتبدو هذه النباتات معتادة عند رؤيتها بالعين المجردة، لكن أنتوني فان دير إينت، أخصائي الفسيولوجيا البيئية بجامعة كوينزلاند، اقترح اختبارا سهلا وفوريا لتمييز النباتات التي تمتلك قدرة فائقة على مراكمة النيكل عن غيرها، باستخدام ورقة مستديرة بيضاء. ويقول إن الورقة تتحول على الفور إلى اللون الوردي بمجرد وضعها على أوراق هذه النباتات التي تحتوي على النيكل.
وأجريت اختبارات أخرى لتحليل نسبة تركيز النيكل في هذه النباتات. إذ جففت عينة من هذه النباتات التي تحتوي على النيكل في المعمل وفُحصت باستخدام الأشعة السينية. وتطلق حزمة الأشعة السينية كمية معينة من الطاقة عند تفاعلها مع ذرات النيكل.
أجريت اختبارات أخرى لتحليل تراكيز النيكل في النباتات

واجتذبت أبحاث تجوا عن هذه النباتات اهتمام ساتريا بيجاكسانا، أستاذ الخواص المغناطيسية للصخور من معهد باندونغ للتكنولوجيا، والذي تساءل إن كانت خبرته في الخواص المغناطيسية للمواد قد تسهم في تسريع العثور على هذه النباتات.
وخلصت دراسات إلى أن النباتات التي تتمتع بقدرة فائقة على مراكمة النيكل، تمتص الحديد أيضا مع النيكل. واكتشفت تجوا نوعا من النباتات التي تنمو في جزيرة سالويسي وهالماهيرا، يحتوي على نسب كبيرة من الحديد والنيكل.
ويقول بيجاكسانا إن استخدام المغناطيس يسرع عملية البحث لأنه لا يكشف إلا عن النباتات التي تحتوي على تركيزات عالية من النيكل.
طريقة جديدة للتعدين
وتمتاز هذه النباتات ذات القدرة الفائقة على مراكمة النيكل بأنها تمتص أحد ملوثات التربة، وفي الوقت نفسه، قد يستخلص منها النيكل الذي يستخدم في تصنيع منتجات عديدة، بدءا من صنابير المياه ووصولا إلى بطاريات السيارات الكهربائية. وتتسم عملية تجميع النيكل من النباتات بسهولتها نسبيا.
ويشير فان دير إينت إلى أن هذه النباتات قد تنتج 120 كيلوغراما من النيكل لكل هكتار سنويا، ويقدر ذلك بحسب القيمة السوقية، بنحو 1,754 دولارا سنويا لكل هكتار.
وتتضمن عملية استخلاص النيكل من النباتات قطع السيقان التي تحتوي على أعلى نسب تركيز من المعدن ثم حرقها وفصل النيكل من الرماد. ويقول فان دير إينت إن الميزة الأخرى هي أن جميع الكربون الذي تطلقه عملية حرق النبات تمتصه المحاصيل الجديدة في بضعة شهور.
وفي بلدة سورواكو، يستخرج النيكل من تربة اللاتريت الحمراء بالطرق التقليدية عن طريق التعدين السطحي، وقد يؤدي تكسير الصخور للحصول على النيكل، إلى إطلاق عناصر مشعة ومواد شبيهة بالأسبستوس والغبار المعدني. وينتج التعدين السطحي مخلفات شبه سائلة سامة غنية بالزرنيخ والزئبق، قد تتسرب إلى البيئة المحيطة في حال عدم التصرف فيها بشكل ملائم.

وتطلق عمليات التعدين بشكل عام كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

رغد دحام

اخبار ذات الصلة