وما إن أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي النصر على داعش عام 2017 حتى بدأت الأنباء تتوالى عن عدد الضحايا والخسائر الاقتصادية التي تكبدها العراق، والتي أشار العبادي إلى أنها تجاوزت 100 مليار دولار في مختلف القطاعات.
أرقام صادمة
الأرقام التي كشف عنها العبادي وصفها العديد من الخبراء الاقتصاديين بـ "الصادمة"، وهو ما يؤكده أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني أن حصيلة الخسائر الاقتصادية قد تزيد على ذلك.
وبين المشهداني في تصريح صحفي أن الخسائر توزعت في المناطق التي سيطر عليها داعش في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من كركوك وديالى وبابل وبغداد، في حين بين أن الخسائر الحكومية وحدها من مبان وخزائن البنك المركزي والأسلحة التي تركتها القوات الأمنية في تلك المحافظات تقدر بـ 36 مليار دولار.
أما ما يتعلق بأعداد المنازل فيعتقد أن الحرب تسببت بتدمير ما يقرب من 250 ألف منزل في القطاع الخاص، بما يعادل 7.5 مليارات دولار، على اعتبار أن أقل تكلفة لإعادة الإعمار تقدر بـ 30 ألف دولار للمنزل الواحد، في حين أشارت تقارير حكومية إلى أن أعداد المنازل المدمرة لم تتجاوز 150 ألفا.
أما المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد العبادي فيؤكد أن الخسائر في قطاع الكهرباء في المناطق التي سيطر عليها داعش كانت باهظة للغاية، وأنها تقدر بـ 12 مليار دولار.
ويفيد العبادي في تصريح صحفي بأن قطاع الكهرباء نال الجزء الأكبر من الخسائر ليشمل محطات الإنتاج وشبكات النقل والتوزيع، مما أدى بالعراق إلى أن يفقد جزءا كبيرا من البنى التحتية وقتها.
إحصائيات حكومية
وبالذهاب إلى وزارة التخطيط التي نشرت تقريرا مفصلا عن خسائر العراق عام 2018، إذ كشفت عن أن عدد الوحدات الاقتصادية الحكومية المتضررة من الحرب تقدر بـ 8457 وحدة، لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية الحكومية في قطاعات النفط والكهرباء والتعليم والصحة والنقل والمستشفيات وغيرها.
7 محافظات عراقية شملها تقرير الوزارة، إلا أنه أشار إلى أن محافظة صلاح الدين كانت الأكثر تضررا على صعيد البنى التحتية الاقتصادية بسبب الدمار الذي لحق بالمنشآت النفطية والكهربائية والمصافي التي كانت ترفد مختلف محافظات البلاد.
وفي غضون ذلك، كشف تقرير آخر صادر عن مجموعة البنك الدولي ووزارة التخطيط العراقية في 2018 أن تكلفة إعادة الإعمار في جميع المدن التي شهدتها الحرب تفوق الـ 88 مليار دولار، وأن إعادة إعمار قطاع الإسكان الخاص بحاجة إلى 17.2 مليار دولار.
وتؤكد وزارة التخطيط والبنك الدولي مجتمعين أن الإحصائيات لا تعد نهائية، خاصة أن الفترة الزمنية التي أعدت خلالها كانت ضيقة لضرورة معرفة متطلبات العراق والبدء بالإعمار ودخول المنظمات الدولية.
ورغم هذه الإحصائيات، فإن الخبير والمحلل الاقتصادي باسم جميل أنطوان أشار إلى أن حجم الخسائر في المحافظات التي كانت تحت سيطرة داعش تقدر بـ 200 مليار دولار، من ضمنها الآليات العسكرية والذخائر التي خسرها الجيش في انسحابه، إضافة لتكلفة حرب استعادة هذه المدن.
وبالتوجه الى قطاع التعليم العالي، يكشف رئيس جامعة الموصل قصي الأحمدي أن 80% من الجامعة دمرت بالكامل بواقع 144 بناية، بالإضافة إلى تدمير المكتبة المركزية ونوادرها وغيرها.
ويؤكد الأحمدي أن الجامعة فقدت أكثر من مليون كتاب علمي في مختلف التخصصات، فضلا عن تدمير جميع المختبرات العلمية ونهب محتوياتها مع جميع الآليات والورش الصناعية.
وأفاد بأن 80% من مباني جامعة الموصل دمرت بالكامل بالإضافة إلى تدمير المكتبة المركزية.
أعداد الضحايا
رغم مرور سنوات على استعادة العراق لجميع أراضيه من داعش فإن الجهات الرسمية لم تعلن حتى اللحظة عن أعداد دقيقة لعدد ضحايا الحرب من مدنيين وعسكريين.
تقرير أممي نشر عام 2016 كشف عن حصيلة القتلى لعامي 2014 و2015، وبين أن أعداد القتلى في المناطق التي سيطر عليها الارهابيون بلغت نحو 18 ألفا و802، إضافة إلى 37 ألف جريح، فضلا عن 3.2 ملايين نازح وذلك قبل أن تبدأ معركة الموصل في أكتوبر/تشرين الأول 2016.
وقد لا تتفق أعداد الضحايا مع ما كشفه موقع (Iraqi body count) البريطاني المختص بحساب عدد القتلى المدنيين في العراق، الذي كشف أن عدد المدنيين الذين قتلوا عام 2016 بلغ 16 ألفا و393 عراقيا، بينما سجل العام الذي سبقه مقتل 17 ألفا و578 مدنيا، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن عام 2014 سجل العدد الأقل من القتلى المدنيين بواقع 2018 قتيلا، بحسب الموقع.
معضلة كبيرة تلك التي تتعلق بأعداد الضحايا المدنيين في البلاد إبان سيطرة داعش، إذ بعد استعادة مدينة الموصل، كشف وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري أن أعداد المدنيين الذين قتلوا في الموصل فقط يقارب 40 ألف مدني.
لتظل الأرقام غير واضحة ومتناقضة في بعض الأحيان، بعد أن أكدت مفوضية حقوق الإنسان العراقية أنها لا تملك إحصائيات بعدد الضحايا خلال فترة سيطرة التنظيم على مساحات واسعة من البلاد.
جهود إعادة الإعمار
جهود كبيرة بذلتها الحكومة العراقية في مجال الإعمار وإعادة النازحين، ففي الوقت الذي كانت فيه أعداد مخيمات النازحين عام 2017 تبلغ 116 وبقرابة 5 ملايين نازح، يؤكد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري أن الحكومة استطاعت إغلاق غالبية المخيمات.
وأفاد النوري في تصريح صحفي بأن أعداد النازحين حاليا انخفضت إلى نحو 50 ألف عائلة بواقع 250 ألف نسمة فقط، وأن وزارته استطاعت إغلاق جميع مخيمات كركوك وكربلاء وديالى وبغداد وجزءا كبيرا من مخيمات الأنبار ونينوى، وذلك بعد إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية.
أما وزارة الكهرباء، فأكدت على لسان متحدثها أحمد العبادي أن وزارته عملت على إعادة ربط المناطق المستعادة من سيطرة داعش مع الشبكة الكهربائية الوطنية، وإن الوزارة مستمرة في جهودها في إعادة إعمار محطات التوليد.
من جهته، يقول النائب عن محافظة الأنبار فيصل العيساوي إن العراقيين تخلصوا من حقبة داعش، إلا أن عمليات إعادة الإعمار لا تزال خجولة مقارنة بكم الدمار، إذ لا تزال 10 جسور مهدمة في المحافظة، وأن الإعمار يتمحور في المشاريع الجاذبة للنظر، بحسب تعبيره.
ويكشف العيساوي عن أن الحكومة الاتحادية أوقفت صرف التعويضات المالية للمتضررين منذ منتصف عام 2019، وبالتالي حُرِم المتضررون من أي تعويضات تساهم في إعانتهم على إعمار ممتلكاتهم، كاشفا عن أن الأنبار لم تتلق خلال السنوات الماضية سوى نصف مليار دولار في إعادة الإعمار والتعويضات.
أما النائب عن نينوى شيروان الدوبرداني فيقول أن المحافظة تعد الأكثر تضررا في البلاد، وأن مدينة الموصل شهدت بعد هزيمة داعش إعمار جسرين فقط من أصل 5 جسور رئيسة تربط بين شطريها الأيمن والأيسر، لافتا أن الحكومة الاتحادية متلكئة جدا في إعادة الإعمار.
غير أن الدوبرداني لا ينكر أن نينوى شهدت إعمارا لا بأس به من خلال جهد المنظمات الدولية، وخاصة ما يتعلق بالطرق وشبكات المياه والكهرباء، إضافة إلى إعمار المدارس والجامعات، مستثنيا القطاع الصحي الذي لا يزال يعاني من دمار كبير مع عدم إعمار أي مستشفى رئيسي حتى الآن، بحسبه.
وبالعودة إلى رئيس جامعة الموصل قصي الأحمدي حيث يكشف أن نسبة الدمار في الجامعة انخفضت إلى 20% فقط، ليعلق بأن أن الدور الأكبر في الإعمار كان للمنظمات الدولية والأممية، وأن من المؤمل إعادة إعمار الجامعة بأكملها خلال أشهر.
أما المشهداني حيث يرى أن المناطق المستعادة من داعش كانت بحاجة لما لا يقل عن 10 سنوات لإعادة إعمارها، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد قد تؤجل الإعمار أبعد من ذلك.
وتمكن العراق من جمع أكثرمن 29 مليار دولار في مؤتمر المانحين الدولي الذي عقد في شباط في الكويت عام 2018 الا انه حتى الآن لم يتسلم العراق هذه الأموال بسبب التقلبات السياسية البلاد كما انها تعادل نحو ثلث ما تحتاجه في اعادة الاعمار.
حصيلة باهظة تلك التي تكبدها العراق في عدد الضحايا والخسائر الاقتصادية ليظل القول الفصل أن الحرب لا تظهر آثارها إلا على المدنيين.
عمار المسعودي