وفرضت الأزمة التباعد في الشهر الذي يكاد فيه التواصل والتقارب أن يكون من العبادات والعادات الرمضانية.
هاهو شهر رمضان الفضيل يدق الأبواب، لكنه رمضان آخر غير كل الذين سبقوه، في تاريخ البشرية المعاصر، فلا أسواق مزدحمة، ولا معالم للبهجة، ولا مساجد تكتظ بالمصلين في صلوات التراويح، التي تعد المعلم الروحاني الأبرز للشهر الفضيل، ولا موائد للرحمن تعكس ملمحا للود والتكافل الإنساني، لقد غير كورونا كل شيء، وجاء ليلقي بظلال كئيبة، على شهر كان يعمر في العادة بالبهجة والتعبد واللحمة الاجتماعية والإنسانية.
ولم يكتف الوباء بذلك فحسب بل أثر كثيراً في القطاع الاقتصادي وانهيار أسعار النفط ودخل الأفراد وزاد الفقراء فقراً وعدداً حيث تجاوز نسبتهم في العراق أكثر من 20% بحسب وزارة التخطيط
وشرعاً يكون صيام شهر رمضان واجب على كل مسلم ومسلمة لكن مع هذا الظرف والخشية من تأثير الصيام على إصابة الشخص بالفيروس تعددت الفتاوى بذلك.
ويقول المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى الإمام السيد علي السيستاني، :انّ وجوب صيام شهر رمضان تكليف فردي، فكل شخص توفرت فيه شروط الوجوب لزمه الصيام بغض النظر عن وجوبه على الآخرين أو عدم وجوبه عليهم، فاذا حلّ شهر رمضان القادم على مسلم وخاف من أن يصاب بالكورونا إن صام ولو اتخذ كافة الاجراءات الاحتياطية سقط عنه وجوبه بالنسبة الى كل يوم يخشى إن صامه أن يصاب بالمرض ويلزمه قضاؤه".
ويضيف المرجع الاعلى ان المسلم "اذا امكنه تضعيف درجة احتمال الاصابة حتى يصبح مما لا يعتد به عند العقلاء ـ ولو من خلال البقاء في البيت وعدم الاختلاط بالآخرين عن قرب واستخدام الكمامة والكفوف الطبية ورعاية التعقيم المستمر ونحو ذلك ـ ولم يكن عليه في ذلك حرج بالغ لا يتحمل عادة لم يسقط عنه وجوب الصيام".
ويستقبل هذا العام العراقيون شهر رمضان كغيرهم من المسلمين في بقاع الأرض مختلفاً عن كل السنين المنصرمة فالشهر الفضيل معروف أنه شهر التزاور الأسري والتجمع والتدبر في أمور الدين والعمل الخيري والصلاة، إلا أن 1.8 مليار مسلم يقبلون على رمضان خلال أيام قليلة، لم يشهدوا مثله من قبل في ضوء إغلاق المساجد وحظر التجول المفروض بسبب كورونا ومنع صلاة الجماعة حول العالم الإسلامي.
وكالعادة خلال استقبال الشهر تكتظ الأسواق وتزدحم الطرق بالمتبضعين والباعة على حد سواء لشراء الحاجيات واللوازم من السلع الغذائية المطلوبة لكن الاسواق والمحال التجارية تشهد هذا العام إقبالا ضعيفا من قبل المتبضعين، بسبب ازمة كورونا وتداعياتها التي ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي والمعيشي للأسر، في وقت تسعى فيه الحكومة الى توفير الامن الغذائي للفئات الهشة، من بين عدة اجراءات لادارة الازمة القائمة.
وقررت السلطات الحكومية تقليص حظر التجوال وجعله جزئياً طيلة رمضان ويبدأ من الساعة السابعة مساءً ولغاية السادسة صباحاً، وتستثنى من رفع الحظر المولات التجارية والأسواق الكبرى والمنتديات وأي أماكن فيها تجمعات بشرية واختلاط، بالاضافة الى التجمعات الدينية والمساجد والحسينيات والملاعب الرياضية كلها".
وقال وكيل وزارة الصحة والبيئة وعضو خلية الأزمة جاسم الفلاحي في تصريح صحفي إن "خلية الأزمة قررت تخفيف إجراءات الحظر لكنها غير مطمئنة تماماً ويجب أن لا نطمئن لسلوك هذا الفيروس، وبالنتيجة النهائية عندما تم تخفيف إجراءات الحظر كان القصد منه قضاء الحاجات الاساسية للمواطنين وتلبية بعض أمورهم الخاصة" محذراً من "الاستخفاف أو التهاون أو الاسترخاء بتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي في الوقاية من الفيروس".
وترتفع وتيرة الحياة مساء في رمضان، بين الصائمين، حيث يقبل الكثيرون على ارتياد المقاهي والمطاعم، التي تقيم سهرات السحور المتأخرة لكن هذه السهرات ستتحول إلى وجبات سحور تنحصر داخل المنزل، بين أفراد العائلة.
ويقول مواطنون: "رغم اختلاف الظرف والزمان وتحدي الوباء لكن ربما عشنا ظروفاً أقسى في عهد الدكتاتورية والنظام الصدامي والحصار الاقتصادي الجائر ولن يكون زمن كورونا رغم قيوده الكثيرة أقسى من تلك السنوات العجاف الأشبه بسنين النبي يوسف {ع}".
وأضافوا "العراقيون معتادون على مواجه التقلبات والتكيف معها وهذه المرة مع كورونا الذي بلا شك سيكون يوماً ما من الماضي مهما طالت الجائحة" مؤكدين "إصرارهم على معايشة الوضع لحين تجاوز الأزمة".
وتعد التجمعات العائلية والموائد والعزومات عادة اجتماعية أساسية في رمضان، ربما نفتقدها هذا العام، ومع ذلك يمكن أن تحدث لكن بشكل أقل حيث أثبتت وسائل التواصل الاجتماعي منذ بدء تفشي "الوباء" فعاليتها في التواصل بين الأقارب والأصدقاء بخاصية مكالمات الفيديو.
وليس صحيحا ان نسمح لقيود كورونا ان تكون سدا مانعا للسعادة من ان تتسرب الى دواخلنا، فالإنسان بطبيعته قادر على التكييف مع الاحداث المختلفة والظروف المتباينة، فهو من يولد السعادة ويجعلها تشع بالمكان الذي يعيش فيه، وهو وحده ايضا قادر على التخلص من الصعوبات التي تعرقل المضي في ذلك.
ويبقى علينا نحن الأفراد ان نتعامل مع الظرف الحالي بوعي كبير، ونجعل من هذه الجائحة وما فرضته علينا من مكوث في المنازل فرصة للاهتمام بالجوانب العبادية، وان نسعى جاهدين الى زرع التفاؤل في النفوس والتأثير على الاشخاص المُحبَطين، لطرد الأفكار غير المرغوب بها من مخيلتهم والعيش بسلام في ظل أزمة كورونا وما بعدها من أيام.انتهى
عمار المسعودي