المختصر المفيد.. في الاخبار الهامة تجده في قناة الفرات نيوز على التلكرام .. للاشتراك اضغط هنا
لا يجب أن ينظر إلى الطلاق على أنه إنفصال فحسب, بل هو تفكك لنسيج وبنية مجتمعية وقد يؤدي هذا التفكك إلى صراعات عائلية بين الازواج.
الطلاق شرعيا هو أبغض الحلال, واجتماعياً هو أبغض الأعراف, ولكن الاحصائيات تثبت أن تكوين الاسرة وتفككها أصبحا على سبيل الموضة لا أكثر.
في وثيقة صادرة عن القضاء العراقي لشهر آذار الماضي, كشفت إن حالات الطلاق والتفريق بلغت 6603 حالات أي بمعدل 220 طلاقاً في اليوم الواحد, و9.1 في الساعة!، والسؤال هو: لماذا بتنا نشهد تزايداً في هذه الحالات؟ وما هي الدوافع والأسباب وكذلك الحلول؟.
في حديث لها مع وكالة {الفرات نيوز}, عزت الباحثة الإجتماعية الدكتورة ندى العابدي "تزايد حالات الطلاق الى أسباب عديدة أهمها الوضع الاقتصادي المنقسم إلى فرعين, فالأول إن العائلة لا تستطيع تحمل عبء التكاليف المادية للمرأة فتلجأ إلى تزويجها من أول شخص يطرق باب الزواج متقدما إلى خطبة ابنتهم دون معرفة كافية بخلفية المتقدم الثقافية والاقتصادية وغيرها".
وأضافت "الفرع الآخر هي التبعات الاقتصادية ما بعد الزواج حيث العسرة في تلبية الطلبات والاحتياجات الاسرية مما تسبب خلافات بين الزوجين وتنتهي بالطلاق".
وتشير الى العابدي الى ان "هنالك سبباً آخر لا يقل أهمية عن الأول وهو زواج القاصرات والقاصرين, فهذا النوع من الزواج يعتمد على {العواطف المستهلكة} - بحسب تعبيرها- , وما إن تنتهي صلاحية هذه العواطف ستنجلي السحابة من أعين الازواج وإذا بهم يرون أن لا أسس حقيقية داعمة لارتباطهم, لذا سيكون القرار هو الإنفصال".
وتعزو سببا مهما يجعل من الطلاق أمراً أكثر سهولة من السابق وهو الاعلام والانفتاح بأشكاله العديدة, وتبين، إن "الاعلام وخاصة المسلسلات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وما تبثه أو تعالجه من مواضيع الاسرة التي تبين أن موضوعة الطلاق قضية سهلة للغاية ساعدت كثيراً في جعل المتلقي يرى ان هكذا مواضيع لا تبدو معقدة، وهذا من العجيب لأن المجتمع بشقيه العرفي الاجتماعي, والشرعي الديني يرفضان فكرة الطلاق".
وتابعت "العامل الآخر هو المقارنات الجمالية حيث بات الرجل يقارن زوجته بشخصية مشهورة مرت عبر مراحل من عمليات التجميل {مصانع الجمال} فباتت هذه الظاهرة تؤثر كثيرا في تزايد الخلافات الزوجية بين الطرفين".
وتلتفت العابدي الى قضية أخرى مهمة ما تسميها بحالة {الطلاق الصامت} حيث تقول: "أزواج تمتد حياتهم الزوجية الى أكثر من 15 سنة ولكنهم يعيشون بعزلة عن أطراف الحديث والحوار".
وبينت "قد يتخلل هذا الطلاق الصامت نوعٌ من التراكمات العاطفية والنفسية غير المصرح بها من قبل الازواج لسنين طويلة، وبالتأكيد أن هموم الحياة وتعقيداتها قد تدخل للتفريق بين المرء وزوجه وهذا ما يجعل الخلافات الزوجية تصبح أكثر تعقيدا, وربما لا نعرف الاسباب الحقيقية وراء هكذا نوع من {الطلاق الصامت} أو الناقص نوعا ما ولكن يبدو فكرة الإنفصال والخوف من الوحدة أو في حالة وجود الأطفال تكون العائق امام إتمام انفصالهم بصورة رسمية".
وأشارت الباحثة الاجتماعية الى انه "وفي حقيقة الامر أن الطلاق الصامت ظاهرة أخطرمن {الناطق} لأنه يعمد إلى تشكيل حيوات تتسم بالطابع الفرداني وليس الأسري مما قد يؤثر على نفسية الاطفال والاسرة والمجتمع فيما بعد".
وتؤكد العابدي أن "التغيير الديموغرافي والنزوح كان سببا كبيرا في تفشي حالات الطلاق, فالحي العراقي يتسم بوجود الالفة والمحبة بين الجيران مما يساعدون في ردم الخلافات الزوجية في حال نشوبها, ولكن هذا التباعد الاجتماعي أدى إلى التصعيد من حدة المشاكل وخلق فجوة اجتماعية بل وباتوا يشجعون على الطلاق في بعض الاحيان بدعوى وجود حياة افضل بانتظارهم".
وأثار طلب في آب 2020 تقدمت به زوجة للطلاق من قرينها، موجة من ردود الأفعال في العراق بعدما ادعت أن زوجها مصاب بفيروس كورونا وأن من الاستحالة شفاءه.
وتشير الإحصاءات العالمية إلى ارتفاع ملحوظ في حالات الطلاق منذ تفشي الجائحة في يوهان الصينية بداية العام الحالي، إلا أن المتخصصين أرجعوا ذلك إلى حالة الإغلاق العام التي يعيشها العالم والحجر المنزلي المتبع في أغلب البلدان ما يشكل توترا عائليا وخلافات بين الأزواج، إلا أن أحدا لم يتوقع أن إصابة أحد الزوجين بالفيروس قد يكون سببا للطلاق!.
وتذكر الزوجة في طلبها الذي قدمته لإحدى محاكم الأحوال الشخصية في بغداد وانتشر في مواقع التواصل الاجتماعي أنها تطلب من المحكمة استدعاء زوجها الذي يرقد في مستشفى النعمان والحكم بالتفريق بينهما لإصابته بالفيروس واستحالة شفائه منه، كما تعبر.
وردا على سؤال حول تعامله مع مثل هذه الدعوى لو وردت إليه شخصيا، يجيب القاضي الخبير بشؤون الأحوال الشخصية مرتضى الغريباوي "إذا رفعت أمامي مثل هذه الدعوى ومع ورود الرأي الطبي الصريح، لا اعتبر هذا المرض كافيا لإنهاء الحياة الزوجية لأنه أمر خارج عن إرادة الزوج أو الزوجة، وبحسب التجارب المعاشة فأن بالإمكان الشفاء منه، فغالبا يكون القرار غلق الدعوى مع عدم ثبوت الادعاء".
وحول ما إذا كان الرأي الطبي هو الحاسم في هذا الموضوع، يجد الغريباوي أن "التقرير الفني غير كاف على اعتبار أنه رأي علمي قائم على الظن بمعنى أنه يحتاج الى قرينة من شأنها تعزيز الادعاء حتى تصل المحكمة إلى حكم ناجع يمسّ الحقيقة".
فيما تحدثت قاضيتان متخصصتان بدعاوى الأحوال الشخصية عن أهم أسباب الطلاق، وفيما ذكرن أن الانفتاح والتكنولوجيا ضاعفت من هذه الحالات، روت باحثة اجتماعية عن أغرب قصة طلاق مرت أمامها.
وقالت قاضي محكمة الاحوال الشخصية ببغداد/ الكرخ، بيداء كاظم إن "دعاوى الطلاق أو التفريق مختلفة باختلاف أسبابها فمنها تفريق للهجر او تفريق لعدم الانفاق او تفريق بسبب مرض أو ممارسات غير شرعية".
ولفتت كاظم إلى أن "أسباب الطلاق لا يمكن حصرها او عدها، ولكن جزءا كبيرا من حالات الانفصال يُعزى الى العوامل الاقتصادية والاجتماعية ما يجعل الحياة الزوجية امام صعاب كبيرة".
وتواصل قاضية محكمة الأحوال الشخصية في الكرخ حديثها عن الطلاق، واصفة "حالات الانفصال بالثلمات الاجتماعية التي تؤتي بنتائجها السلبية على النساء خصوصا لاسيما اذا كانت هذه الحالات تحدث بين زوجين أنجبوا أطفالا".
وبحثا عن الأسباب تؤكد من جانبها قاضي محكمة الاحوال الشخصية في الكرخ نور عدنان محمود، ان "الانفتاح الذي شهده العراق خلال السنوات الاخيرة ساهم إلى حد كبير ارتفاع نسبة الطلاق لاسيما عندما شاع في المجتمع الهاتف النقال الذي يسوء البعض استخدامه وما يحتويه الهاتف من برامج، ومواقع التواصل الاجتماعي باتت خطراً يهدد العلاقة الزوجية خصوصاً وان البرامج دون رقابة, فنرى ان اغلب المشاكل تكون بسبب خيانات زوجية او علاقات غير مشروعة".
وأضافت محمود "لا يمكن أن نغض البصر أيضا عن تدخلات العائلات في حياة المتزوجين التي تؤدي إلى انهيار بيت الزوجية، كما وان عدم توفر فرص العمل وكذلك العمر الصغير للمتزوجين كلها اسباب تؤدي الى الوصول الى محاكم الاحوال الشخصية وايقاع الطلاق".
وتابعت ان "توازي الفكر والثقافة لدى الطرفين امر يجب توفره لكي يكون هنالك انسجام وتواصل صحيح ويتم اجتياز المشاكل وايجاد الحلول اضافة الى ان المستوى الثقافي ونضوج العقل امور تنجح العلاقات الزوجية الى حدٍ ما".
ومن جانبها، تحدثت الباحثة الاجتماعية وئام حاتم جعفر عن أسباب الطلاق التي تعرض عليها والتي تتفق مع الأسباب السابقة وتضيف إليها أيضا ان "احد عوامل الطلاق هو الزواج بزوجة ثانية، وكذلك السكن المشترك مع العائلة وزيادة عدد افرادها ما يؤدي الى حدوث مشاكل تصل الى الطلاق"، من غير أن تنسى "سوء الأوضاع الاقتصادية" التي تعدها من أهم الأسباب.
وفي سؤال للباحثة عن اغرب قصة طلاق حدثتنا قائلة "من ضمن الحوادث التي تبين مدى أهمية السؤال عن الزوج قبل الزواج وعن مستواه وطباعه, ذلك ان في احد الأيام مرت على أنظاري دعوى طلاق اعتبرها من اغرب الحالات التي تنسبت لأكون باحثة فيها, وفي مطلع الحديث مع الزوجة للسؤال عن سبب الطلاق كانت الإجابة صادمة حيث أخبرتني بأنها وفي ليلة زفافها اخبرها زوجها بأنه تزوجها ليس لنفسه فقط انما لإخوته فصعقت في تلك الليلة مما سمعته من زوجها وتم إعطاؤها شرابا مخدرا لم تعرف ما الذي أصابها الى ان استيقظت صباحاً ووجدت احد إخوة زوجها في فراشها, وتم منعها من استخدام جهاز الهاتف وحبسها في الغرفة وتكررت الحادثة لأيام أخرى حتى وصل أهلها إليها طلبت الطلاق".
مما لا شك فيه, أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية تنعكس على واقع الحياة الاسرية, فنرى مثلا أن حالات الطلاق ازدادت بعد دخول فيروس كورونا الى الساحة كلاعب اساسي في توتر العلاقات الزوجية حيث أن البقاء في المنزل سيزيد من الصدامات بين الطرفين, وكذا الحال مع الامر الاقتصادي والاجتماعي, والسؤال يبقى: هل غادر الزواج مفهومه كمؤسسة واختار أن يكون موضة كالازياء وعمليات التجميل؟.