{تقارير: الفرات نيوز} في ساعات الصباح الاولى يتجول مئات الاطفال بين السيارات حاملين عبوات المياه والمشروبات الساخنة والباردة لبيعها للمارة وركاب السيارات بينما يفترش البعض الآخر منهم أرصفة الشوارع لبيع بضاعتهم البسيطة من اجل توفير لقمة العيش لاسرهم.
فهؤلاء الاطفال تخلوا عن احلامهم ودراستهم بعد ان أجبرتهم ظروف الحياة الصعبة للخروج الى ميدان العمل المبكر في حين أن مكانهم الحقيقي هو مقاعد الدراسة؛ كما أن عملهم بهذا السن الصغير عرضهم لاضرار عديدة متعلّقة بسلامتهم وصحتهم النفسية والجسدية فضلاً عن استغلالهم من قبل عصابات التسول والاتجار بالبشر والمخدرات، حيث نلاحظ ازدياد ظاهرة عمالة الاطفال بشكل كبير ولاسيما في الاوانة الاخيرة فلم تقتصر على الذكور فقط، بل شملت الاناث أيضاً وبأعمار متقدمة أحياناً.
ولمعرفة الاسباب التي ادت الى انتشار هذه الظاهرة الخطيرة اوضح مدير المركز الاعلامي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نجم العقابي لوكالة {الفرات نيوز }، ان "الظروف الأمنية والاقتصادية التي مرت على العراق تسببت في ارتفاع ظاهرة عمالة الأطفال، رغم القوانين الحازمة بمعاقبة المتسببين فيها".
واشار العقابي الى، ان "وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية أطلقتا مؤخرا حملة لمكافحة اتساع ظاهرة عمالة الأطفال التي وصفوها بأنها الأسوأ ما مرّ على البلاد في السنوات الماضية".
واكد مدير المركز، ان "قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق تنص على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل أو حتى إيقاف النشاط".
وعن نسبة عمالة الاطفال بالعراق اوضح العقابي، ان "المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق نسبة عمالة الأطفال فيها بـ2%" مبينا أن "عدد الأطفال العاملين في البلاد يصل إلى أكثر من 700 ألف طفل".
وزاد العقابي بالقول، ان "منظمة الأمم المتحدة للطفولة"يونيسف" (UNICEF) تشير إلى أن نحو 90% من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92%، فإن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54%".
وبحسب آخر إحصاءات اليونيسيف، فإن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عائلاتهم، وتوضح أن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل 5 أطفال.
ولفت العقابي الى ان "لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي طالبت بمنع عمالة الأطفال في العراق، كما طالبت الحكومة العراقية والبرلمان بإيقاف استغلال الأطفال في مهن شاقة، وذلك من خلال إصدار قرارات ملزمة بهذا الشأن".
اما من ناحية تأثيرات النفسية للعمل على الاطفال اوضح الباحث النفسي أحمد عباس الذهبي في تصريح للفرات نيوز، ان "العمل يضر بصحة الطفل أو بنموه أو رفاهيته؛ إذا لم يكن هذا العمل من الأعمال النافعة التي تتناسب مع عمر الطفل، ويساعد على تطوره الجسمي والعقلي والروحي والأخلاقي والاجتماعي، دون أن يؤثر على دراسته أو راحته أو متعته".
ويرى الذهبي، ان "عمالة الأطفال تعتبر سلاح بيد الارهابيين من خلال استغلالهم وتجنيدهم ضد أبناء شعبهم".
وتسائل بالقول عن "دور منظمات حقوق الإنسان العربية والإسلامية والدولية من كل هذه الظواهر من اعتداء جنسي وتجنيد في الحروب!!".
ويضيف الباحث النفسي ان "عمالة الأطفال هو تدمير للمجتمع من خلال نشوء جيل منحرف ومنحل أخلاقياً ومستعد ان يعمل اي شيء إجرامي".
واشار الذهبي الى ان "عدد لا يحصى من الأطفال في مختلف أنحاء العالم يوميًا إلى مخاطر تعيق نموهم وتقف عائقًا أمام تنمية قدراتهم؛ ومن بين هذه المعيقات تشغيل الأطفال في أعمال شاقة لا تناسب قدراتهم الجسدية".
تنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين "الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل"، أو حتى إيقاف النشاط. وفي قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصا لا يعي حقه -كالأطفال- بالسجن أو الغرامة المالية.
أما دوليا، فإن اتفاقية حقوق الطفل في المادة (32-1) تقول "تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجّح أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي".
وبلغت نسبة عمالة الأطفال دون الخامسة عشرة فتبلغ 1.5 في المئة، بحسب وزارة التخطيط التي أشرت أنخفاضاً ملحوظاً في نسبة عزوف الأطفال عن المدرسة رغم ان نسبة المتلحقين بالمقاعد الدراسية 94%.
وتنتشر في أحياء عدة من العاصمة بغداد، أبرزها البتاويين، عصابات مختلفة بعضها متخصص في عمالة الأطفال واستغلالهم، بحسب مصادر أمنية في شرطة بغداد التي أكدت، أن "هذه العصابات محمية من جهات ذات نفوذ في الدولة، وتستغل الأطفال عبر ضمهم إلى شبكات تسوّل ومراقبة أشخاص بهدف سرقتهم أو خطفهم، والعمل في ممارسة الجنس وتجارة المخدرات".
وعلى الرغم من وجود القوانين التي تحمي الأطفال إلا أن المحامي عبد الخالق العتابي يراها "عبارة عن ورق" وبعيدة عن التطبيق.
ويقول العتابي إن "القوانين تختلف عن الواقع، فعلى سبيل المثال لو طبق قانون التعليم الإلزامي بشكل صحيح يصبح الأطفال تحت رعاية الدولة وتتكلف الأخيرة بكل احتياجاتهم وتبعد حاجتهم إلى العمل".
وفيما يشكو العتابي "غياب الرقابة والمتابعة لعمالة الأطفال"، يقر بـ"أهمية هذا الموضوع الذي يحتاج إلى وقفة جادة من السلطات العليا في البلاد".