• Friday 22 November 2024
  • 2024/11/22 13:52:26
{تقارير: الفرات نيوز} نشهد بين الحين والآخر صورا وفيديوات تنتشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي لأشخاص تعرضوا للتعنيف من قبل الاسرة سواء أكانوا اطفالا أم نساء.

وجرائم العنف الاسري هي الاعتداء الجسدي او الجنسي او النفسي او الفكري او الاقتصادي الذي ‏يرتكب او يهدد بارتكابه ضد أي ‏فرد من افراد الاسرة ضد الاخر وتتعدد جرائم العنف الاسري الى ‏جنح مثل التهديد والسب والشتم والضرب والمشاجرات العائلية ‏ومنها ما يكون جسيما مثل ‏الضرب الذي يؤدي الى عاهة مستديمة او الضرب المفضي الى موت وكذلك الجرائم الجنسية ‏وجرائم ‏التعذيب والحرق ولغرض حماية الاسرة والمجتمع من اثار العنف الاسري.
وفي الحقيقة إنها ظاهرة خطيرة تتنبأ بوباء نفسي خطير يجتاح المجتمع العراقي على الرغم من تصاعد الاراء المنافية لهذه الممارسات.
التعنيف ظاهرة ليست جديدة على أي مجتمع ولكن الخوف من أن يتم التعامل كعرف سائد لا على أنها حالة شاذة تؤدي إلى "خراب البيوت" و "هلاك المجتمعات". 
ولكن ما هي مناشئ هذا العنف؟ وما هي أسبابه التي تؤدي إلى تزايد حالاته بشكل مفرط حتى وصلت في عام 2020 الى الآف الحالات بحسب مدير حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في وزارة الداخلية العميد، علي محمد سالم، حيث قال إن "مجموع حالات العنف الأسري وصلت (في العراق) إلى 15 ألف حالة". 
وعلى سبيل ذكر الأسباب فانها تعود لأوضاع اقتصادية وخلافات عائلية ومشاكل الحروب المتراكمة, ولكن من وجهة نظر الدكتورة ندى العابدي الباحثة في الشؤون الاجتماعية في حديثها لوكالة {الفرات نيوز} ترى أن هذه الأسباب المذكورة هي مجرد "تبريرات" لما وصفته لاحقا بالاسباب الحقيقية وهي "المشاكل النفسية وسوء التنشئة داخل الاسرة" حيث يكون للأب أو للاخ الصلاحية الكاملة في تعنيف المرأة والطفل داخل المنزل وكأن هذا الشيء حق مشرُّع له, وعلى المرأة الخضوع".
وتبين ان "هذه العادات هي اضطراباتٌ نفسية يتم ترسيخها كثقافة وعرف اجتماعي فترى أن الاطفال الذكور يرون سوء تعامل الآباء تجاه الزوجة والبنت بهذه الطريقة مما يؤدي إلى تعامل هذا الطفل مستقبلا بنفس الطريقة على أنها واحدة من حقوق الذكر داخل الاسرة والمجتمع". 
وفي سياق آخر, ترى العابدي أن القراءة الخاطئة للنصوص الدينية دورٌ خطير في تعامل الرجل مع المرأة بالتحديد من ناحية الضرب فتقول: " إن القراءة الخاطئة للدين والتي يساهمون بها بعضٌ ممن يدعون أنهم رجال دين ويفسرون آيات الضرب على أنها عملية توبيخ للمرأة فسوف يتم تبني هذا المفهوم بغطاء شرعي يمتلك مبررات التعنيف كحق للرجل على المرأة".
في حين ترى العابدي أن مفهوم الضرب في القرآن الكريم جاء بمعنى "الحاجز" والتي تعني أن يكون هنالك حجابٌ بين الرجل والمرأة إن اخطأت لمعرفة أسباب الصد والهجر من قبل الزوج, فإما نهايتها الاعتذار وتسوية الخلافات والرجوع إلى جادة الطريق, أو الفراق هو الحل في نهاية الأمر. 
وفي احصائيات عديدة للعام الماضي, سجلت وزارة الداخلية ما يقارب 4 الآف حالة أحيلت الى القضاء للنظر فيها, وحالات أخرى أُصدرت بحقها مذكرات إلقاء قبض، ناهيك عن احتلال الرجل لحالات عنف أسري تجاه النساء بواقع 9 الاف حالة. 
في حين ترى الناشطة في تجمع "سما" النسوي العراقي أن هذه الارقام أقل بكثير مما تم تسجيله, ففي منظمتها لوحدها سجلت 250 حالة تعنيف في بغداد وحدها وهذا الرقم أقل بكثير من الموجود في الواقع لأن الخلافات الزوجية عادة ما تتم بمصالحة الطرفين بعد تنازل المرأة عن حقوقها.  
بالاضافة إلى وصول بعض الحالات إلى القتل كما حدثت مع حالة الرجل الذي قتل شقيقتيه حيث دخل الشاب القاتل إلى منزل الأسرة واستل سلاحا ناريا أطلق منه الرصاص على شقيقتيه الشابتين {زهراء وحوراء} قبل أن يهرب ثم يتصل بوالده ليخبره إنه كان واقعا تحت سيطرة "حالة عصبية".
ترى العابدي أن معظم هذه الممارسات هي عبارة عن عملية "تحويلية" ناتجة عن حالات تعنيف مرَّ بها الرجل نفسه في مرحلة ما في الطفولة, فيمارس هذا التحويل للعقدة النفسية من الماضي إلى الحاضر والمستقبل لتفريغ ما حصل له سابقا من توبيخ وممارسات خاطئة.
وفي وسط هذه الفوضى الإجتماعية غير المنظمة من حالات التعنيف التي تصل إلى القتل في بعض الأحيان, أين القانون الذي من الممكن حماية الأسرة والمجتمع من خلاله؟
ترى الباحثة الاجتماعية، ان "قصور القانون" أدى إلى تفشي حالات التعنيف حيث أن مفهوم " التأديب" الذي يمارسه الرجل حينما يتزوج من امرأة هو مفهوم "خاطئ" لأنه يدحض نفسه, فكيف يسمح الرجل أن "يربي" او "يؤدب" إمرأة قد وصلت إلى مرحلة من النضج, بالاضافة لكونها كانت في جو عائلي وتزوجها بعد معرفته وقبوله باسرتها.
وتكمل العابدي, هذا المفهوم خاطئ جداً ولا "يؤتي أكله" لأن المرأة التي يتزوجها الرجل هي "زوجة" وليست "طفلة" لكي يتم إعدة تربيتها بالاضافة إلى أن الضرب والتعنيف ليس جزءا من مفهوم التربية. 
وفي سياق مغاير, يتصاعد الجدل بين فينةٍ وأخرى حول تشريع قانون العنف الأسري الذي بدوره يعاقب كل شخص يمارس التعنيف داخل الأسرة في ظل رفض العديد من الكتل النيابية لهذا القانون. بالاضافة إلى تعامل الشرطة المجتمعية مع حالات التعنيف بصورة بسيطة تنتهي بحل المشكلة  بصورة سلمية نظرا للمادة 41 من قانون العقوبات العراقي الذي يعطي "حق التأديب" حيث يقول: "لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرف". 
وفي سياق طرح المعالجات ترى العابدي أن من الضرورة تشريع قانون حماية الأسرة لمنع الممارسات العنيفة التي تمارس ضد النساء والاطفال, فارتفاع "سلطة القانون" سيؤدي إلى إنخفاض " في سلطة القبيلة والعرف" مما سيوفر جو اسري آمن نسبيا لما يحدث الآن. وأضافت إلى وجوب إعادة قراءة النصوص الدينية وتثقيف المجتمع في سبيل الحد من هذه الظاهرة المتفشية. 
وعن سوء الحالة الاقتصادية وتعاطي المخدرات وسوء استخدام مواقع التواصل الإجتماعي بالتزامن مع إنتشار جائحة كورونا والحجر المنزلي, كانت من المسببات في "تزايد" حالات العنف الأسري, ولكن الحل لا يكمن في القانون وفقط, ولكنه ينبع كذلك من روح المجتمع الذي يجب أن يُثقف في التعامل مع نفسه وأسرته. 
ومن وجهة نظر القضاء وموقفه من العنف الأسرين يقول قاضي محكمة تحقيق بغداد الجديدة جاسم محمد كاظم إن "القضاء سبقت اجراءاته واهتمامه بجرائم العنف الاسري التي اصبحت هذه ظاهرة تهدد ترابط لبنة العائلة العراقية ووحدة الأسرة".
وعن ارتفاع نسبة الجرائم يضيف القاضي كاظم أن "ظاهرة العنف الأسري ازدادت خلال الفترة الماضية وأصبحت ظاهرة تهدد المجتمع ما يعزز ضرورة وضع تشريع يوافق هذه الجرائم للحد منها، سيما وان الأسباب تختلف في كل جريمة عن الأخرى لكن اغلب الحالات التي سجلت كانت بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها العائلة والبطالة وأسباب أخرى منها الحظر الصحي العام وارتفاع الأسعار وعدم توفر فرص العمل وكذلك سوء استخدام برامج التواصل الاجتماعي وعدم معرفة العواقب التي تؤديها طريقة استخدامها بصورة غير صحيحة".
من جانبه يقول قاضي محكمة تحقيق مدينة الصدر حارث عبد الجليل إن "جريمة العنف الأسري هي جريمة حالها حال بقية الجرائم لكنها تأخذ خصوصيتها من خلال أطرافها حيث يكون اطرافها هم من اسرة واحدة".
وأضاف أن "نسبة جرائم العنف الأسري ارتفعت نتيجة للتفكك العائلي وانعزال افراد الأسرة الواحدة والعيش في العالم الافتراضي من خلال الهواتف الذكية وعلى برامج التواصل الاجتماعي و ترك العلاقات الحقيقية والإنسانية فتجد أفراد الأسرة الواحدة وان كانوا مجتمعين بمكان واحد إلا انهم متفاعلين مع هواتفهم وما يجري على شبكة الإنترنت".
ويبين القاضي حارث عبد الجليل أن "اغلب دعاوى التعنيف تحرك من الزوجة بحق زوجها وحتى هذه الجرائم لا يتم الاخبار عنها إلا بعد تكرارها ولا ننفي حصول حالات تعنيف الزوجة لزوجها ولا يتم الإخبار عنها من قبل الزوج لشعوره بالخجل من أفراد العائلة وكذلك للمحافظة على مكانته في المجتمع فتجد الإخبار عن هذه الجرائم قليلا جداً وكذلك تعنيف الأب لأولاده البالغين سن الرشد بسبب العادات والتقاليد".
يذكر بأن مجلس القضاء الأعلى قد وجه بتشكيل محكمة تحقيق ومحكمة جنح مختصة بالعنف الأسري في مركز كل منطقة استئنافية.
إحصائية رسمية
وتؤشر الإحصاءات الواردة إلى المحاكم ارتفاعا كبيرا في حالات العنف ضد النساء وحتى الأطفال وكبار السن، لكن ما هو أخطر أن حالات العنف مؤخرا تطورت إلى حد القتل، فمثل حالة بشرى ترد عشرات الحالات إلى دور القضاء ويتم التعامل مع المتهمين فيها بعقوبات مشددة.
وأوردت إحصائية رسمية أعدها مجلس القضاء الأعلى أن المحاكم العراقية سجلت خلال عام واحد (2019) نحو 16.861 حالة عنف أسري، وعلى الرغم من ضخامة هذا العدد، لكن كثيرين يؤكدون أن هذا غيض من فيض، فالحالات التي لم تصل إلى المحاكم أكثر، بسبب سطوة الرجل وخوف النساء من عواقب الطلاق.
وتفيد الإحصائية بأن حصة النساء كانت الأكبر بين أعداد دعاوى العنف الأسري، فقد بلغت 12336 قضية، أما القضايا الخاصة بتعنيف الأطفال بلغت 1606، بينما عدد القضايا الخاصة بتعنيف كبار السن وصلت إلى 2919.
وطبقاً للإحصائية، احتلت العاصمة بغداد المركز الأول في قضايا العنف الأسري بتسجيلها 4661 حالة، هي مجموع 1635 قضية في محكمة استئناف الكرخ، و3026 قضية سجلتها محكمة استئناف الرصافة خلال العام الماضي، بينما تلتها ذي قار بتسجيلها 2746 قضية عنف أسري خلال الفترة نفسها.
ضغوط الجائحة
وفي العام الحالي، بعد أن ضغطت جائحة كورونا على الحياة الأسرية توقع المتخصصون أن تزداد هذه القضايا، وهذا ما حدث بالفعل، فجميع المؤشرات العالمية سجلت  ارتفاعا ملحوظا في قضايا العنف الأسري خلال مدة الحجر المنزلي والإغلاق العام الذي فرضته الجائحة، والأمر نفسه ينطبق على العراق من خلال ملاحظة عدد الشكاوى الواردة إلى المحاكم الخاصة بنظر دعاوى العنف الأسري.
ما الأسباب؟
وحول الأسباب التي تؤدي إلى التوترات العائلية يقول قضاة أن "اغلب القضايا كانت الخلافات تتعلق بأجهزة الهاتف وما يتصل بها من مواقع تواصل وانشاء العلاقات الالكترونية"، مشيرا إلى أن "تدخلات الأهل في حياة الزوجين من الأسباب التي تدفع إلى الخلافات، فالكثير من الحالات تكون إدارة الأهل خاطئة بعدم ترك الزوجين لرسم مصيرهم والتدخل بحياتهم ما يؤدي إلى نزاعات وارتكاب حالات تعنيف".
أزواج معنفون!
وفي شأن متصل يؤكد قاضي محكمة التحقيق الخاصة بقضايا الأسرة في بابل أحمد محمد، وجود "حالات اعتداء وتعنيف بين الأشقاء"، لافتا إلى أن "القضايا المادية وشؤون الميراث هي أكثر الأسباب التي تؤدي إلى هذه الخلافات"، ولا ينفي قاضي التحقيق وجود "دعاوى يقدمها أزواج يعانون من تعنيف الزوجة الذي قد يصل حتى إلى الضرب أحياناً".
 

اخبار ذات الصلة