• Friday 22 November 2024
  • 2024/11/22 16:08:48
{تقارير:الفرات نيوز} اثارت ظاهرة انتشار المخدرات في الآونة الأخيرة احتقان الشارع والمجتمع في العراق بوصفها ظاهرة دخيلة على بيوتات العراقيين، فيما عدت وزارة الداخلية الحد من دخولها للبلاد بـ"المشكلة وتعاني منها اغلب الدول"، وصنفتها حقوق الانسان بخانة "ضعف الرقابة والزيادة المطردة في أعداد المتعاطين".

المختصر المفيد.. في الاخبار الهامة تجده في قناة الفرات نيوز على التلكرام.. للاشتراك اضغط هنا

وتتزايد مشكلة انتشار المخدرات في العراق، التي وصلت إلى حدود قياسية في ما يتعلق بنسب التعاطي بين الشباب وانتشار ظاهرة تجارتها بشكل واسع، الأمر الذي يدخل البلاد في معضلة يصفها مختصون بـ"أكثر خطورة من الإرهاب".
وتعلن وزارة الداخلية بشكل يومي القبض على تجار المخدرات منها في بغداد والمحافظات واخرها مقتل أحد أبرز وأخطر تجار المخدرات والمؤثرات العقلية في العاصمة والاطاحة بـ6 عناصر اجرامية شديدة الخطورة في محافظة ميسان من قبل مفارز قسم شرطة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.
كما يشارك طيران الجيش العراقي كغطاء جوي كامل خلال عمليات اقتحام اوكار تجار المخدرات؛ لكن هذه العمليات التي تصنف بـ"الخطورة العالية" اسفرت عن استشهاد واصابة العديد من منتسبي الأجهزة الامنية واخرهم استشهاد الضابط (سلمان داود كاظم المحياوي) وإصابة آخر بعملية نوعية نفذها جهاز الأمن الوطني. 


ولمعرفة أسباب انتشار المخدرات في مناطق العراق ودور وزارة الداخلية في الحد من انتشاره توجهت {الفرات نيوز} الى متحدثها الرسمي اللواء خالد المحنا ويقول" لم نرصد أي حالة زراعة للمخدرات في العراق الا انها تدخل من مختلف المناطق وحسب طبيعة المادة المخدرة {كرستال، حبوب، حشيشة.. وغيرها} وحسب الدول منها عن طريق خط {ايران-أفغانستان} ومادة الهيروين من مناطق الغربية".
وأشار الى ان" أول عمل قام به وزير الداخلية عثمان الغانمي مضاعفة الجهود في الحد من انتشار هذه الظاهرة وخاصة بين الشباب وباعتباره مصدر خطر كبير للمجتمع حيث قدم الدعم الكامل لمديرية مكافحة المخدرات من الناحية الإدارية واللوجستية رغم الضائقة المالية وزجهم بكوادر كفؤة من المحققين والضباط.
بالإضافة الى تكليف قوات النخبة العاملة في مجال مكافحة المخدرات وكان لها دورا فاعلا في اقتحام الكثير من الاوكار وقتل كبار تجار المخدرات والقاء القبض على بعضهم وضبط مئات الكيلوغرامات من منها".
وأضاف المحنا" كما تعمل وزارة الداخلية على نشر التوعية الجماهيرية بإضرار المخدرات"، مستدركاً" الأجهزة الأمنية في كل دول العالم تعاني من قدرتها في الحد من ادخال هذه المواد الى بلدانهم فهي تدخل من خلال المنافذ الحدودية بزجها او حقنها بمواد أخرى وتارة من خلال الطائرات المسيرة والكثير من الوسائل التي تستخدمها هذه العصابات".
واردف بالقول" في حال استطعنا تحصين كل عائلة وتخفيض الطلب على المواد المخدرة اكيد سيكون هنالك قلة قليلة ممن يتهافتون على شرائها؛ لذا الوزارة قامت بتكليف الشرطة المجتمعية بإقامة الورشات مع جميع منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام والمفكرين والباحثين"، معلناً" قرب إطلاق حملة وطنية كبرى لمناهضة المخدرات".


وارتفعت نسب تعاطي المخدرات في البلاد حيث بلغت مجموع المتهمين بقضايا المخدرات "2936" متهما للفترة من 1 لغاية 30 كانون الأول 2020، وبحسب مصادر امنية فان 50% من الأشخاص الذين تلقي قوات الشرطة القبض عليهم "هم متعاطو مخدرات"..
وبدورها حذرت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، من أن ملف تجارة المخدرات وتعاطيها سيكون التحدي الرئيسي والأكبر الذي ستواجهه البلاد خلال السنوات القليلة المقبلة، نظراً لـ"ضعف الرقابة والزيادة المطردة في أعداد المتعاطين".
وجاءت تحذيرات المفوضية عقب مصرع ضابط برتبة نقيب في جهاز الأمن الوطني خلال مواجهة مع تاجر مخدرات وُصف بـ"الأخطر" في بغداد.
وقال عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، إن "مشكلة المخدرات ستكون التحدي الرئيسي والأكبر الذي ستواجهه البلاد في السنوات المقبلة، نظراً إلى المشكلات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الخطرة التي ستنجم عن تفشّيها وانتشارها المتسارع في عموم محافظات البلاد".
ولفت إلى أن "العراق لا يزال يتعامل مع ملف المخدرات من وجهة نظر أمنية بحتة، والجهود الأخرى تكاد تكون معدومة.
ويعتقد أن موضوع مكافحة معضلة المخدرات "بحاجة إلى تعديل قانون مكافحة المخدرات الصادر عام 2017، لتشديد العقوبة على الاتجار بالمخدرات والتخفيف عن المتعاطين، لأنهم ضحايا الواقع والاستغلال وغياب جهود الدولة لحمايتهم، شرط ألا يتم إفلات التجار من العقوبة بحجة أنهم متعاطون فقط أو العكس".
وكشف وزير العمل والشؤون الاجتماعية، عادل الركابي، عن وجود اكثر من أربعة ملايين عاطل عن العمل في العراق.
وأشار البياتي الى" الحاجة الى جهاز إنفاذ قانون مدرَّب وجهاز آمني معلوماتي قوي مع إشراك المجتمع وكسب تعاونه وتعاون دولي وإقليمي في الملف مع توقيع اتفاقيات دولية حول الموضوع لكسب الدعم الدولي في مكافحة الآفة الخطيرة المهدِّدة للأمن الوطني ولمستقبل المجتمع العراقي خصوصاً الفئات الشبابية منه". 
فيما يرى أن "من أهم الثغرات في معالجة مشكلة المخدرات، هي افتقار البلاد إلى مؤسسات التأهيل الصحية والنفسية للضحايا والتعامل معهم كمجرمين، ما يدفعهم إلى الخوف وعدم اللجوء إلى المؤسسات الصحية، إلا بعد إلقاء القبض عليهم من الجهات الأمنية، لأن المتعاطي يعد مجرماً في نظر القانون".
وعن المواد المخدرة الأكثر شيوعاً في العراق، يقول البياتي إن "أغلب ما يتم تعاطيه في العراق الأدوية المرخَّصة، لكن يتم أخذها بشكل غير قانوني وبإفراط مثل بعض الفيتامينات ومسكنات الألم، إلى جانب مواد الكريستال والحشيش والترياك التي تصل إلى العراق عبر دول الجوار".


وبشأن أعداد المحكومين من التجار والمتعاطين، يؤكد البياتي أن ما يصدر من أرقام عن "مؤسسات إنفاذ القانون متغيرة دائماً وتمثل نسبة بسيطة من الواقع"، كاشفاً" لدينا مثلاً إحصائية تتحدث عن 5602 سجين، ضمنهم 4554 موقوفاً و1048 صدرت بحقهم أحكام قضائية، هنا 3892 من بين هؤلاء يمارسون أعمال المتاجرة بالمخدرات، و1478 تعاطوها بينهم 39 امرأة و23 شاباً في أعمار صغيرة (أحداث دون السن القانونية)".


ولابد هنا من الإشارة الى إجراءات المنافذ الحدودية ومساعيها في الحد من دخول هذه المواد الى البلاد خاصة وإنها اتهمت مرارا بضعف أجهزتها الرقابية في كشف المخدرات، ويقول مصدر رفيع فيها، {للفرات نيوز} ان" إجراءات المنافذ الحدودية صارمة لدينا أجهزة لكشف المتفجرات وشعبة المخدرات وبان إجراءات الهياة متواصلة بالتفتيش التدقيق والرقابة في جميع المنافذ والدليل على ذلك حتى من لديه غرامات من هذه المواد يكشف فكيف على صعيد الكيلو غرام الواحد منها؟... بالتأكيد لن تعبر".
واكد المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه ان "جميع المنافذ الحدودية يتم فيها ضبط مواد المخدرات على شكل حبوب وأخرى واغلب من يتم القبض عليهم من {الجنسية العراقية} قادمين من دول الجوار ونادراً مايتم القبض على جنسيات أخرى".


مراقبون حملوا الجهات التنفيذية والأمنية مسؤولية انتشار تعاطي المخدرات بين فئات الشباب وشملت حتى الفئات الصغيرة بل وامتدت اذرعها الى المدارس والجامعات والكليات العراقية.
حيث ابدى الناشط المدني عماد الطائي استغرابه من" عدم إيلاء اهتمام أكبر من قبل الجهات الأمنية والسطلتين التنفيذية والتشريعية لهذا الامر"، مبينا" المخدرات باتت تهدد اصغر فرد بالمجتمع بالإضافة الى انتشارها بشكل مخيف في الآونة الأخيرة وحتى طالت المدارس".
وأضاف" أبنائنا في خطر كبير وكان من المفترض على الحكومة ان تضع هذا الملف {المخدرات} في أولويات اهتمامها كونه أخطر من الفيروس الذي ينتشر بسرعة الضوء في أجساد أبنائنا خاصة وان البنى التحتية لعلاج مثل هكذا حالات ضعيفة جدا في البلاد".
وطالب الطائي، وزارة الصحة والبيئة" بتوفير مصحات لعلاج حالات الإدمان وتحريرهم من عبوديتهم للمخدرات وعدم تركهم يعانون واهاليهم أمام معضلة كبرى قد تصل نتيجتها الى الموت او الانتحار بالإضافة الى تكثيف حملات التوعية والارشادات الصحية للحد من هذه الظاهرة".

وهناك عدة أنواع من المخدرات الرائجة ومنها {الكريستال، الحشيشة، الأفيون، الهروين، الكوكايين}، لكن أكثر ‏الأنواع رواجاً في العراق هو الكرستال حيث يحتل المرتبة الأولى ويكون على شكل ذرات ‏بلورية.

القضاء والمخدرات

وبالرغم من الجهود القضائية والأمنية المبذولة لمكافحة المخدرات إلا أن الطريق مازال طويلا أمام هذه الآفة التي تتضخم لاسيما مع ضعف الردع وغياب الوعي وضعف الإمكانيات، كذلك عدم وجود شعب متخصصة ‏لمكافحة المخدرات داخل وزارة الداخلية ، وعدم امتلاك وزارة الصحة مصحات نموذجية لإيداع المدمنين ‏للاستشفاء من الإدمان.‏

وأبدى القضاء رأيه في سبيل مكافحة هذه الآفة وعلى لسان القاضي كاظم الزيدي حيث يقول انه "ولغرض معالجة ظاهرة الادمان على المخدرات فان ‏المشرع العراقي الزم وزارة الصحة وفقا لا حكام المادة (48) من قانون ‏المخدرات والمؤثرات العقلية بإنشاء وتطوير الوحدات العلاجية الخاصة ‏بمعالجة المدمنين وتوفير عيادات نفسية لمعالجة متعاطي المواد المخدرة ‏وتأهيل الملاكات الطبية لمعالجة المدمنين لغرض استعادة لياقتهم الصحية ‏الكاملة بدنيا وعقليا واجتماعيا".

أما  قاضي محكمة جنايات الكرخ حيدر جليل البيراوي فيقول ان "أسباب أخرى تدفع كثيرين للانتحار غير العوز المادي انتشرت في الآونة الأخيرة وخاصة لدى الشباب وهو تعاطي المخدرات وانتشارها  بين الإفراد إذ أن كثيرا من الحالات الواردة كانت بفعل تعاطيها وتعاطي الحبوب المخدرة والتي تسببت بكثير من الكوارث العائلية والمجتمعية".

ويرجع القاضي الأول لمحكمة تحقيق ميسان سعد سبهان موسى الأسباب التي أدت الى انتشار جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية إلى "تهريبها وعدم وجود ‏قطاعات عسكرية كافية من الجيش والشرطة على الحدود العراقية إضافة الى التهاون في فرض ‏العقوبات المتخذة بحق من يلقى القبض عليهم وفق القانون المخدرات الجديد رقم 50 لعام 2017".

ويؤكد قضاة متخصصون بمكافحة المخدرات أن الية وطرق دخول المخدرات الى العراق تبدأ عن طريق سلسة منظمة من المورد الرئيسي الذي ‏يدخل المخدرات من دول الجوار الى العراق ويليه التاجر الثانوي ثم يليه الوسيط الذي يقوم بدوره ببيع ‏المخدرات الى المروج الذي يتعامل مع المتعاطين بشكل مباشر.‏

إحصائية قضائية

وحلت البصرة في طليعة المحافظات العراقية لأعداد المتهمين المحكومين عن قضايا المخدرات، بينما كانت بغداد بجانبيها في المرتبة الثانية على الرغم من تصدرها عدد المتهمين ممن مازالوا قيد التحقيق، في وقت أرجع قاض عن البصرة أسباب استفحال ظاهرة المخدرات هناك إلى تنوع اساليب التهريب بتنوع المنافذ الحدودية وضعف الرقابة عليها.

ويقول رئيس الهيئة الثانية في محكمة جنايات البصرة القاضي رياض عبد العباس، أن "أسباب انتشار هذه الظاهرة عديدة لاسيما في محافظة البصرة التي تحوي على عدد من المنافذ الحدودية البرية كونها محاطة بثلاث دول وهي ايران والكويت والسعودية بالاضافة الى المنفذ البحري الوحيد للعراق من خلال الخليج"، مبينا أن "هذا التنوع الحدودي يساهم في ازدياد وتنوع أساليب تهريب المواد المخدرة الى المحافظة ومنها الى سائر البلاد".

طرق دخول المخدرات وأساليب جذب ضحاياها

كشفت محكمة التحقيق المركزية في الرصافة عن أهم طرق دخول المخدرات إلى البلاد، فبينما تحدث قاض متخصص عن دخولها جواً عن طريق لبنان وبراً عن طريق مشاحيف الأهوار، لم تسلم نعوش الشهداء والموتى من استخدامها وسيلة للمرور عبر السيطرات المحلية.

ومن اهم طرق استدراج المتعاطين وتكوين دوائر عملية لتجارة هذه المادة افاد احد اكبر تجار المخدرات والحبوب المخدرة الملقى القبض عليهم في بغداد قال أحد المتهمين للمحكمة، ان "اغلب المتعاطين نستدرجهم من خلال الكافيهات والمراقص والمساجات وبائعات الهوى المتعاطيات للمخدرات بإفهامهم بأنها منشط عام للجسم، لنوفرها بأسعار زهيدة، بل في بعض الأحيان تعرض عليهم مجانا لحين الإدمان عليها، ليضطرون بعدها الى طلب المادة وتخييرهم بين شرائها بأسعارها الباهظة او ترويجها وبيعها مقابل كمية محددة منها".

ولما وصلت إليه هذه الآفة من انتشار واسع شمل كافة فئات المجتمع طالب القضاء "مجلس النواب بتشريع او تعديل قانون مكافحة المخدرات ليكون اشد في عقوباته، وان توفر وزارة الداخلية قوة أمنية متخصصة مجهزة بأحدث التجهيزات والأسلحة لمجابهة المتاجرين بأرواح الناس، إضافة إلى تعزيز دور الإعلام وتوجيهه ليقوم بدوره في نشر الوعي بين أفراد المجتمع".

وكان العراق كان خاليا من المخدرات تجارة وتعاطيا قبل عام 2003 حتى بدأت أعداد ‏المتعاطين والمروجين تتزايد وخصوصا بين فئة الشباب والمراهقين ووصل الحد إلى استعمال النساء ‏والأطفال كطريقة للبيع والمتاجرة والتعاطي.


وفاء الفتلاوي
 

اخبار ذات الصلة