{بغداد : الفرات نيوز} .... تقرير ... كريم الفهد .. رجل ليس كمثله ، وانسان جسد معنى الكلمة احق وانبل تجسيد ، وعالم كبير ، ومجاهد صلد شجاع ، وصابر محتسب ، اقام الدنيا ولم يقعدها ، حتى طالته يد الغدر الصدامي ، حينها بكته اشجار العراق ومياهه وذرات رمله وساعات الصبر والمقارعة على حدود الوطن المنتهك المصادر المسلوب الارادة ، واعين وقلوب محبيه ومواليه .
خبرته ساحات العلم والفكر واحتضنته سنوات النضال ومضامير الجهاد ضد اعداء الاسلام ، قائد مغوار لا يهاب المنايا ، رابض للحق ، كان يشهق بعراقيته ويزفر الفراق والغربة ، ينتمي للوطن وهو بعيد عنه ، يقف على حدوده ويلعن الخونة ومسافات الطريق التي تفصله عن تراب العراق ، ذاك هو شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم {قدس} .
بكاه العراقيون صبرا مزق الافئدة واطلق للاه العنان .. بكوا فيه انفسهم يتامى وثواكل وعيون ابت ان لاتجف .. حتى باتت الدمعة عليه ابدية والحسرة سرمدية والعزاء طويل .. بكاه الهور والجبل كما الصحراء والسهل ونخيل العراق .. يضطج قرير العين بجوار جده امام المتقين وسيد الوصيين علي بن ابي طالب {ع} بعد رحلة مع العلم والفكر والجهاد وتحدي الظلمة والغربة والحنين الى الوطن والشوق الى ضم ترابه وتنشق هواه ، كان ختامها الشهادة على دين الحق والحق حتى بزوغ شمس العراق الجديد .. عراقنا الحبيب معلنة هروب خفافيش الظلام ودعاة الكفر وسالبي حقوق الفقراء .
احتضنت جسده الطاهر ارض الغري بهدوئها العلوي المقدس .. لكن عزاءنا في ان ارواح الابطال لا تطيق البقاء في الاجساد .. وفي ان اللواء الذي رفعه سيبقى خفاقا بيد الرجال الاقوياء والاشداء .. وفي ان ذكراه تلهب الثائرين عزيمة الصمود .. ومواصلة النهج الذي اختطته يداه على الرغم من التحديات .
حياته محطات ملؤها الفخر والمواقف الجهادية النادرة جسدتها شخصيته الفذة لتستحق بجدارة ان تبقى نبراسا غنيا في دلالاته للاجيال وعطاء لا ينضب ، تسلق من المهد الى اللحد مراتب المجد وقمة الهرم العلمي والعملي ، مثلما تربع بامتياز وسط قلوب وعقول وضمائر العراقيين وباقي احرار العالم .. مواقفه جهادية وتضحوية نادرة .
كان باسم الثغر تنساب دموعه على شيبته الطاهرة عندما يتذكر الوطن والصحبة وشهداء المسيرة ، صادق السريرة والوعد كثير العمل مجاهد بحق لا يخاف في الله لومة لائم .
انه السيد محمد باقر محسن الحكيم الطباطبائي {8 تموز 1939 - 29 آب 2003} وليد مدينة الطهر وسليل الدوحة المحمدية ، ومن اسرة خاضت ميادين العلم والمعارف والورع .. عرف بنبوغه العلمي وقدرته الذهنية والفكرية .
والده زعيم الطائفة الشيعية المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد محسن الحكيم ، هو مؤسس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق ، ويعد من ابرز القادة في البلاد ، ولد عام 1939 م في محافظة النجف الاشرف ، واغتيل في 29 آب 2003 اثر عملية تفجير سيارة مفخخة استهدفته بعد خروجه من ضريح الامام علي بن ابي طالب {ع} بعد القائه خطبة صلاة الجمعة .
مارس التدريس في الحوزة العلمية بالسطوح العالية ، فدرس كفاية الاصول في مسجد الهندي بالنجف الاشرف ، كما مارس التدريس منذ عام 1964 م في كلية اصول الدين ببغداد في مادة علوم القرآن ، وبجامعة الامام الصادق لقسم الماجستير في علوم القرآن بالعاصمة الايرانية طهران وفي جامعة المذاهب الاسلامية لعلم الاصول .
كما اشترك مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر في مراجعة كتابيه {فلسفتنا واقتصادنا} وقد وصفه الامام الصدر في مقدمة كتاب اقتصادنا بـ {العضد المفدى} .
ناصبه النظام الصدامي كما فعل مع كل متدين ومن يحمل فكرا وعلما ، بل كافة العراقيين ، ناصبه العداء ، وتعرض هو واسرته لمضايقات الاجهزة القمعية للنظام الدكتاتوري ، واعتقل اكثر من مرة من قبل العفالقة البعثيين ، حيث كانت احداها عام 1972 م ، واخرى عام 1977 بسبب دوره في انتفاضة صفر ، وحكم بالسجن المؤبد من دون تقديمه للمحاكمة ، وتم اطلاق سراحه بعفو عام في 17 تموز 1978م ، لكنه منع من السفر ووضع تحت المراقبة السرية .
لكنه لم يهدا او يكل ويجزع وواصل طريق الخلود في ذاكرة الوطن واستمر على نهجه بالتصدي للنظام واعوانه وحينما سنحت الفرصة هاجر من العراق بعد استشهاد فيلسوف العصر آية الله السيد محمد باقر الصدر في أوائل شهر نيسان عام 1980 م ، وكان ذلك في تموز من السنة نفسها ، قبل اشهر من اندلاع الحرب التي اشعل شرارتها النظام الصدامي المباد ضد الجمهورية الاسلامية في ايران .
ومنذ اول هجرته من البلاد الى الجمهورية الاسلامية في ايران سعى لتصعيد العمل المعارض ضد الطمغة المقبورة وقام بخطوات كبيرة في هذا المجال ، فاهتم سماحته بتصعيد الروح القتالية لدى العراقيين المظلومين ، فاسس في بداية الثمانينات التعبئة الجهادية للعراقيين وتشكلت نواة خيرة من المقاتلين واسس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق وكان سماحته الناطق الرسمي باسمه ، ثم انتخب عام 1986 رئيسا له حتى اغتياله .
وفي الجمهورية الاسلامية وعلى الرغم من انشغالاته بالتحرك السياسي المعارض للنظام المقبور ووصفه من قبل الامام الخميني {رض} بالابن الشجاع للاسلام ، فقد اولى الدراسة الحوزوية اهتماما يتناسب مع حجم انشغالاته السياسية ، فدرس على مستوى البحث الخارج باب القضاء والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وولاية الفقيه ، كما اسهم وبصورة مستمرة في المؤتمرات الفكرية والندوات واللقاءات العلمية والثقافية التي اقيمت في ايران ، وتناولت بحوثه التفسير والفقه والتاريخ والاقتصاد والسياسة والاجتماع والفكر الاسلامي .
كما اهتم بانشاء المؤسسات ذات الطابع الخيري، فأسس "مؤسسة الشهيد الصدر" والمؤسسات الصحية ، ثم المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق ، ومنظمات حقوق الانسان في العراق المنتشرة في ارجاء العالم على الصعيد الانساني ايضا شجع انصاره على تأسيس لجان الاغاثة الانسانية للشيعة المتضررين من نظام الحكم ، والتي قدمت خدمات جليلة للاسر المستضعفة واسر الشهداء والمعتقلين ، حيث تقدم هذه المؤسسات سنويا المبالغ الطائلة رعاية لهم ، وعلى الصعيد الثقافي اسس مؤسسة دار الحكمة التي تقوم بتخريج طلبة العلوم الدينية للمذهب الشيعي واصدار الكتب والكراسات الثقافية والدورات التأهيلية ، وكذلك اسس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث ، وهي كلها مؤسسات يقوم سماحته بالاشراف عليها وتوجيهها والانفاق عليها من اجل خدمة قضايا المسلمين الشيعة في العراق .
وحتى عودته الى الوطن ، كان يرأس المجلس الاعلى لمجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية ، وعضو هيئة امناء جماعة المذاهب الاسلامية ، كما كان يحتل موقع نائب رئيس المجلس الاعلى للمجمع العالمي لاهل البيت {ع} وعضو ومؤسس لجامعة اهل البيت {ع} ، وصدرت له كتب في مجالات مختلفة على الصعيد العلمي والسياسي وعدد كبير من الابحاث والكراسات ، واهم كتبه المطبوعة .. {دور اهل البيت "ع" في بناء الجماعة الصالحة ..جزءان ، تفسير سورة الحمد ، القصص القرآني ، علوم القرآن ، الهدف من نزول القرآن ، الحكم الاسلامي بين النظرية والتطبيق ، الوحدة الاسلامية من منظور الثقلين ، المستشرقون وشبهاتهم حول القرآن وقد طبع في العراق اوائل السبعينات ، ثورة الامام الحسين "ع" ، المرجعية الصالحة ، المجتمع الانساني في القرآن الكريم ، الامامة في النظرية الاسلامية ، حوارات 1 و 2 ، تفسير عدد من سور القرآن المجيد ، وغيره من الابحاث العلمية المتنوعة} .
وابدى السيد الشهيد محمد باقر الحكيم {قدس} اهتماما مبكرا باحوال المسلمين واوضاعهم ، ولذلك كان من اوائل المؤسسين للحركة الاسلامية في العراق ، وقد كرس جهده ووقته في مرجعية والده الامام الحكيم فكان يقوم بالنشاطات الاجتماعية ويزور المدن ويلتقي الجماهير ويمارس دوره في التبليغ والتوعية ، وتحمل مسؤولية البعثة الدينية لوالده الامام الحكيم الى الحج ولمدة تسع سنوات حيث كان قد اسس هذه البعثة لاول مرة في تاريخ المرجعية الدينية .
مثل والده الامام الاكبر الفقيه المرجع السيد محسن الحكيم في عدد من النشاطات الدينية والرسمية ، فقد حضر كممثل عن والده في المؤتمر الاسلامي الذي عقد بمكة المكرمة سنة 1965 م ، وكذلك في المؤتمر الاسلامي بعمان بعد نكسة حزيران 1967 م .
عاد بطل العراق السيد محمد باقرالحكيم {قدس} الى وطنه العراق في 10/5/2003 ، وقد حظي {قدس} لدى عودته باستقبال حاشد في محافظة البصرة التي كانت مدخله الى العراق ، ومن ثم في المحافظات والمدن التي مر بها في طريقه الى النجف الاشرف التي استقر فيها يوم 12/5/2003 ، وبعد وصوله بأسابيع قليلة أقام صلاة الجمعة في صحن جده أمير المؤمنين الإمام علي {ع} وعلى الرغم من كثرة مشاغله فقد واظب على امامته لها ، وكان يدعوا الى مقاومة سلمية للاحتلال ولا يحبذ المواجهة المسلحة لانه كان يرى ان الشعب منهك من ظلم صدام ولذا يجب استخدام طرق اخرى واذا لم تات بنتيجة سيكون هناك كلام اخر واوكل لاخيه عزيز العراق السيد عبد العزيز الحكيم {قدس} مهمة النشاط السياسي المباشر وتمثيل المجلس الاعلى في مجلس الحكم العراقي المؤقت وقتها .
وكم كان مثابرا في الممانعة للاقدام على اي خطوة او رد فعل يجر البلاد الى هاوية المواجهة بين ابناء الشعب على اساس الهوية الطائفية او الدينية او المناطقية او السياسية ، ولولا قوة بصيرته وتأكيده دائما على ان الاسلام هو دين السماحة والمساواة ، وان الدين لله والوطن لكل ابنائه ، ولولا اصراره على التمييز بأن الارهابيين مهما كانت اقنعتهم وبين انتماءاتهم الطائفية وعدم اخذ البريء بجريرة القاتل ، لما امكن في كل الظروف والاحوال ، الحيلولة دون الانجرار وراء العواطف الملتهبة بفعل اعمال القتل والتفجير والتفخيخ التي استهدفت سائر العراقيين وخاصة ابتاع اهل البيت .
وفي يوم الجمعة الاول من شهر رجب 1424هـ استشهد {قدس} بانفجار سيارة مفخخة وضعت قرب سيارته بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف بعد اداء صلاة الجمعة .
ومع حلول شهر رجب تختلط المشاعر وتزدحم الاحاسيس الصادقة , وعلى الرغم من مضي احد عشر عاما على رحيله المؤلم , تبقى ذكراه {قدس} عاما بعد اخر طودا شامخا وسفر خلود وعنوان تضحية .
ويعد الاول من رجب فعلا يوما للشهيد العراقي ، هذا اليوم الذي نستذكر فيه شهيدنا بطل العراق السيد محمد باقر الحيكم {قدس} وهو من افنى حياته كلها في سبيل قضية وحمل هم شعب وجاهد وناضل وبذل كل غال ونفيس لاجل دينه ومذهبه , تعرض للمضايقة من قبل النظام المباد واجهزته القمعية ، سجن وعذب وهجر , حاول اسقاطه المدعين وناوءه المتزلفين , وحسده انصاف العلماء , وباركه العلماء ، وسانده الاوفياء ، واحبه الفقراء والمحرومين والمضطهدين , لم ينس احدا ولم يقصر يوما بحق احد , الا بحق نفسه ، اعطى الجميع ولم يأخذ شيئا الا مرضاة الله التي كانت غايته . انتهى