{بغداد : الفرات نيوز} ... تقرير ... كريم الفهد . معلوم ان العراق بلد غني اقتصاديا لامتلاكه ثروات هائلة وطاقات خلاقة يمكنها ان تعيده الى الواجهة الاقتصادية ، مثلما كان ابان فترة السبعينيات التي شهدت انتعاشا على كافة الصعد ومختلف المجالات ومنها الاقتصاد ، حيث النهضة في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والنفط وغيرها حتى بات العراق محط انظار دول الجوار والعالم ومقصد الباحثين عن المال والاستثمار ، لكن جهل البعث المنحل وتخلفه وولعه بالمؤامرات والخلافات والحروب كان بالمرصاد للعراق والعراقيين فحول الارتقاء الى انحدار وعلى مدى عقود من الزمان .
لتأتي بعدها فترة حكم النظام المباد والتي شهدت تراجعا على كافة المستويات وعلى رأسها الاقتصاد الذي عانى الافتقاد الى التخطيط والنهب من قبل الاسرة الحاكمة وزمرتها واذنابها ، وتوجت تلك الفترة بالحصار الاقتصادي الذي فرضه العالم على العراق ما انهكه وحطم قدراته البشرية والاقتصادية ، لكنه للاسف لم ينل من الطغاة وكان هدفه الشعب الذي عانى كثيرا جراء المقاطعة العالمية بسبب السياسات المتخلفة للنظام المباد الذي اعتدى على الجارة العربية دولة الكويت واحتلها .
محللون وخبراء اقتصاد يؤكدون ان فترة الحصار الاقتصادي العالمي للعراق 1990 ــ 2003 كانت قد اضعفت النظام الصدامي وجعلته يدور في دوامة حتى خارت قواه ، ما اثر عليه خلال مرحلة المواجهة مع التحالف الدولي الذي استهدف اخراجه بالقوة من الكويت في حرب كلفت البلاد اكثر من 100 مليار دولار وصولا الى الاطاحة به عام 2003.
يذكر ان النظام المباد كان قد وعد في حال سقوطه بأنه سيسلم العراق ترابا لاهله ، الامر الذي كان واضحا من خلال نهب اموال وخيرات البلاد على ايدي الزمرة التي كانت تحكم في تلك الحقبة المريرة والتي تمتد تأثيراتها الى يومنا هذا .
واليوم فإن الاقتصاد العراقي تتقاذفه امواج الفساد الذي اورثته تلك الحقبة نتيجة لوجود شراذم البعث المنحل وتغلغلهم في دوائر ومؤسسات الدولة وتنفيذهم سياسة التدمير على مناحٍ عدة ، فقد تمرسوا على النهب والسلب وسرقة المال العام بطرق شتى ، اضافة الى ان المعالجات التي جاءت بها الحكومات المتعاقبة على البلاد بعد التغيير في 2003 والى يومنا هذا لم تكن شافية وقد كانت وما تزال دون المستوى المطلوب للنهوض باقتصاد البلاد مجددا اعتمادا على خيراتها وثرواتها وطاقاتها البشرية الهائلة ؛ لأن المفسدين قد شكلوا شبكات عنكبوتية يصعب السيطرة او القضاء عليها في خضم الاحداث المتوالية التي مرت بها البلاد من عهد جديد بالديمقراطية ، والارهاب الذي تمكن منها وايضا طمعا بخيرها الوفير .
وفي موازاة ما تقدم فقد عكف العاملون بمجال الاقتصاد في البلاد على العمل للنهوض به من جديد في ظل الديمقراطية وحكومات الشراكة والوطنية ، واعادة عجلة التنمية الى الحياة والسهر على دورانها بالاتجاه الصحيح من خلال تنمية قطاع النفط والانطلاق به اعتمادا على ما تمتلكه البلاد من ثروة نفطية هائلة واحتياطي كبير ، حتى راحت سقوف الاستكشاف والتنقيب والاستخراج والانتاج تتصاعد عاما بعد اخر ، ما بدى واضحا على موازنة البلاد المالية الاتحادية العامة خلال السنوات الماضية .
وراح الوطنيون يفكرون في كيفية التصدي للتحديات الاقتصادية تزامنا مع التغيير السياسي ومنهم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم الذي حمل همَّ الوطن والشعب واطلق في هذا الاطار الكثير من المبادرات الانسانية والوطنية ومنها مبادرة مشروع {البصرة عاصمة العراق الاقتصادية} الذي يعد الاهم على مستوى المشاريع الاقتصادية التي ستنعش المحافظة المعطاء ويعم خيرها على جاراتها من المحافظات بل عموم البلاد ، وبعده مشروع البترو دولار للمحافظات المنتجة للنفط ايفاء لها واعترافا بعطائها ، وغيرها من المشاريع التي تصب في الصالح العام ، وتحذيرات سماحته من الاعتماد كليا على النفط كمورد وحيد للبلاد وعدم تفعيل باقي القطاعات كالصناعة والزراعة والتجارة مخافة تذبذب اسعار النفط في الاسواق العالمية ، تلك التحذيرات التي لم تلق على اهميتها اذانا صاغية من المسؤولين الحكوميين ؛ لتعكس لنا الايام مدى دقتها وصواب رأي صاحب التحذير ، حيث تشهد اسواق النفط العالمية ومنذ فترة تراجعا كبيرا في الاسعار ما اثر سلبا على الكثير من البلدان ، ومنها العراق الذي وقع في مشكلة كبيرة تتطلب ايجاد معالجات سريعة تتماشى مع الوضع القائم .
اضافة الى ان الحكومة السابقة وعلى مدى ثمان سنوات خلت لم تخطط للمستقبل وتجد بدائل للاقتصاد الاحادي الجانب وتبحث عن تعدد مصادر الموارد لحفظ اقتصاد البلاد من الازمات المالية التي قد تحدث ، وقد سمحت للمفسدين بالتواجد على رأس المؤسسات المهمة وغضت الطرف عن كثير من الخروق في هذا الاتجاه .
وقد طرحت اكثر من رؤية لمعالجة الوضع المستحدث بشأن الاقتصاد منها زيادة انتاج النفط وزيادة الصادرات لتعويض انخفاض الاسعار العالمية وسط مخاوف من تأثير الاوضاع الامنية المعطلة لكافة جوانب الحياة في البلاد ومنها الاقتصاد ، وكذلك رؤية الاتجاه للاستثمار وطرح المشاريع بهذا الاتجاه وتفعيل القطاع الخاص ، وتقليص الانفاق الحكومي ، وفرض الضرائب ،وتشريع قانون النفط والغاز الذي سيحل وبحسب خبراء الكثير من المشكلات خاصة تلك التي بين حكومتي المركز واقليم كردستان ، لتتعدد الرؤى والحلول من اجل تجاوز الازمة المالية التي كان رئيس الوزراء حيدر العبادي قد اشار في تصريح سابق الى انها ستستمر حتى نهاية عام 2015 ، في وقت يطمح العراق الى رفع الانتاج النفطي الى 9 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020.
وليس ببعيد ذلك الاتفاق النفطي الذي عقده وزير النفط عادل عبد المهدي مع اقليم كردستان والذي عد قاعدة وركيزة لحل باقي المشكلات بين الجانبين ، وسيعود بالمنفعة على الطرفين ويضمن حقوقهما .
لتتوج جهود الحكومة بإرسالها في 23 / 12 / 2015 مشروع قانون الموازنة المالية الاتحادية العامة لعام 2015 الى مجلس النواب بقيمة 123 ترليون دينار باحتساب سعر البرميل النفط بقيمة 60 دولارا وعجز بلغ 25 ترليون دينار ، الامر الذي واجهه البرلمان بدعوة اعضائه لعقد جلسة استثنائية لمناقشة والتصويت واقرار وتمرير الموازنة ، فكان ذلك يوم الخميس 25 / 12 / 2014 وعقد مجلس النواب جلسة قرأ فيها مشروع القانون القراءة الاولى وكلف اللجنة المالية بإعداد تقرير عن القراءة الثانية لمشروع القانون ليرفع جلسته الى 7 / 12 / 2015 ، في ظل استياء شعبي من التأجيل والتأخير الذي بات وعلى مدى سنوات طوال سمة بارزة ، ودعوات لاتمام الامر مطلع العام المقبل ؛ لتكون اول موازنة تقر وتمرر في الشهر الاول من السنة .
وقد شهد شهر نيسان الماضي اعمال المؤتمر الاقتصادي الخاص بدراسة المتغيرات الاقتصادية الدولية وانعكاساتها على النظام المالي في العراق الفيدرالي بمشاركة 120 مختصا من جامعات عراقية مختلفة ، وعقد المؤتمر في اقليم كردستان ، وتضمن القاء نحو 20 بحثا اكاديميا تناولت محاور اقتصادية ومالية هامة على مستوى العراق عموما واقليم كردستان على وجه الخصوص .
كما وتناول المؤتمر محاور عديدة مثل كيفية تطور السياسة المالية وتحسين القطاع المصرفي وتنمية الجانب الاستثماري وذلك بهدف تطوير الحركة الاقتصادية بالبلاد في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة نتيجة التغيرات السياسية .
وقد كانت للعراق مشاركة بالمؤتمر الاقتصادي السنوي الذي عقد خلال شهر ايار الماضي في اثينا وتحت عنوان {اوروبا والعالم العربي .. تدعيم العلاقات السياسية والاعمال والاستثمار} .
هذا وكان العراق قد شارك في 27 / 11 / 2014 باجتماع اوبك الذي عقد في العاصمة النمساوية فيينا بحضور جميع رؤساء وفود الدول الاعضاء اضافة الى الامين العام ، ودعا وزير النفط عادل عبد المهدي الذي ترأس الوفد العراقي خلال المؤتمر الى الالتزام بالسعر المحدد للنفط ، ودعم اسعار الخام المتراجعة ، مؤكدا زيادة الانتاج النفطي في البلاد خلال الاعوام المقبلة ، داعيا الشركات النفطية العملاقة للاستثمار ببلاد ما بين النهرين .
وبين عبد المهدي خلال المؤتمر ان الزام الدول المصدرة للنفط بحجب الامدادات الزائدة عن السوق سيتكفل بالسيطرة على التضارب بأسعار السوق ، مشيرا الى حاجة العراق لاستثمارات ضخمة في منشآته مثل الموانئ وخطوط الأنابيب ومرافق التخزين ، يضاف اليها استحداث منشآت نفطية للاستخراج .
كما شارك العراق في 24 / 12 / 2014 بمؤتمر الاسكان العربي الثالث الذي عقد في الاردن ، للتركيز على المتطلبات العمرانية والاقتصادية في المدن السكنية والتعاون بين الدول العربية .
ولا يكتمل اي محور من محاور الحياة العراقية الا بالاستعانة بطروحات وتوصيات المرجعية الدينية الرشيدة التي لم تترك شأنا في مصلحة الوطن والمواطن الا وأسست له ، وبشأن الملف الاقتصادي فقد اوضح وكيل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة صلاة الجمعة 26 / 12 / 2014 انه " في مثل هذه الظروف التي يمكن أن تتكرر مستقبلا لا يصح أن يقتصر على اتخاذ إجراءات آنية عاجلة وان كانت مطلوبة ولا بد أن تكون هناك دراسة مالية واقتصادية من قبل مجموعة تتشكل من جميع الوزارات والاستفادة من تجارب دول أخرى ؛ لإنهاء العجز المالي ، مؤكدا ان المسؤولية هي وطنية تضامنية يتحملها الجميع بدءً من أعضاء البرلمان والوزراء وحتى عموم المواطنين " .
ولفت الشيخ عبد المهدي الكربلائي الى ان " المطلوب هو استشعار الجميع بالمسألة ، كل حسب قدرته ، للخروج من الوضع الحالي وايجاد موارد جديدة مثل الزراعة والصناعة وتفعيل القطاع الخاص والسياحة والاعتماد على الكفاءات الوطنية وعدم الاتكال على الخارج في توفير المواد للبلاد " .
وقال الشيخ الكربلائي " واثقون بأن العراقيين لو استنهضوا هممهم وصمموا على تجاوز هذه الظروف وفجروا طاقاتهم وتعاونوا على محاربة الفساد بإرادة جدية ؛ لتمكنوا من أن يحققوا ما يتمنون لتجاوز المرحلة من دون أن تتوقف عجلة التنمية مثلما حققت القوات الأمنية الكثير من الجهود في مواجهة عصابات داعش الارهابية " .
واردف كما ان " الموظف مطلوب منه ان يفجر طاقاته ويتجنب الاستهلاك غير الضروري وان يعمل المواطن ايضا على ترشيد الاستهلاك في الكهرباء والماء وغيرها " .
ومضى قائلا ان " الكثير من الدول لا تمتلك الثروات ولكنها استطاعت بفضل خططها وتحمل مواطنيها للمسؤولية الوطنية في دعم اقتصاد البلاد ، وترشيد استهلاكها واحترامها للعمل والوقت ان تحقق استقرارا اقتصاديا وتخدم مواطنيها " .
وقال ان " التضحيات العظيمة التي تقدمها القوات المسلحة في معركة الشرف ضد عصابات داعش الارهابية يجب أن يحاكيها اليوم كبار المسؤولين والدرجات الخاصة بالتضحية ببعض امتيازاتهم المالية وتقتضي من موظفي الدول من اطباء ومهندسين وموظفين بذل الجهود في بناء البلاد وتوفير المال بما يعين لتجاوز الأزمة المالية " .
وشرح الشيخ الكربلائي كيفية تقديم التضحيات من اجل النهوض بالبلاد وتجاوز الأزمة المالية بالقول انه " بعد انخفاض أسعار النفط واعتماد الموازنة المالية الاتحادية العامة على النفط ، ما اضطر الحكومة الى ايقاف المشاريع الخدمية والتنموية والدرجات الوظيفية وغيرها " .
وتابع " يجب ان نتعلم كيفية تقديم التضحيات لتجاوز الصعاب والازمات ، ومنها المالية من خلال تعاون المسؤولين والمواطنين في كافة المجالات " . انتهى ك ح