تعد العواصف الترابية، كابوساً يهدد حياة العراقيين مع شحة الأمطار وغياب الحلول قريباً لمكافحة التصحر في بلد كان يسمى يوماً بـ"السواد" لكثافة غطائه النباتي.
بلاد وادي الرافدين تواجه اليوم أقسى تغييرات المناخ العالمي وسط أهمال حكومي في تدارك الأمر قبل فوات الأوان.
ويتعرض العراق منذ عدة سنوات لعواصف ترابية بشكل متكرر، وغالبا ما تستمر عدة أيام وأحيانا ساعات وتتسبب بحالات وفاة ومئات الاصابات جراء الاختناق من الغبار المتصاعد في الأجواء.
ويعزو المتنبئ الجوي صادق عطية زيادة تكرار هبوب العواصف الترابية في هذا الموسم الى انه "ناتج عن شحة هطول الامطار غرب البلاد مما جعل التربة السطحية جرداء، هشه وخالية من الغطاء النباتي".
وأضاف كما "ان هذه العواصف تحصل مع هبوب الرياح الشمالية النشطة بعد مرور جبهة المنخفض مع فوارق حرارية تعمل على إثارة الغبار وتشكل موجات غبارية وتربة زاحفة تتجه نحو باقي المدن تبعا لحركة الرياح وسرعتها".
و"يعتبر التنبؤ بتشكل العواصف الترابية غالبا من أعقد التنبؤات الجوية التي تواجه المتنبئ الجوي في العراق خصوصا مع المعاناة من الإهمال الحكومي وضعف أجهزة الرصد ومحدودية الامكانات المادية" كما يقول عطية.
ويبين "هنا تواجه المتنبئ الجوية مشكلة أخرى وهي امكانية التنبؤ بوقت اضمحلال العاصفة في مكان معين، وهذا يعتمد على خبرة المتنبئ الجوي في مثل هذا النوع من التنبؤات".
وشدد عطية "لابد من التنويه انه يكاد يبدو من المستحيل السيطرة او التقليل من تكرار حدوث العواصف لانها تتشكل في مساحات واسعة وليست قليلة وبالتالي الوضع القادم لا يبشر بالخير وربما نتعرض للمزيد من العواصف سواء في موسم الربيع الحالي او خلال فصل الصيف المقبل" حسب توقعه.
وعن الموجة الغبارية الحالية التي اجتاحت مدن غرب ووسط البلاد والفرات الأوسط مساء الجمعة يقول عطية انها "تتجه نحو باقي المدن، وتأثيرها على مناطق عبورها يستمر لمابين 5- 6 ساعات".
تتسبب العواصف الترابية في العراق في عشرات حالات الاختناق وضيق التنفس، فيما تشير توقعات خبراء الأرصاد الجوية إلى ازدياد موجات العواصف الترابية خلال الأشهر المقبلة، بسبب تقلبات الطقس وازدياد درجات الحرارة وتآكل التربة.
يبدو أن منطقة اقليم كردستان لن تكون بمنأى عن تأثير هذه العواصف.
ويقع العراق في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا ضمن المناطق الصحراوية الجافة حيث يتميز مناخه بقلة معدلات سقوط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة التي تصل الى نحو 50 درجة مئوية أو اكثر في مواسم الصيف اللاهبة, اضافة الى ارتفاع نسبة التبخر كنتيجة للارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
وهذا الموقع الجغرافي يعرض العراق الى عواصف ترابية بين فترة وأخرى.
وتعتبر الصحراء الغربية في غرب العراق السبب الرئيس لتعرض البلاد لمثل هذه العواصف وخاصة في شهري آذار ونيسان الى جانب تأثير بادية الشام الصحراوية.
وحسب تقارير الباحثين في مركز بحوث الفلك وفيزياء الفضاء في وزارة العلوم والتكنولوجية في العراق فإن أسباب نشأة هذه العواصف يعود الى تقلبات المناخ.
وباتت العواصف الترابية التحدي الحقيقي في العراق ويفضل بعض خبراء الطقس تسميتها بـ "موجات غبارية" لأن العاصفة قد تدوم ساعة او نحو ذلك حيث يمكن للغبار أن يستمر عدة أيام.
وتوقع برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن يشهد العراق 300 حدث غبار في غضون 10 سنوات من 120 حالة في السنة الآن.
ويشدد خبراء بيئة على ضرورة معالجة مشكلة التصحر في العراق وجفاف الأهوار واقلاع الأشجار ومعالجة انخفاض الموارد المائية وهجرة المزارعين من الريف الى المدينة والحد من عمليات الرعي الجائر وعمليات الري غير الرشيدة.
وأكدوا ان "المطلوب اليوم وضع استراتيجية وطنية ليكون التعامل مع ظاهرة العواصف الرملية والترابية من المهمات الوطنية بالغة الأهمية لما لها من مخاطر كبيرة تمس حياة الانسان وصحته واقتصاد البلاد وزراعته ومصدر غذائه.