وتحفل محاكم الأحوال الشخصية بالمئات من دعاوى الخلع والتفريق التي تتنازل بها الزوجة لكي تحظى بقرار الطلاق، والقصص التي تروي المعاناة الإنسانية لهذه الفئات كثيرة.
شمس (28) عاما وهو اسم مستعار لإحدى مراجعات محكمة الأحوال الشخصية "معلقة" هكذا وصفت نفسها بعد أن تركها زوجها هي وطفلتها، زوجها الذي يرفض الطلاق او تسليمها حقوها تاركا لها خيار (الخلع) مقابل التنازل عن حقوقها كالمهر والنفقة.
تقول "بسبب وضعي غير المقبول اجتماعيا اضطررت إلى إقامة دعاوى عدة منها النفقة وتوفير السكن من غير أن أتطرق إلى موضوع الطلاق رغم إني سلكت طريق المحاكم ويقيني بنهايته التفريق أو الطلاق لكني لم ارضخ إلى أسلوب التنازل في سبيل الطلاق".
وتختلف معها أم حسن في الفكرة موضحة أنها "تنازلت عن الحقوق مقابل الاحتفاظ بحضانة أولادها وحصولها على التفريق بعد مماطلة ووقت طويل استخدمه طليقها للضغط عليها وممارسة الكثير من العنف اللفظي والجسدي في سبيل أن تقيم دعوى (الخلع) ويخرج هو بدون دفع أي مستحقات أو حقوق، ورغم خسارتها النفسية والمادية ترى أنها فازت بحريتها واستعادت ذاتها بعد أن كانت تعيش حياة قاسية ولا يمكن تشجع الفتيات على التنازل عن حقهن إلا إذا شعرت بان بقاءها في وضع مهين ويسلب إرادتها".
يقول القانوني صفاء اللامي إن "هذا النوع من الطلاق يكون بالاتفاق بين الزوجين وكون العصمة بيد الزوج فقيام الزوجة بالتنازل عن حقوقها جميعا الشرعية والقانونية أو جزء منها حقها كان تكون (نفقتها أو مهرها المعجل أو المؤجل) مقابل حصولها على الطلاق وهذا يسمى طلاقا خلعيا بائنا بينونة كبرى".
ويضيف اللامي أن "هذا الطلاق منتشر حاليا بشكل كبير ومن الملاحظ كثرة الدعاوى من هذا النوع، يكون هناك اتفاق بين الزوجين وغالبا ما تكون فيه الزوجة هي المتنازلة عن جزء من حقوقها وليس جميعها كالتنازل عن مهرها المقدم والمؤخر وهذا النوع من الطلاق هو السائد حاليا".
وعن أسباب هذا الطلاق يقول إن "الزوجات يتنازلن عن كل حقوقهن الزوجية مقابل الخلاص ولهذا أسباب كثيرة فالسبب الأول والاهم أن الزوج يمتلك "العصمة" في إيقاع الطلاق فلا تستطيع الزوجة الانفصال إلا إذا الزوج طلقها بنفسه لذا دعاوى التفريق القضائي جميعها التي تقيمها الزوجات لا تشتمل على شروط موضوعية في إيقاع التفريق القضائي بين الزوجين لأسباب مختلفة لا تندرج بين الأسباب التي رسمها القانون (قانون الأحوال الشخصية النافذ) وبذلك جميع او اغلب القضايا التفريق التي تقيمها الزوجات ترد".
ويواصل الحديث عن "ماهية الضرر التي تؤسس عليه دعاوى التفريق حيث تختلف من دعوى إلى أخرى حسب قناعة المحكمة أي بمعنى ليس كل من تتقدم للتفريق توافق لها المحكمة على الطلاق إلا اذا اشتمل على أسباب موضوعية رسمها القانون كان يكون تزوج عليها بزوجة أخرى دون علمها او أن يكون مصابا بمرض يتعذر معه القيام بالواجبات الزوجية والذي يجب أن يثبت بتقارير طبية، أو ان لا ينفق عليها فهذه اغلب الأسباب التي شملها القانون وتقع عليها واقعة الطلاق".
ويبين اللامي "كمحامين نتعامل معه كحق شخصي ولا نستطيع او نجبر الموكلة (المدعية) على التنازل لأجل الانفصال، على العكس نحن نتعامل معها إذا وجد اتفاق او حل تسوية نمضي بإجراءات الطلاق بعد ان نصل إلى طرق مسدودة لاستئناف الحياة الزوجية ونبادر إلى إعادتها إذا وجدنا صيغة تفاهم مع الطرف الآخر لكن إذا كانت الأمور مستعصية ولا يمكن الركون إلى استئناف الزوجية فتلجأ إلى إقامة الطلاق الخلعي وتنازلها مع أخذ بعض الحقوق، وإذا كان الاتفاق التنازل عن الكل لا نطالب بأي حق ونقيم الدعوى".
وتقول قاضية الأحوال الشخصية في محكمة الكرخ نور عدنان أرحيم إنه في "بعض دعاوى التفريق لا تستطيع الزوجة ان تثبت حقها مثل التفريق للهجر والتفريق للضرر وهي لا تستطيع إثبات الضرر فالزوج هنا يوافق على الطلاق شرط ان تتنازل عن حقوقها؛ المهر أو النفقات او الأثاث وأحيانا تتنازل عن جميع حقوقها في سبيل نيل حريتها لاسيما الحالات التي تتولد فيها مشاحنات وحالات بغض او كره فتتنازل بالمجمل ونعتبره السبيل الوحيد للحصول على الطلاق".
وتضيف أن "هناك حالات يكون فيها اتفاق بين الطرفين، كأن تتنازل الزوجة ويوافق الزوج على الطلاق وفق الاتفاق المبرم بينهما وتسمى بحالتها "المخالعة" وأيضا تتنازل عن حقوقها كاملة مقابل إثبات الحضانة لها".
وتعرج على الأسباب قائلة إن "اتفاق التنازل يكون بينهما عادة، وليس أمام المحكمة والسبيل القانوني للحد من حالات التنازل هو أن ترفع دعوى التفريق للضرر ووجود الخلافات المستحكمة كالتفريق للهجر او تعاطيه المسكرات او المواد المخدرة او التعنيف فتتجه الزوجة لإقامة الدعاوى فإذا لم تستطع إثبات الضرر، فحينها تضطر للتنازل عن حقوقها ومع ذلك يتطلب موافقة الزوج على التفريق رغم التنازل".
ولفتت إلى أن " القانون العراقي يختلف عن القانون المصري او بعض القوانين العربية بمفهوم الخلع ( فالمخالعة ) بالقانون العراقي تتم بموافقة الزوجين"، وتقدر القاضية تخمينا ان "اغلب الدعاوى التفريق بعد مكوثها بالمحاكم ربما مدة تتجاوز سنوات مرورا بدعاوى النفقة او الأثاث والحقوق وما يتطلب من إثباتات لذا في النهاية يلجأ الإطراف إلى التنازل وربما تصل هذه الحالات الى ما نسبة 40 – 50 % من الدعاوى ".