وللمرة الثالثة في أقل من ثلاثة أشهر كلف رئيس الجمهورية برهم صالح، في 9 نيسان الجاري مدير جهاز المخابرات الوطني، مصطفى الكاظمي الشخصية جديدة لتشكيل الحكومة التي طال انتظارها منذ استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي كانون الأول الماضي تحت ضغط التظاهرات الشعبية المطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد والبطالة والخدمات.
الكاظمي {53 عاماً} قد يبدو غامضاً – نوعاً ما- للعراقيين بحكم منصبه كمدير مخابرات وتجنبه الظهور الاعلامي حتى قبل تكليفه لكن بعد ذلك أصبح مختلفاً وتلا بخطابات وتصريحات وتغريدات تطورات مهمته في تشكيل الكابينة الوزارية والإفصاح عن برنامجه الحكومي.
فبعد محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي وقع الإختيار هذه المرة على الكاظمي لتشكيل هذه الحكومة، على أن يقدمها لمجلس النواب خلال المهلة الدستورية المحددة لذلك وهي 30 يوما.
عُينَ الكاظمي مديراً لجهاز المخابرات عام 2016، في حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ليختفي بعدها في مهمات ظل مركبة بين الأمن والدبلوماسية، وخلالها صاغ شبكة علاقات محلية وإقليمية واسعة، لكن الجهاز الذي قاوم لحظات انحلال "سيادي"، وجد نفسه في مسار خطير بمواجهة قوى سياسية، كانت بدورها تنافس الدولة على مصادر قوتها، في مساع متقاطعة للاستحواذ عليها، متخادمة مع مراكز إقليمية ودولية.
وحظي المكلف بإجماع – غير مسبوق- من القوى السياسية الشيعية وتأييد واسع من الكتل الكردستانية والسنية على حد سواء ما قد يسعل مهمته في اعلان الكابينة التي أعلن عن جاهزيتها واختيار أعضاء كابينته وفق معايير "النزاهة والكفاءة" وانه مستمر في مفاوضاته مع الكتل بشأنها وان المشاورات معها تسير "بشكل ودي، في الوقت الذي ينتظر فيه مجلس النواب تحديد موعد من الكاظمي لعقد جلسة منح الثقة لحكومته.
ويَعرف الكاظمي، أنه "لم يأت لهذا الموقع بوصفه منتخباً بل خيار أزمة لمرحلة مؤقتة، وانه اختير في ظروف دراماتيكية لمواجهة تحديات مركبة ومتراكمة منذ شهور".
وبعد خطابه الأول بعد التكليف، الذي بدا بحسب محللون سياسيون "عجولاً مُربَكاً نوعاً ما يعبر عن لحظة اضطرارية"، عاد الكاظمي إلى طبيعته الحذرة، محاولا إطلاق إشارات مركزة بينما تمضي مفاوضات تشكيل الحكومة، عن "علاقات العراق المتوازنة" و"حصر السلاح" المنفلت بيد الدولة و"محاربة الفساد" ، في تلميحات عن إعادة ضبط العملية السياسية وعودتها، في الأقل، إلى قواعد اشتباك مرسومة.
والى حد ما ستفصح الأيام المقبلة حقيقة الدعم السياسي الشيعي وغيره من القوى للكاظمي في اعلان الحكومة وتقديمها للبرلمان ومدى الحرية التي تعهدت بها له في إختيار الوزراء وشكل الكابينة أو سيكون هناك إلتفافاً -مثل كل مرة- في التقاسم والمحاصصة والصراع على المناصب وهذا أبرز ما يتخوفه الرأي العام والشارع العراقي في ان يكون التوافق والاتفاق مؤقتاً.
وترى أوساط سياسية أن "الإجماع الشيعي الحالي على الكاظمي من شأنه أن يخفض سقف شروط الأكراد والسنة التفاوضية مع الكاظمي، حتى مع امتلاكه علاقات جيدة مع الطرفين".
وأشار رئيس كتلة ائتلاف الوطنية النيابية، كاظم الشمري، في بيان الى أن وفداً من الوطني ألتقى الكاظمي بعد التكليف وقال انه "كان مقنعاً في طرح تصوراته بشأن تشكيلته الحكومية وما يريد أن يفعل".
ودعا الشمري "الكتل والشركاء السياسيين إلى أن يرفعوا أيديهم عن المكلف ومنحه بالفعل الحرية الكاملة في اختيار فريقه الوزاري والوقوف معه في هذه المرحلة الحرجة، فهو ليس خيار صناديق الاقتراع بل هو خيار أزمة، ولذلك علينا أن ندعمه بقوة لا أن نخلق الأزمات أمامه".
ويكاد الصراع على تشكيل الحكومة أشبه ما يكون بـ"ملحمة صراع العروش" كما وصف النائب عن تحالف وطن محمد إقبال الوضع في تغريدة له على تويتر.
ويضيف إقبال أنه "مع تغير مواقف الكتل السياسية ومعارضة أخرى ازدادت فرص الكاظمي وبالتالي حظي بالتكليف" واصفاً الكاظمي بـ"الفرصة الأخيرة و نتمنى ان يوفق في مشواره فالبلد بحاجة لعبور ازماته التي اثقلت كل فرد فيه".
ويؤكد سياسيون ان مهمة الكاظمي الأساسية، لو اتيحت له فرصة تمرير حكومته، ستكون "إما تجديد حيوية النظام وإدامة وجوده وإنعاش أدواته وإعادة تسويقه للشعب، أو ربما تكون كتابة شهادة الوفاة لهذا النظام وإعلان الدخول في عقد اجتماعي جديد وعملية سياسية جديدة تكون مرضية لغالبية أبناء الشعب الذين فقدوا الثقة في أدوات ومؤسسات العمل السياسي".
ولا يختلف أثنان على ان مهمة الكاظمي ليست سهلة، ولن تكون خطواته التي سيتخذها في حال تمرير حكومته من قبل البرلمان يسيرة؛ بل سيجد صعوبات عدة وهو يسعى إلى إعادة تنظيم هيكلة الدولة العراقية من جديد؛ لأن الحكومات السابقة جعلتها دولة مترهلة وأغلب مؤسساتها استهلاكية وليست إنتاجية، فضلاً عن ذلك أن الدولة العراقية تقع وسط منطقة الصراع الدولي والإقليمي، ولا سيما الصراع الدائر بين الولايات المتحدة وإيران.
بالإضافة الى إلى ذلك فان الفساد الذي ينخر جسد الدولة والتحدي الجديد المتمثل بالملف الصحي بات يمثل الأولوية لدى جميع حكومات العالم؛ بسبب تفشي وباء كورونا المستجد، وكذلك الملف الاقتصادي هو الآخر سيكون من الملفات الضاغطة على حكومة الكاظمي".
ومما لاشك فيه فأن أي حكومة جديدة لأي رئيس وزراء مكلف -الكاظمي أو غيره- ستكون نقطة فاصلة ومحطة مهمة بتاريخ العملية السياسية بعد 2003 في مدى جدية وصدقية جميع القوى السياسية في إنقاذ العراق والخروج به من النفق وعنق الزجاجة الذي طال الوقوف بها.
وعن احتمالية إنقلاب الكتل على الكاظمي بعد إزاحة الزرفي، استبعدت قوى شيعية ذلك "لأن جميع الكتل الشيعية أيدت تكليف الكاظمي بكتاب رسمي لرئيس الجمهورية، كما ان المكلف لم يضع أي شروط مقابل قبوله التكليف.
ويعتقد الخبير القانوني أمير الدعمي أن "الكاظمي يطابق إلى حد كبير مطالب المتظاهرين التي تنادي برئيس حكومة غير متحزب ومستقل".
وبشأن فرص تمريره في البرلمان، يرى الدعمي أن ملامح الحكومة وتفاهمات الكاظمي ستقرر مروره من عدمه،" مرجحا أن "يكون مخاض تشكيل حكومته عسيرا مع وجود من يراهن على كسب الوقت بوضع العراقيل والإبقاء على عبد المهدي كصورة لرئاسة الحكومة.
وعلى النقيض من ذلك، يرى الباحث السياسي رعد هاشم أن الأطراف الشيعية تجد في الكاظمي خير من يحفظ ويحكم معادلة توازن علاقة العراق مع كل من أميركا وإيران، ومنع حصول حرب بينهما على الساحة العراقية".
وستبقى الأيام المقبلة كفيلة بحسم كل التكهنات بشأن مصير الحكومة الجديدة لكن وفوق كل هذا ربما سيُدوّن الكاظمي اسمه، كأول رئيس وزراء يُكلف بهذه السرعة في سجل تاريخ العراق بعد 2003 ويدخل بذلك التاريخ من أوسع أبوابه، بغض النظر عما ستؤول إليه نتائج تكليفه لاحقاً.انتهى
عمار المسعودي