يواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه الجنوني أمام الدينار العراقي، في ظل محاولة السلطات النقدية والحكومية عن إيقاف ذلك.
وتجاوزت أسعار الصرف أمس، حاجز الـ1650 ديناراً للدولار الواحد؛ ما أدى إلى زيادة الاضطراب في الأسواق المحلية وكسادها؛ نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات لمستويات غير مسبوقة.
بينما يبلغ سعر الصرف الرسمي من البنك المركزي العراقي للدولار، الموجه للمواطنين الأفراد 1470 لكل دولار واحد.
ويأتي التراجع مع استمرار تأثر الأسواق المحلية بشح وفرة الدولار، وعدم نجاح محاولات الحكومة والبنك المركزي في إعادة الاستقرار لأسواق الصرف.
ومنذ مطلع العام الجاري، اتخذت الحكومة والبنك المركزي رزمة إجراءات لزيادة معروض الدولار في السوق المحلية، وهو قرار نجح جزئيا في حل الأزمة إلا أن أسعار الصرف بقيت متراجعة.
وتعود الأزمة إلى كانون الأول 2020، حين أعلنت حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي تغيير سعر صرف الدولار من 1117 دينارا للدولار الواحد، إلى 1450 دينارا، وذلك بسبب تراجع أسعار النفط العالمية.
ومطلع 2022، وفي ظل معاودة ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية؛ رفضت الحكومة دعوات لإعادة سعر الدينار إلى ما كان عليه.
وأولى تداعيات أزمة الدولار إقالة محافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب مخيف الأثنين الماضي بأمر من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي كلف محافظ البنك السابق علي العلاق وكالة.
وعلق السوداني على التغييرات بالقول ان :"الإدارات التي تم تكليفها في البنك المركزي والمصرف العراقي للتجارة تمتلك مهارات وستعمل على تقليل ارتفاع أسعار الصرف".
ويشتكي معظم الباعة وتجار الجملة منذ أسابيع من تراجع حركة البيع والشراء في الأسواق المحلية وعزوف المواطنين عن التسوق؛ نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار معظم السلع والمواد الغذائية الأساسية، بعدما ارتفعت أسعار بعض السلع بمقدار النصف تقريباً.
ويخشى معظم التجار والمواطنين من استمرار ارتفاع أسعار الدولار ووصولها إلى حاجز الـ2000 دينار للدولار الواحد في حال استمر الإخفاق الحكومي في مواجهة الأزمة التي من شأنها أن تفجر الأوضاع على شكل مظاهرات احتجاجية، التي تخرج بشكل محدود غاية الآن امام مبنى البنك المركزي وسط بغداد.
ويرجح متعاملون في سوق العملات الأجنبية بالعراق أن تستمر موجة التذبذب في استقرار سوق العملات الأجنبية حتى استكمال تطبيق الإجراءات الحكومية على حركة الدولار، ومنع تهريبه إلى خارج البلاد، وتشديد الرقابة على عمليات الاستيراد من الخارج.
وبات من الواضح أن الارتفاع المتواصل في أسعار صرف الدولار مرتبط بالإجراءات المتشددة التي اتخذها البنك الفيدرالي الأميركي حيال عمليات تحول الأموال إلى البنك المركزي العراقي؛ لمنع عمليات الفساد والتلاعب وتهريب العملة إلى دول الجوار من خلال نافذة العملة في البنك المركزي.
ويشترط الفيدرالي في إجراءاته الجديدة أن يقدم العراق وثائق وشهادات استيراد واضحة ومحددة من قبل الشركات والأشخاص الراغبين في الحصول على الدولار، بعد أن كان يقدم وثائق غير معروفة ومزورة في أوقات كثيرة.
وقررت حكومة السوداني إرسال وزير الخارجية فؤاد حسين الى واشنطن على رأس وفد فني اقتصادي رفيع لبحث أزمة الدولار ومناقشة اقتراح تأجيل قرار الفيدرالي الأمريكي ستة أشهر بحسب مصادر مطلعة.
من جانبه، حسم البنك المركزي، قضية البيع النقدي للمواطنين بالدولار، وما تردد عن أنه بصدد إيقاف بيعه المباشر، ونفى "منع أو تقييد البيع النقدي للمواطنين، وأن التسجيل الإلكتروني يضمن تلبية حاجة المواطن للدولار".
كما وجه وفي تطور آخر لكبح جماح صعود أسعار الصرف، بتوسيع منافذ بيع الدولار النقدي للمسافرين في مطارات البلد (بغداد والبصرة والنجف وأربيل والسليمانية).
وأتهم النائب المستقل مصطفى سند الولايات المتحدة بمحاولة استخدام الدولار للضغط على السوداني وقال للفرات أمس :"امريكا استخدمت ملف الدولار للضغط على السوداني وهو أكبر سلاح يفوق بتأثيره الصواريخ تستخدمه لمعاقبة الدول، وامريكا تعاقب العراق عن طريق اجراءات منصة {سويفت}" على حد قوله.
ويشرح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني وظيفة هذه المنصة بالقول: "أن ما يحصل الآن يعود إلى أن البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي فرض تعديلات على إجراءات الحوالات التي تمر بنظام سويفت، التي تضم تدقيقا لمصدر الأموال وحتى المستقبل النهائي، وهو ما جاء بعد تبعات سرقة القرن والتي كشفت مخططات لتهريب الأموال".
من جانبه بين مستشار البنك المركزي العراقي، إحسان شمران الياسري أن "البنك الفيدرالي الأميركي وضع شروطا مشددة في الآونة الأخيرة تلزمنا بعرض قوائم بالدولار المباع عليه تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة ويتم الانتظار 15 يوما لبيان موقفه من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب، وتتوقف عملية البيع في حال اعترض البنك الفيدرالي على اسم معين كونه مطلوبا أو يوجد تشابه أسماء أو وجد شبهة بالهدف من شراء الدولار".
وأدت الزيادة في أسعار الصرف إلى زيادة معدل التضخم في العراق بنسبة 0.3 في المائة لشهر كانون الأول الماضي، بحسب وزارة التخطيط.
وقالت الوزارة، في بيان السبت، إن "الجهاز المركزي للإحصاء رصد ارتفاعاً في معدل التضخم الشهري خلال الشهر الأخير من العام الماضي (كانون الأول) بنسبة 0.3 في المائة، مقارنة مع شهر تشرين الأول الذي سبقه".
وفي محاولة حكومية أخرى لكبح جماح صعود الدولار والتقليل من حجم التضخم الذي اجتاح الأسواق جراء ارتفاع سعر الصرف، وما نجم عنه من موجات غلاء أثرت بشكل واضح في محدودي الدخل، وأدت إلى "قضم" جزء كبير من مدخولات العاملين في القطاعين العام والخاص لمحت بدخولها {تاجر جملة} في السوق المحلية بهدف السيطرة على الأسعار.
وقال المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، :"نجد في تدخل الدولة في حقل تجارة الاستيراد حلاً وطنياً شاملاً لتوفير الاستقرار السعري وتوفير أجواء من المنافسة المضادة (للكارتلات) المحتكرة للتجارة والتي تطلق إشارات سالبة صوب استقرار سعر صرف الدينار العراقي".
وأضاف صالح "طالما أن التجارة الحكومية هي ذات حوكمة عالية وخارج هذا القيد بكونها تعتمد آليات الاعتمادات المستندية وهي القاعدة التقليدية لتمويل التجارة، وحتى تستطيع السوق التجارية إعادة تنظيم نفسها وتعاقداتها ومشترياتها الخارجية، وبغية احتواء التقلبات في سعر الصرف في نطاق ضيق، نقترح أن تتوسع التجارة الخارجية الحكومية (كتاجر جملة) حالياً لرفد السوق بأهم السلع ذات المساس الواسع بحياة الناس والتي تتدفق على وفق سعر الصرف الرسمي الثابت 1460 ديناراً للدولار".
وستبقى أزمة الدولار الشغل الشاغل للمواطن العراقي لما لها من مساس مباشر بمدخوله المالي والمعاشي كما تعتبر أحد ابرز التحديات التي تواجه حكومة السوداني رغم جهودها ومحاولاتها لضبط الإيقاع بين مكافحة الغلاء والفقر والوقوف الى جانب المصلحة الوطنية في مفاوضاتها الحتمية مع واشنطن.